الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظريّة و الممارسة و تحريفيّة حزب النضال التقدّمي الفصل الثالث من - تعرية تحريفيّة حزب النضال التقدّمي و إصلاحيّته ، إنطلاقا من الشيوعيّة الجديدة ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة -

ناظم الماوي

2018 / 3 / 17
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


النظريّة و الممارسة و تحريفيّة حزب النضال التقدّمي
الفصل الثالث من - تعرية تحريفيّة حزب النضال التقدّمي و إصلاحيّته ، إنطلاقا من الشيوعيّة الجديدة ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة -
لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية !
و الروح الثوريّة للماوية المطوَّرة اليوم هي الخلاصة الجديدة للشيوعيّة – الشيوعيّة الجديدة

( عدد 34-35 / جانفي 2018 )

تعرية تحريفيّة حزب النضال التقدّمي و إصلاحيّته ، إنطلاقا من الشيوعيّة الجديدة ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة

ناظم الماوي


تعرية تحريفيّة حزب النضال التقدّمي و إصلاحيّته ، إنطلاقا من الشيوعيّة الجديدة ، الخلاصة الجديدة للشيوعيّة

هذه الإشتراكية إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتورية الطبقية للبروليتاريا كنقطة ضرورية للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه .
( كارل ماركس ، " الصراع الطبقي فى فرنسا 1848-1850 " )
-----------------------------------

يستعاض عن الديالكتيك بالمذهب الإختياري [ الإنتقائية ]، و هذا التصرّف حيال الماركسية هو الظاهرة المألوفة للغاية و الأوسع إنتشارا فى الأدب الإشتراكي – الديمقراطي [ الشيوعي ] الرسمي فى أيّامنا . و هذه الإستعاضة طبعا ليست ببدعة مستحدثة ... إنّ إظهار الإختيارية بمظهر الديالكتيك فى حالة تحوير الماركسية تبعا للإنتهازية ، يخدع الجماهير بأسهل شكل ، يرضيها فى الظاهر ، إذ يبدو و كأنّه يأخذ بعين الإعتبار جميع نواحى العملية ، جميع إتجاهات التطوّر ، جميع المؤثّرات المتضادة إلخ ، و لكنّه فى الواقع لا يعطى أي فكرة منسجمة و ثوريّة عن عمليّة تطوّر المجتمع .
( لينين ، " الدولة و الثورة " ص 22-23 ، دار التقدّم ، موسكو )
-----------------------------------

قد كان الناس و سيظلّون أبدا ، فى حقل السياسة ، أناسا سذجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم ، ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعية . فإنّ أنصار الإصلاحات و التحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء .
( لينين ، " مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة " )
تعتبر الفلسفة الماركسية أن قانون وحدة الأضداد هو القانون الأساسي للكون . وهو قانون مطلق الوجود سواء فى الطبيعة أو فى المجتمع البشري أو فى تفكير الإنسان . فبين الضدين فى تناقض ما توجد وحدة و صراع فى آن واحد ، و هذا ما يبعث الحركة و التغير فى الأشياء . إنّ التناقضات موجودة فى كلّ شيء ، إلاّ أنذ طبيعتها تختلف بإختلاف طبيعة الأشياء . فالوحدة بين الضدين فى التناقض الكائن فى كلّ شيء محدّد هي ظاهرة مقيّدة ، ومؤقتة ، و إنتقالية ، وهي لذلك نسبية ، أمّا الصراع بينهما فإنّه يبقى مطلقا دون تقييد .

( ماو تسى تونغ ، " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب " 27 فبرلير – شباط 1957 ؛ الصفحة 225-226 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " )

-------------------------------------------
إنكم تقومون بالثورة الاشتراكية و بعد لا تعرفون أين توجد البرجوازية . إنّها بالضبط داخل الحزب الشيوعي – أولئك فى السلطة السائرون فى الطريق الرأسمالي .
ماو تسى تونغ – سنة 1976
--------------------------------------------
فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن " الديمقراطية " دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ . طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات، لن توجد " ديمقراطية للجميع " : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها . المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها ، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه .
بوب أفاكيان ، مقولة مثلما وردت فى القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري - الولايات المتحدة الأمريكية ،2008
-------------------------------------------
كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية.
( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره "، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005)


