الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقولات: المعارضة، الثورة، الطفرة، مدلولها واسقاطاتها في الواقع السوري

عبد الله أبو راشد

2018 / 3 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


مقولات: المعارضة، الثورة، الطفرة، مدلولها واسقاطاتها في الواقع السوري
عبد الله أبو راشد*
لم تعرف سورية في ظلال حكم البعث، أو حقبة الحركة التصحيحية التي قادها حافظ الأسد، أي شكل من أشكال المعارضات الحقيقية، والفاعلة في قيادة المجتمع والحكومة والسياسة. بل كانت مجرد أحزاب مصنعة ومن داخل بنية النظام ومشيئته الحاكمية، ومُتناسبة وأهدافه الخاصة في تشكيل هياكل سياسية وتجمعات موجهة وموالية، ومحدودة القدرة تحت اسم تجمع شكلي يدعى (الجبهة الوطنية التقدمية)، وبالتالي لم نجد أية تكتلات مجتمعية أو حزبية تحمل حقيقة سمات المعارضة الوطنية الفاعلة. ولم تعرف سورية منذ تسلم البعث وتبعاته وصولاً لحقبة الأسد الابن أي مفهوم للمعارضة بالمعنى السياسي والإيجابي. تلك المعارضة التي تقوم على أساس المشاركة والمداولة في صناعة وطن ومواطنة لجميع أفراد الشعب بكل تنوعاته الطبقية العقدية والاثنية، أو ممارسة حرية القرار والاختيار، وتناقل السلطة الحاكمة والمقترنة بصناديق الانتخاب، وعلى أساس أنها تمثيلات لفئات الشعب مكونة من مجموعة الأحزاب والهيئات، والمؤسسات السياسية والأكاديمية والمهنية المجتمعية التي تنتظم في سياق حكم وطني جامع، وتتقاسم فيه كل من المعارضة والسلطة الحاكمة لعب الأدوار في التمثيل، وحالة النهوض بالبلاد والعباد والثروات بما يخدم الجميع وفق مبدأ تكافئ الفرص. بل بقيت المعارضة السورية الحقيقية غائبة أو مقموعة ومُضطهدة، ومُهجرة ما بين البلاد.
وما نشاهده ونسمعه من مقولات متكررة، وغبية في ظلال فورة الكرامة السورية التي انطلقت من منتصف أذار للعام 2011، من تسميات القوى المتناقضة والمتصارعة مع النظام السوري الحاكم بأنها معارضة. نجد فيها ظلم بائن للمفهوم والمصطلح وللثائرين على سلطة عائلة الأسد وبطانته الفاسدة، لأن الواقع يعكس حقيقة الصراع الدامي الذي يخوضه النظام السوري بحق شعبه، من قتل واعتقال وتنكيل وتدمير لسورية، وتهجير للسوريين في منافي الأرض القريبة والبعيدة. لذلك في ظلال التناقض الحاد والصدامي المسلح والدامي ما بين فئات الشعب الواحد التي تقسمه إرادة الحاكم المُستبد عامودياُ إلى نظام حكم استبدادي وقاتل ببطانته المتنوعة، وما بين الجماهير الشعبية الثائرة عليه، هي حرب ظالمة لفئة قليلة ضد عموم إرادة الشعب، ولا مكان فيها لما يسمى بالمعارضة. وهذا الوسم السياسي الذي يتحدث به الكثيرين من المتقولين من النخب وسواهم في الحالة السورية من عبارات، ومصطلحات غير واقعية أو متناسبة مع ما يجري في سورية من حروب مدمرة، يقودها النظام الحاكم وجوقة البلدان العربية والأعجمية خفية وعلانية ومأجورة، ولا يمكن تسميتها معارضة. سمها ما شئت من الأسماء، ولكنها ليست معارضة في نهاية المطاف.
أما الثورة حسب الأدبيات الغربية وسواها، والمنطلقة من فلسفاتها ومنظريها متعددة المشارب والمرجعيات، جميعها تُجمع على أن الثورة هي تغيير وانقلاب جذري في بنية المجتمع والحكم السائد، وانتقال ملحوظ في جميع تشكيلات المجتمع وحمولاته الفكرية والسياسية والطبقية من مكان لمكان فكري وفلسفي وسياسي وبنية حاكمية لأخرى. تقود حركة الجماهير فيه مجموعة من القادة والساسة والمنظرين والمثقفين الثوريين، الذين ينظمون ثورته وفق رؤى سياسية واضحة وأهداف متناسبة وثورتهم، ومحاولة الارتقاء بحركة الجماهير والتعبئة الفكرية والثورية الشاملة في جميع مفاصل الحياة اليومية والمستقبلية.
أما بالنسبة للفورة الشعبية في سورية وبالمقارنة مع مفهوم الثورة-سالف الذكر-هي أقرب لطفرة آنية محكومة بظروفها اليومية الواقعية ولحظتها التاريخية، والمقترنة بشكل ما أو بآخر بسطوة الظلم والقهر والاستعباد من نظام قهري حاكم، ومتأثرة بمحيطها العربي الذي شهد حركات مشابهة له في تونس ومصر وليبيا واليمن، في ظلال ما عُرف باسم الربيع العربي. والحركة الشعبية في الأشهر الستة الأولى في سورية هي الأقرب لمفهوم الهبات والطفرات الزمانية والمكانية محدودة القدرة والأهداف، تبغي تحسين واقع الجماهير الشعبية التي تصدت لواقع الطغيان والفساد والاستبداد، التي تعانيه من حكامها وبطانته الفاسدة أيضاً. ونجحت مثل هذه الهبات والطفرات في بعض الدول العربية مثل تونس ومصر نسبياً، وفشلت في ليبيا واليمن وسورية، ودخلت في الحالة السورية مرحلة حروب أهلية ضروس، وأدوات حارقة ومُحرقة لشعوبها وبلدانها ولخيراتها وللجميع، خدمة لأجندات خاصة خارجية عربية ودولية. ودخلت الأمور في مرحلة التيه الذي لا تُحمد عقباه.
*كاتب فلسطيني سوري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير ديوان رئيس الحكومة التونسي الأسبق محمد الطيب اليوسفي يك


.. مساعد المتحدث باسم الخارجية الفرنسية: المقترحات التي قدمناها




.. محل نقاش | سمير غطاس: وكلاء إيران يستخدمون -المقاومة- للتسلط


.. أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا




.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