الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ظل اضمحلال التنوير وسطوة التعصب: كيف يتعامل الإسلاميون مع الشرعة الدولية؟

كرم خليل

2018 / 3 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


يوجد اليوم في هذا العالم مسلمين وبوذيين وهندوسيين يدافعون بحزم عن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان, في حين يفوز هاينز كريسيتيان شتراخه زعيم الحزب اليميني المتطرف في النمسا في الانتخابات البرلمانية و الذي يرفض المفهوم الوطني أو الأوربي لحقوق الإنسان أو الحديث في حقوق المهاجرين والأجانب باعتبارها من إنتاج الجبهة الماسونية ولولا المهاجرين لما استطاع التلفظ بهذه الكلمة التي كان سيعتبرها هرطقة.
من هنا، نرفض الفكرة الديماغوجية التي تعتبر الشرعة الدولية مؤامرة تستهدف حضارات وأديان معينة لتمنح امتيازات لحضارات وأديان أخرى, ولنأخذ مثالاً بسيطاً، إن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان إذا تم احترامها فإنها تعطي الشعب الفلسطيني حقوق وضمانات أكثر مما تقدم له اتفاقيات أوسلو والميثاق العربي لحقوق الإنسان.
  ولذا لا يحترم الإسرائيلي هذه الشرعة ويعتبر القانون الإسرائيلي المرجع كلما تعارض معها.
الإشكالية الثانية هي تصوير الشرعة, وكأنها محاولة إقامة نظام عالمي شمولي يجبر الناس على العيش وفقه, وهنا لا بد من التنويه إلى إن احترام الكائن الإنساني، وكرامته وحقوقه إنما يؤكد هذا الاحترام على حقه في الاختلاف.
فالشرعة الدولية لم تأتِ لفرض مطاعم ماكدونالد على البشر وإلغاء المطاعم الصينية والعربية والمكسيكية إلخ.. ولكنها وبكل بساطة، حظرت تقديم الطعام الضار واللحم الفاسد والاعتداء على الزبائن وحمت حقوق المستهلك.
إن الإشكالية الإسلامية مع الشرعة الدولية ناجمة برأينا بشكل أساسي؛ أولاً، عن ظروف دخول العالم الإسلامي القرن العشرين والمشكلات التي رافقت انهيار الخلافة العثمانية, وتجزئة بلدان المنطقة وانتصار المدرسة الوهابية كمذهب سلفي محلي في الجزيرة العربية وغياب مراكز إسلامية كبيرة للاجتهاد, الأمر الذي وضع المسلمين في مواقع دفاعية جعلت منهم ضحايا مواقف فقهية قديمة لم تعد تنسجم مع روح العصر خاصةً في ظل غياب المرجعيات الفردية المتميزة القادرة على خوض معركة الإصلاح منذ وفاة جمال الدين الافغاني.
ثانياً عن وجود أنظمة حكم غير ديمقراطية تفتقد الى الشرعيتين المحلية والعالمية, وتحتاج إلى غطاء أيديولوجي لطبيعتها التسلطية. ثالثاً عدم تحرر ردود الفعل على الاستبداد من المنطق الاستبدادي والشعبوية التبسيطية التي تعتبر خلاصها, فالشعارات التعبوية أكثر منه في المناهج العقلانية المبتكرة, فمن الملاحظ إن قرننا قد حمل معه مفاهيمه القومية والتحررية التي قضت على مفاهيم أساسية في اسلام الخلافة التاريخي مثل دار الإسلام ودار الحرب، وتعريف المواطنة، مفهوم أهل الذمة، القانون الجنائي في الإسلام، مفهوم ملك اليمين والعبودية، وصلة القضاء بالخليفة إلخ.. وقد بلغ الخلاف مثلاً بين وضع المرأة في السعودية أو إيران من جهة وتركيا وتونس من جهة أخرى حداً يفوق الخلاف بين الأخيرتين وجمهورية ايرلندا الكاثوليكية.
كما نجد من الحكومات التي تحمل رايات العلمانية من يمنع المدافعين عن حقوق الانسان من العمل ويعتقلهم كما هو الحال في سورية وتونس في ظل أسرة الأسد وبن علي, رغم أن حركة حقوق الإنسان قد ولدت فيها قبل المنظمة العربية لحقوق الإنسان بعشرين عاما في سورية وبأكثر من عقد زمني في تونس.
في حين لم تحل اسلمة الدستور الباكستاني دون وجود حركة حقوق انسان متقدمة في هذا البلد، حركة تعتبر الشرعة الدولية مرجعها ودستور عملها رغم صعود التطرف الديني والمذهبي.
إن حقبتنا مليئة بالمفارقات الكبرى، وهذه المفارقات أعطت في ظل غياب رواد الإصلاح أو تغييبهم لرموز التطرف الأصولي المرجعية الأولى باعتبارهم يقدمون الأيديولوجية الشعبية الابسط من جهة والصورة الاردأ عن الإسلام والمسلمين لكل خصم, وبذلك صرنا نسمع بالخطاب المنغلق والمتأخر وقلما نعلم بكتابات المتنورين.
حقوق الإنسان في الإسلام لا يمكن إن تخرج المسلم والإسلام من التاريخ بل تعيدهما إليه. فهي حالة تجاوز حقوقية، وسيرورة معرفية طويلة وغير منجزة. وبوصفها كذلك، فهي تستفيد من خبرات الثقافات والشعوب بالأمس وتوجه أنظارها وطموحاتها نحو الامام. وهي بهذا تتقاطع مع المتنورين والاصلاحيين من المسلمين، ولكن تبتعد عن المدارس النصية والمنغلقة والمتطرفة والاستئصالية إسلامية كانت أو بروتستنتية أو كاثوليكية أو يهودية الخ.. لاعتمادها قيماً حقوقية تتعارض مع مفهوم التفوق ومفهوم التمايز.
ولكي نكون واضحين مع أنفسنا والناس نقول إنه لو جاء الامام الشافعي ليقضي في الناس بأحكام عصره فلن يقبل به حتى من طلب طلاق نصر حامد أبو زيد: فليس هناك عبيد يُحكمون بنصف العقوبة ولا نساء شهادتهن بالنصف ولا يستمتع أصحابهن بهن ولا أحكام تختلف باختلاف الاعتقاد. وفي جملة ما جاء ذكره حكم قرآني يمكن فهمه في نطاق زمانه ومكانه ويمكن اختزاله بتعميمه لكل زمان ومكان. صار الامام الشافعي من أكبر أسماء الإسلام لتعبيره عن روح عصره، ولهذا ننسى في كل قرن علماء سبقوا لأنهم عجزوا عن بلوغ عبقرية استيعاب المكان والزمان، وكأن النساء قد عقمت عن ان يلدن مثل الائمة الأربعة منذُ عشرة قرون؟
العالم يتغير، ونحن جزء من هذا العالم، وكل من يرفض هذا التغيير ويحاول التمسك بمفهوم مختزل وضيق للدين والدولة يحول دون خروجنا من مستنقع القرون البائدة.

اضحملال : ضعفها، تلاشيها، تضاؤلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