مقدّمة :
فى سياق الرحلة الطويلة التى أبحرنا فيها منذ سنوات الآن ، الشاقة حينا و الشائقة أحيانا ، رحلة كشف تحريفية و إصلاحيّة معظم فرق اليسار المتمركسة و إيضاح أنّه لا حركة شيوعية ثوريّة دون ماويّة و أنّ الماوية الثوريّة اليوم ، الماركسيّة – اللينينيّة – الماويّة الثوريّة أو الشيوعية الثوريّة اليوم ، تتجسّد فى الخلاصة الجديدة للشيوعية – الشيوعيّة الجديدة ، نحطّ الرحال عند حزب النضال التقدّمي الذى سنتفحّص مليّا خطّه الإيديولوجي والسياسي بالقدر الذى تسمح به لنا الوثائق التى تحصلنا عليها إلى حدّ الآن و أمّهات القضايا بؤرة تركيزنا في الوقت الحاضر . و هذا الحزب كما يقدّمه أصحابه هو إمتداد لحلقة " المناضلين الشيوعيين " التى تشكّلت فى أواخر ثمانينات القرن العشرين . و لفترة وجيزة من الزمن فى السنوات الأخيرة ، كان من أبرز وجوهه الإعلاميّة المعروفة النائب هشام حسنى الذى إستقال من الحزب ( أو أُقيل منه ) نهاية سنة 2012 أمّا أبرز القادة الذين يمكن أن نطلق عليهم منظّري الحزب فهو أمينه العام د. محمّد لسود ذلك أنّ أهمّ النصوص المرجعيّة لهذه المجموعة قد أتت بإمضائه .
و يعدّ هذا الحزب نفسه ممثّلا لتيّار تجاوز تشرذم منظّمات الملل اليساريّة و ذاتيّة فرق اليسار الماركسي و خاصّة منها ما يسمّيه بمجموعات " الخطّ الوطني الديمقراطي " و " الخطّ الألباني " ، من أجل حزب للطبقة العاملة واحد موحّد ، يقول . و يدّعى هذا الحزب أنّه ينطلق من الماركسيّة – اللينينية و أنّه خاض معاركا نظريّة جمّة إعلاء لرايتها و تطبيقها و تخصيصها على الواقع العياني .
و نحن فى عملنا هذا سنبيّن بالدليل القاطع و البرهان الساطع أنّ هذه المجموعة لا تعدو أن تكون مجموعة أخرى ماركسيّة – لينينيّة زائفة و أنّها قبل كلّ شيء وفوق كلّ شيء تسعى إلى دفن الماركسية – اللينينيّة و جعلها نسيا منسيّا و هو ما سنفصّله أدناه ، خطوة خطوة إنطلاقا من نصوص الحزب إيّاه وما نشره على موقعه على الأنترنت :
www.moussawat.com
وينهض جدالنا هذا الذى ننأى به عن المماحكات السجاليّة على الأعمدة التالية ، إضافة إلى هذه المقدّمة :

