الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطين والرخام

مراد سليمان علو
شاعر وكاتب

(Murad Hakrash)

2018 / 3 / 17
الادب والفن


(الطين والرخام)
كم مرّة عانيت الألم في جسدي، واكتشفت المرض في اعضائي؛ فعالجت دائي في المستشفيات الفارهة، وترددت على أفخم العيادات الطبّية، فما ارتاحت نفسي، وما زالت حمّتي، وما برأ جسمي وما خفّ ألمي إلا عند رجوعي إلى كوخي الطيني واستسلامي بين ايدي أحبّتي.
طوال عمري كنت أستر عوزي بكبريائي؛ كي لا يبان ضعفي، وكنت أرى ضعفي، وحاجتي ينقلبان إلى قوّة، وميزة؛ فأدركت أن الكبرياء زيف، والضعف حقيقة.
زرت العديد من خيام النازحين، وفي كلّ مرّة كنت اخرج مصدوما لما جرى لأهلها من اهوال، وما أن انزع حواسي حتى تتحوّل دهشتي إلى اعجاب بهؤلاء.
بحثت في المدن عن جمال عمرانها وفخامة قصورها وتنسيق حدائقها ورحابة شوارعها. ورأيت الناس فيها ايامهم كلهّا أعياد، ولكنني لم اشعر بالهدوء الذي كنت اشعر به عند التجوال في أزقة البيوت الطينية في قريتي، ولم التمس صفاء جوّها في تلك المدن، أمّا سكان القرية فكانوا وكأنهم انتهوا لتوهم من مراسيم العيد فالرضا دائما يعلو وجوههم.
الرضا هو الفرق بين رخام القصور وطين البيوت.
أن رأيت الشوامخ في المدن لا تحكم عليها بنظر عينك، وأن تنقلت بين الأكواخ انظر إليها ببصيرتك؛ لأنك ربّما إن دعتك الأيام إلى دخولهما تصادف الوحدة، والضجر، والبرود داخل العمارة، والألفة، والدفء، والحبّ في الكوخ.
غالبا ما رفضت الظهور أمام العامّة كي لا أبدو كالأحمق في بذلتي الوحيدة التي امتلكها حتى بلغت سرّي في وحدتي، وعلمت أن معظم الناس يخرجون كلّ مرّة بملابس مختلفة زاهية الألوان، ولكن بنفس الأفكار التي أكل عليها الدهر وشرب فعلمت أن لا بأس أن خرجت بنفس الملابس، ولكن بأفكار جديدة ومتجددة.
ليست المدنية بظواهرها بل بالجواهر المكنونة فيها، وليس الإنسان بما يلمع عليه بل بما هو مخفي في داخله.
فكم من هائم أعرج، وأعمى سبقك إلى القمّة، وكم من قرية منسية كانت حاضرةً للدنيا.
*******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم ما كشفته الممثلة برناديت حديب عن النسخة السابعة لمهرجا


.. المخرج عادل عوض يكشف فى حوار خاص أسرار والده الفنان محمد عوض




.. شبكة خاصة من آدم العربى لإبنة الفنانة أمل رزق


.. الفنان أحمد الرافعى: أولاد رزق 3 قدمني بشكل مختلف .. وتوقعت




.. فيلم تسجيلي بعنوان -الفرص الاستثمارية الواعدة في مصر-