1- حزب لا ينتمى إلى الحركة الماركسية – اللينينية :
أ- خارج الحركة الماركسية - اللينينية من النشأة إلى الآن
ب- التجارب الإشتراكية للقرن العشرين وتصفويّة حزب النضال التقدّمي
ت- لا وجود للستالينيّة ، إنّها الماركسية – اللينينية
ث- تبييض وجه الإمبريالية الإشتراكية
ج- فهم حزب النضال التقدّمي للإشتراكية فهم غريب عن الماركسية – اللينينية
ح- الإشتراكية العلمية أم الشيوعية ؟
2 - تحريف حزب النضال التقدّمي للينينيّة :
أ- الأمميّة البروليتاريّة و إنعزالية حزب النضال التقدّمي
ب- وحدة شيوعية ثوريّة أم وحدة تجاوزيّة إنتهازيّة ؟
ت- نظرة حزب النضال التقدّمي البرجوازيّة للديمقراطية البرجوازيّة
3- النظريّة و الممارسة و تحريفيّة حزب النضال التقدّمي :
أ- نظريّا : جهل و تجهيل و عموميّات تروتسكيّة
ب- التنظير و الممارسة الإصلاحيّين
ت- التوحيد النظريّ و مثاليّة ميتافيزيقيّة محمد لسود
ث- مرض الحتميّة ينخر عظام حزب النضال التقدّمي
4- منهج حزب النضال التقدّمي غريب عن الماركسيّة - اللينينية :
أ- الذاتيّة والمنهج التاريخي و النظرة الشيوعية إلى العالم
ب- دمج الإثنين فى واحد أم إنشطار الواحد
ت- الحقيقة الموضوعيّة الماديّة مهما كانت أم الإنتقائيّة و البراغماتية ؟
ث- المثاليّة الميتافيزيقيّة أم المادية الجدلية ؟
5- طبيعة المجتمع و طبيعة الثورة :
أ- طبيعة العصر
ب- رأسماليّة متخلّفة أم رأسمالية كمبرادورية ؟
ت- إصلاحيّون أم ثوريّون ؟
6- برنامج حزب النضال التقدّمي برنامج برجوازي إصلاحي :
أ- برنامج برجوازي إصلاحي
ب- أوهام برنامجيّة
ت- برنامج حزب النضال التقدمي مبتور أصلا
7- فشل مشروع الخطّ التجاوزي لحزب النضال التقدّمي :
أ- تأسيس حزب لم يكن ينشده الخطّ التجاوزي
ب- تحالفات إنتهازيّة
ت- موقف إنتهازي يميني من إنتخابات دولة الإستعمار الجديد
الخاتمة :
المراجع :
الملاحق (4) :
( الملاحق 1 و 2 و 3 ترجمة شادي الشماوي نشرت على موقع الحوار المتمدّن )
1- لتحي الماركسية – اللينينية – الماوية
2- إعادة تصوّر الثورة و الشيوعية : ما هي الخلاصة الجديدة لبوب أفاكيان؟
3- الخلاصة الجديدة للشيوعية : التوّجه و المنهج و المقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة
4- محتويات نشريّة " لا حركة شيوعية ثوريّة دون ماويّة ! " /
من العدد 1 إلى العدد 33 – بقلم ناظم الماوي
===================================================
3 - النظريّة و الممارسة و تحريفيّة حزب النضال التقدّمي :
ينفخ التيار التجاوزي صدره متفاخرا بأنّه خاض نضالا كبيرا و لما لا عظيما على الجبهة النظريّة قائلا مثلا :
" لقد خضنا غمار الصراع النظري ضد التيّارات الذاتيّة من أجل بلورة طرح تاريخي مستوعب لطبيعة المرحلة ، و قاومنا بكلّ ما أوتينا من قوّة نزعة أيقنة الزعامات الثوريّة التاريخيّة أو الراهنة ، و نبّهنا منذ وقت طويل إلى المخاطر التى يتضمّنها الموقف الذاتي و ما يحتويه من نزوع نحو الإنشقاق و التنطّع بل و التسخير لصالح القوى المعادية . و كان هدفنا دائما هو تحقيق التجاوز التاريخي للخلافات الذاتيّة فى المجال النظري بإعتباره شرطا لا بدّ منه من أجل توحيد البرنامج السياسي الذى يقوم على قاعدته ، و لا بدّ ، التنظيم الحزبي " . ( " برنامج حزب النضال التقدّمي " ، ص 3 )
و لكن هل هذا صحيح ؟ و ما هي حقّا النظريّة التى دحضها و النظريّة البديلة التى دافع عنها ؟ و ما هو التوحيد النظري على الطريقة التجاوزيّة ؟ و ما علاقة الطرح التجاوزي بهذا الصدد باللينينيّة ؟ إلخ
أ- نظريّا : جهل و تجهيل و عموميّات تروتسكيّة :
عندما تناول التجاوزيّون بالنقد ما أسموه " الخطّ الوطني الديمقراطى " إتكؤوا ضمن ما إتكؤوا عليه على نص برنامج لفرقة من الفرق الماويّة ، و على وجه الضبط فرقة ذات إنحراف قومي واضح قيّمها ماويّون آخرون قبل كتابة السيّد لسود تلك الأسطر بأنّها تصفويّة ( أنظروا " التيّار التصفوي فى تونس من المزايدة إلى الإنهيار " على موقع الحوار المتمدّن). و تعمّد منظّر التجاوزيّين التروتسكي النزعة جوهريّا أن يغمض عينيه بمثاليّة ذاتيّة عن واقع أنّ تلك فرقة واحدة من مجموع فرق لا توافقها الرأي و عن واقع الصراعات و الخلافات صلب الماويّين لا سيما خارج الحركة الطلاّبيّة فى القطر و صلب الماويّين عالميّا فهذا لا يعنيه لأنّه لا يبحث عن الحقيقة التى هي وحدها الثوريّة بل على أيّ نقد سريع يسمح له بالتعميم و يخوّل له تفنيد أطروحات الخصوم مهما كانت و البروز و تقديم أطروحات الخطّ التجاوزي . و فى محاولة التعريف بأطروحاته و تجهيل القرّاء لم يحجب الخلافات فى الرؤى و المنهج صلب الماويّين فحسب بل صلب الخوجيّين أيضا حين تناول بالنقد " الخطّ الألباني " ؛ و أهال التراب كذلك على مضمون الصراعات بين الماويّين و الخوجيّين محلّيا و عالميّا و بالتالى عن قصد نشر الجهل و التجهيل بشأن الفروقات التى قال عنها لينين فى " ما العمل ؟ " :
" ينبغى للمرء أن يكون قصير النظر حتى يعتبر الجدال بين الفرق و التحديد الدقيق للفروق الصغيرة أمرا فى غير أوانه أو لا لزوم له . فعلى توطد هذا " الفرق الصغير" أو ذاك قد يتوقف مستقبل الإشتراكية - الديمقراطية [ لنقرأ الشيوعية] الروسية لسنوات طويلة ، طويلة جدا ."

و ساهم محمد لسود الذى ينقد الجهل و التجهيل لدى مناضلي و مناضلات و أنصار " الخطّ الوطني الديمقراطي " و " الخطّ الألباني " ( و من ذلك قوله " ونشير عرضا إلى الجهل المتميز تماما الذي " يتحلى" به الماويّون في تونس " ) فى عمليّة تجهيل أتباعه و المتعاطفين معه و معهم خاصة و القرّاء عامة . و الشيء نفسه فعله بشأن الحركة الماركسيّة - اللينينيّة العالمية و تيّاريها و تاريخها و أدبيّاتها . و نشدّد على تاريخها و أدبيّاتها ذلك أنّ الجماعة ما إنفكّت تكرّر توخّيها القراءة " التاريخيّة " و لم نقرأ لها قراءة تاريخيّة فى تاريخ الحركة الماركسية – اللينينيّة و أكثر من ذلك لم تذكر الصراعات العالميّة و أدبيّات الصراعات بين الخوجيّين و الماويّين عالميّا و لم تنبس ببنت شفة عن الجدال الكبير بين الحزب الشيوعي الصيني على رأس الحركة الماركسيّة – اللينينيّة ضد التحريفيّة المعاصرة و فى مقدّمتها التحريفيّة السوفياتيّة ، و على الأرجح أنّ معظمهم إقتداء بقياداتهم صرفوا الأنظار عنها و لم يطّلعوا عليها و لم يدرسوها و لا يدعون للإطلاع عليها و دراستها رغم أنّها مركزيّة لفهم الماركسيّة – اللينينيّة و تطوّرها و تطوّر الماويّة كمرحلة ثالثة و أرقى فى علم الشيوعية .
بذلك الطمس للتاريخ الحقيقي يفسح الخطّ التجاوزي لنفسه المجال لبثّ سمومه التروتسكيّة المتستّرة تحت قناع تجاوزي ماركسي – لينيني زعما و يحوّل وجهة الباحثين عن الحقيقة ليغرقهم فى الجهل والتجهيل . و تصحّ جملة إستقيناها من نصّ للتجاوزيّين على التجاوزيّين أنفسهم : " من يخفي التاريخ لا يؤتمن على الحاضر ولا يسترشد به في رسم معالم المستقبل " ( " الخطّ الألباني و التنكّر السياسي ..." ).
و لئن أفرد محمّد لسود كرّاسا لنقد " الخطّ الوطني الديمقراطي " و آخر لنقد " الخطّ الألباني " نقدا عاما ما هو بالعميق و لا بالشامل فقد لزم الصمت عن التروتسكيّة و مردّ ذلك أمرين إثنين أولهما هو أنّ الأطروحات التجاوزيّة كما رأينا و سنرى تروتسكيّة فى جوهرها تعيد على مسامعنا أطروحات التروتسكيّين منذ أواخر ستّينات القرن الماضي ؛ و ثانيهما هو أنّ الخطّ التجاوزي نشأ فى الجامعة و تأثّر بالقوى اليسارية التى كانت ماثلة فى الساحة الطلاّبيّة و حاول هو جهده تجاوزها و لم يفلح .
و فى سياق هدمه لما أسماه الذاتيّة و ما أسماه النضال النظري ضدّها ، هوى محمّد لسود بمعوله التروتسكي الخشن على الماركسيّة – اللينينيّة ضربا مبرّحا مدّعيا أنّها " ستالينيّة " ليهشّم جوهرها و يحتفظ لنفسه بالقشرة فيحتكر بعد ذلك نعت الماركسيّة – اللينينيّة ليتقنّع به فيغالط المناضلين و المناضلات و الجماهير . هذا من جهة و من جهة أخرى ، أخرج الماويّة من الماركسيّة – اللينينّية مثله فى ذلك مثل الوطنيّين الديمقراطيّين ( الوطد الثورى أو الوطد م – ل ) الخوجيّين المتستّرين و الحال أنّ ماو تسى تونغ على رأس الحزب الشيوعي الصيني هو الذى وضع أسس هذه الحركة تاريخيّا و وثائقها و قادها لعقود عالميّا . هذه المغالطات هي من صميم النظريّة التجاوزيّة و تطبيقاتها .
ماذا عن الماديّة الجدليّة و الفلسفة كمكوّن من المكوّنات الثلاثة للماركسيّة ؟ و ماذا عن الصراعات التى عرفتها هذه الجبهة عالميّا ؟ و كيف يفهمها التجاوزيّون ؟ ليس لدي التجاوزيّين ما يقولونه مباشرة و صراحة بهذا المضمار و هم يدّعون الإتيان بما لم يأت به الأوائل فى النضال النظري !
وماذا عن الإقتصاد السياسي كمصدر من المصادر الثلاثة للماركسيّة وتطويرات لينين و ماو تسى تونغ؟ ما هو تحليل التجاوزيّين للمسألة وما هي خلاصتهم ؟ ليس لدي التجاوزيّين ما يقولونه مباشرة و صراحة بهذا المضمار و هم يدّعون الإتيان بما لم يأت به الأوائل فى النضال النظري !
و ماذا عن الإشتراكيّة و الصراع الطبقي فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا ؟ و لماذا خسرت البروليتاريا العالمية البلدان الإشتراكية السابقة ؟ و ما السبيل لإنجاز ما أفضل مستقبلا على كافة الأصعدة ؟ ليس لدي التجاوزيّين ما يقولونه مباشرة و صراحة بهذا المضمار و هم يدّعون الإتيان بما لم يأت به الأوائل فى النضال النظري !
و ماذا عن الأمميّة البروليتاريّة نظريّة و ممارسة و هي من الأسس الصميميّة للماركسية ؟ ليس لدي التجاوزيّين ما يقولونه مباشرة و صراحة بهذا المضمار و هم يدّعون الإتيان بما لم يأت به الأوائل فى النضال النظري !
و حتّى ما أنجزه الماركسيّون – اللينينيّون ثم الماركسيّون – اللينينيّون – الماويّون عبر العالم بهذا الشأن يتمّ تجاهله ليعوّض بخبث بمقولات تروتسكيّة مهترئة إصلاحية سياسيا تحريفيّة إيديولوجيّا.
و ضد الأفكار اللينينيّة الأصليّة ، تنكر الجماعة التجاوزيّة أن الثورة البروليتاريّة العالميّة تتكوّن من تيّارين مختلفين و متكاملين من الثورات : فى البلدان الرأسماليّة – الإمبريالية ، الثورة الإشتراكية ، و فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة و المستعمرات الجديدة ، الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنيّة الديمقراطيّة التى تمهّد الطريق و تعبّده للمرحلة التالية أي الثورة الإشتراكية فى ظلّ دولة تقودها البروليتاريا . و ضد التعاليم اللينينيّة الأصليّة تروّج الجماعة لرؤية برجوازيّة للديمقراطيّة و للإشتراكية و هلمّ جرّا .
بإختصار ، التنظير التجاوزي تصفويّة تروتسكيّة غايتها دفن الماركسيّة – اللينينيّة و تعويضها بنظريّة أقرب ما تكون عمليّا لنظريّة الجبهة الساندينيّة فى علاقتها بجوانب من الماركسيّة و ذلك بإسم التخصيص و تشكيل قوّة يساريّة قادرة على الفعل فى الصراع و لما لا المشاركة فى الحكم و تسيير شؤون الدولة الرجعيّة القائمة عبر البرلمانات أو المجالس البلديّة إلخ .
ب- التنظير و الممارسة الإصلاحيّين :
لاحظتم و لا شكّ أنّ التجاوزيّين لا يتحدّثون عن النظريّة الثوريّة بل عن التوحيد النظريّ ( الذى سنتطرّق له فى النقطة الثالثة أمّا الآن فنعنى بعلاقة التنظير و الممارسة الإصلاحيين لديهم ) و بالفعل نظريّاتهم ليست ثوريّة و إنّما هي إصلاحيّة و الحركة التى أوجدوها ليست ثوريّة و إنّما هي إصلاحيّة .
و على سبيل المثال ، نقرأ فى ثنايا مقالاتهم كلاما من مثل " خوض النضال النظري " و " النظريّة لا السفسطة " ما قد يحيلنا على ما ورد فى كتاب لينين" ما العمل ؟ " و نعتقد لأوّل وهلة أنّ التجاوزيّين أدركوا معنى النضال الشيوعي و أهمّية النضال النظري كرافد من روافد النضال البروليتاري الشامل على الجبهات الثلاث كما عرضه لينين فى فقرة " إنجلز و أهمّية النضال النظري " ، و لكن هيهات ! فعندما يمرّون لما يسمّونه التخصيص فى مثلا مقال " فى الديمقراطيّة ..." يسوقون منطقا و توجّها إقتصادويّا ضيّقا مناقضا تماما و على طول الخطّ لما شرحه لينين فى مؤلَّفه المذكور أعلاه من فحوى التحريض و الدعاية الشيوعيين ، فيقولون " التركيز على المسائل الإقتصاديّة : بما أنّ التحليل الماركسي اللينيني يعتبر أنّ الإقتصادي هو المحدّد ، فإنّ مجمل تحرّكات اليسار التونسى ، الثوري فعلا ، يجب أن تتوجّه شطر المهام الإقتصاديّة من أجل إتّخاذها معبرا للتحريض السياسي و الدعاية الثوريّة ... الجماهير الشعبيّة لا يمكن أن تتحرّك و تساندنا بشكل متواصل و مجد إلاّ إذا نحن وضعنا أنفسنا فى خدمتها على مستوى حياتها اليوميّة ".
هذا الكلام فريد فى بابه و بليغ فى دلالته المعادية للينينيّة و لينين لم يقدّس العفويّة و لم يتملّق الجماهير و قد إستهزأ فى " ما العمل ؟ " من الإقتصادويين الذين يحسبون أنّ " السياسة تسير على الدوام فى إثر الإقتصاد " ( ب – تقديس العفويّة " رابوتشيا ميسل " ) و بعد ذلك فى فقرة " التحريض السياسي و تضييق الإقتصاديين له " خلص إلى أنّ الشيوعيين الحقيقيّين " فضلا عن أنّهم لا يستطيعون الإقتصار على النضال الإقتصادي ، لا يمكنهم أيضا أن يسمحوا بأن يستغرق تنظيم التشهير الإقتصادي القسم الأكبر من نشاطهم . يجب علينا أن نعمل بنشاط على تربية الطبقة العاملة سياسيّا ، على تنمية وعيها السياسي " .
فأين التجاوزيّين من اللينينيّة ؟ إنّهم فى واد و اللينينيّة فى واد آخر .
و قد فضح لينين التريديوتيونية / النقابويّة و خطرها على النضال البروليتاري مسطّرا على أنّ :
" السياسة التريديونيونية لطبقة العمّال هي على وجه الدقّة السياسة البرجوازية لطبقة العمّال "
( لينين - " ما العمل ؟ " ، الفقرة ه ،" الطبقة العاملة مناضل طليعي من أجل الديمقراطية " ؛ الطبعة العربية دار التقدّم موسكو ).
و معبّر للغاية كذلك عدم وجود مواد عن الشيوعية و الدفاع عنها و الدعاية لها فى موقع حزب النضال التقدّمي على الأنترنت بينما يلبس هذا الحزب قناع الماركسي – اللينيني و جوهريّا يعتصم وراء السواتر الترابيّة الإصلاحيّة .
و كما سنرى ينتهج التجاوزيّون منهجا تروتسكيّا فى تحديد طبيعة المجتمع و الدولة و طبيعة الثورة الإشتراكيّة و لكنّهم عمليّا يطرحون برنامجا ديمقراطيّا برجوازيّا سنفصّل القول فيه فى حينه . و كسائر ملل اليسار الإصلاحيّة و حتّى بعض الماويين الذين يرفعون راية الماويّة ليسقطوها ، منذ سبعينات القرن الماضى ، يصنع الإصلاحيّون مرحلة ما تسبق الثورة المطلوبة الوطنيّة الديمقراطية أو الإشتراكية أو الديمقراطيّة الوطنيّة إلخ . فمرّة المرحلة الجديدة الضروريّة حسب قول الإصلاحيين هي" الحرّيات السياسيّة " و مرّة هي " الحرّيات الديمقراطيّة " و ثالثة هي " ديمقراطيّة إجتماعيّة " و رابعة هي" إنتقال ديمقراطي" و خامسة هي " برنامج إشتراكي فى حدّه الأدنى " و سادسة هي " برنامج إنتقالي " وهكذا .
و أضحى تأجيل إنجاز المهام الثوريّة حقّا و المراوغة عن طريق إبتداع مرحلة تمهيديّة إصلاحيّة ميزة من ميزات التحريفية و الإصلاحيّة عالميّا . و رغم تنبيهات الماويّين عالميّا لهذه الآفة إلاّ أنّ الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي ) [ الذى صار لاحقا الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد ( الماوي ) و إنشقّت عنه عدّة مجموعات كوّنت أحزابا أخرى ] قد تخلّى منذ 2006 عن مواصلة الثورة الديمقراطية الجديدة ، بعد عشر سنوات من حرب الشعب و تحرير ما يناهز الثمانين بالمائة من أراضي البلاد ، ليفرض الخطّ التحريفي الإصلاحي الذى ساد و غيّر لون الحزب ، مرحلة تطوّر ديمقراطي أي الحفاظ على الدولة الرجعيّة القائمة العمل فى إطارها لإدخال تحسينات عليها عوض تحيطمها و إنشاء دولة جديدة على أنقاضها يكون هدفها الأسمى الشيوعية على الصعيد العالمي و تكون قلعة للثورة البروليتارية العالمية .
حين يتمّ التلاعب التروتسكي بالفهم الماركسي- اللينيني للدولة و للديمقراطيّة كما عرضهما لينين فى كتابه المنارة " الدولة و الثورة " ، مثلا ، تتدحرج النظريّة و الممارسة نحو النظريّة و الممارسة التحريفية الإصلاحيّة . هذه قاعدة عامّة ؛ و التجاوزيّون لا يشذّون عن هذه القاعدة العامة .
ت- التوحيد النظريّ و مثاليّة ميتافيزيقيّة محمد لسود :
فى " ضد الذاتيّة – فى أسباب الإنشقاقات و ضرورة التجاوز " ( ص 4 - وغيرها من المواطن ) ، شدّد محمّد لسود على أنّ تجاوز التشرذم يتطلّب " القراءة التاريخية " و خاصة " التوحيد النظريّ " :
" محاولة تجاوز التعدّد التنظيمي و تذويب الخلاف السياسي عن طريق التوحيد النظري ".
و " الخطاب الذى نسعى نحن إلى تكريسه فيتلخّص فى ما يلى : " يجب توحيد النظريّة لتوحيد الممارسة السياسيّة لتحقيق الإنتصار الثوري " . "
و المقصود بالتوحيد النظريّ هو توحيد ما أمكن من اليساريين و تجاوز التعدّد التنظيمي على أساس نبذ الذاتيّة كما يفهمها التجاوزّيون وليس كما يفهمها الماركسيّون - اللينينيّون و الركون لما تعارف عليه التجاوزيّون على أنّه " قراءة تاريخيّة ". و بكلمات أخرى ، توحيد كلّ الذين يدّعون أنّهم ماركسيّون – لينينيّون فى تنظيم واحد و التخلّى عن كلّ الأفكار المعتبر دخيلة على الماركسيّة – اللينينيّة :
" الإضافات التى يجرى إقحامها على الماركسيّة اللينينيّة : الستالينيّة ، الماويّة ، التروتسكيّة ، الأنور خوجيّة ، الغيفاريّة ، الستالينيّة الجديدة ، الغرامشيّة ، الألتوسريّة ..." ( المصدر السابق ، ص 5 ) .
و طبعا لا يحدّد أتباع محمّد لسود ما هي مقوّمات هذه الماركسيّة – اللينينيّة صراحة غير أنّهم يفرغون الماركسيّة – اللينينيّة الحقيقيّة من لبّها الثوري تاريخيّا و الذى أمسى معروفا منذ تسعينات القرن الماضي بالماركسيّة - اللينينيّة - الماويّة و يحشونها حشوا بتخريجات فى الأساس تروتسكيّة و مثاليّة ذاتيّة .
بصيغة أخرى ، التوحيد النظري يساوى الخضوع لشطحات تروتسكيّة و التخلّص من التعاليم الماركسيّة - اللينينيّة الثوريّة التى و إن كان المتمسّكون بها يناهضون الدغمائيّة و التحريفيّة ينعتونهم لخلط الحابل بالنابل بالفهم الكتبي و الحرفيّة النصّية ، بغية إبتذال الماركسيّة و تحويرها لتغدو إصلاحيّة .
و تقوم نظريّة التوحيد النظريّ على نظرة مثاليّة ميتافيزيقيّة للعالم . فهي تردّد " " إنتفاء تعدّد الواقع " ( ص 14 من " ضد الذاتيّة – فى أسباب الإنشقاقات و ضرورة التجاوز " ) فى حين أنّ الواقع متناقض و بالتالى متعدّد ، و متغيّر فى كلّ لحظة و بالتالى متعدّد أيضا و كثير المستويات و الأصناف المتداخلة و المتخارجة و المترابطة والمتراكبة و بالتالى مجدّدا متعدّد .
و هذه النظرة تتعارض مع النظرة الماديّة الجدليّة للعالم التى تنهض على أنّ كلّ شيء و كلّ ظاهرة و كلّ سيرورة ينطوى و تنطوى على وحدة أضداد أو هو أو هي تناقض و التناقض علّة حركة المادّة و الفكر .
يقول لينين فى " فى مسألة الديالكتيك " : إن إنقسام شيء واحد إلى شطرين و إدراك أجزائه المتناقضة هو جوهر الديالكتيك" و يقول أيضا فى " ملخّص "علم المنطق" لهيغل" :" يمكن تلخيص الديالكتيك و تعريفه بأنّه نظرية وحدة الضدّين ..." ( ذكره ماو تسى تونغ ، صفحة 501 من المجلّد الأوّل من مؤلفات ماو تسى تونغ المختارة ، باللغة العربية ).

و جاء على لسان ماتسى تونغ :

" تعتبر الفلسفة الماركسية أن قانون وحدة الأضداد هو القانون الأساسي للكون . وهو قانون مطلق الوجود سواء فى الطبيعة أو فى المجتمع البشري أو فى تفكير الإنسان . فبين الضدين فى تناقض ما توجد وحدة و صراع فى آن واحد ، و هذا ما يبعث الحركة و التغير فى الأشياء . إنّ التناقضات موجودة فى كلّ شيء ، إلاّ أنّ طبيعتها تختلف بإختلاف طبيعة الأشياء . فالوحدة بين الضدين فى التناقض الكائن فى كلّ شيء محدّد هي ظاهرة مقيدة ، و مؤقتة ، و إنتقالية ، وهي لذلك نسبية ، أمّا الصراع بينهما فإنه يبقى مطلقا دون تقييد . "

( " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب " ؛27 فبراير – شباط – 1957)

و توحيد النظريّة التجاوزي ليس معنيّا بالنظريّة الثوريّة التى دونها لن توجد حركة ثوريّة كما أكّد لينين و ليس معنيّا كذلك بحقيقة صحّة أو عدم صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي هي المحدّدة فى كلّ شيء كما لخّص ماو تسى تونغ إثر عقود من صراع الخطين داخل الحركة الشيوعية العالمية و داخل الحزب الشيوعي الصيني ؛ بل هو معنيّ بإتّفاق على " قراءة تاريخيّة " هلاميّة التعريف و المعالم و الحدود تتجاوز " الذاتيّة " حسب فهم محمّد لسود . لقد حذّرنا ماركس من التنازل عن المبادئ و نادى لينين بوحدة الماركسيّين و ليس وحدة ماركسيّين مع غير الماركسيّين أي بوحدة شيوعية ثوريّة و التجاوزيّون على عكس ما تنادى به الماركسية – اللينينيّة يسعون لتوحيد متمركسين على قاعدة قراءة تاريخيّة تكشّفت واقعيّا مثاليّة و لاتاريخيّة أصلا .
و الوحدة الثوريّة مثلما سلف تحليلها متجدّدة بالضرورة مثلما النظريّة متجدّدة و الواقع المادي المتحرّك متجدّد و تحتاج من الشيوعيين و الشيوعيّات الحقيقيّين النضال من أجلها لفهم الواقع المتجدّد و حلّ المشاكل الطارئة و التى لا تكفّ عن الظهور . و يثبت تاريخ الحركة الشيوعية العالميّة أنّ الماركسيّة تطوّرت فى صراع مرير مع نقيضها الفوضوي فى البداية و مع الإنتهازية اليمينيّة و اليساريّة لاحقا و قد عالج لينين علاقة التحريفيّة بالماركسية فى مقال " الماركسية و النزعة التحريفية " و سجّل حقيقة أنّ التحريفيّة تواصل النضال فى ميدان الماركسيّة و أنّها حتميّة و عالميّة و أنّ المعارك السابقة معها مقدّمة لمعارك كبرى قادمة :
" لقد منيت اشتراكية ما قبل الماركسية بالهزيمة. وهي تواصل النضال ، لا فى ميدانها الخاص ، بل فى ميدان الماركسية العام ، بوصفها نزعة تحريفية...

- ان ما يجعل التحريفية أمرا محتما ، انما هي جذورها الطبقية فى المجتمع المعاصر . فإن النزعة التحريفية ظاهرة عالمية...

- ان نضال الماركسية الثورية الفكرى ضد النزعة التحريفية ، فى أواخر القرن التاسع عشر ، ليس سوى مقدمة للمعارك الثورية الكبيرة التى ستخوضها البروليتاريا السائرة الى الأمام ، نحو انتصار قضيتها التام..."

( لينين- الماركسية و النزعة التحريفية -)

و فى مقال " الماركسية و الإصلاحية " وضّح لينين الموقف الماركسي على النحو التالى :
" يعترف الماركسيون بالنضال من أجل الإصلاحات ، أي من اجل تحسينات فى أوضاع الكادحين تترك السلطة ، كما من قبل ، فى يد الطبقة السائدة . و لكن الماركسيين يخوضون فى الوقت نفسه نضالا فى منتهى الحزم ضد الإصلاحيين الذين يحدون ، بواسطة الإصلاحات ، مباشرة أو بصورة غير مباشرة ، من تطلعات الطبقة العاملة و نشاطها . فإنّ الإصلاحية إنّما هي خداع برجوازي للعمّال الذين يبقون دائما عبيدا مأجورين ، رغم مختلف التحسينات ، ما دامت سيادة الرأسمال قائمة .
إنّ البرجوازية الليبرالية تمنح الإصلاحات بيد و تسترجعها بيد أخرى ، و تقضى عليها كلّيا ، و تستغلها لأجل إستعباد العمال ، لأجل تقسيمهم إلى فرق مختلفة ، لأجل تخليد عبودية الكادحين المأجورة . و لهذا تتحوّل الإصلاحية بالفعل ، حتى عندما تكون مخلصة كليا ، إلى أداة لإضعاف العمّال و لنشر الفساد البرجوازي فى صفوفهم . و تبيّن خبرة جميع البلدان أنّ العمّال كانوا ينخدعون كلما وثقوا بالإصلاحيين.
أمّا إذا إستوعب العمال مذهب ماركس ، أي إّذا أدركوا حتمية العبودية المأجورة ما دامت سيادة الرأسمال قائمة ، فإنهم، على العكس ، لن يدعوا الإصلاحات البرجوازية ، أيّا كانت ، تخدعهم . إنّ العمال يناضلون من اجل التحسينات مدركين أنّ الإصلاحات لا يمكن ان تكون لا ثابتة و لا جدّية ما دامت الرأسمالية قائمة ، و يستغلّون التحسينات لأجل مواصلة النضال بمزيد من العناد ضد العبودية المأجورة.إنّ الإصلاحيين يحاولون أن يقسموا العمّال الذين يدركون كذب الإصلاحية ، فإنهم يستغلون الإصلاحات لأجل تطوير و توسيع نضالهم الطبقي" .
و صدح ماو تسى تونغ بأنّ :
" التحريفية هي شكل من أشكال الإيديولوجية البرجوازية . إن المحرفين ينكرون الفرق بين الإشتراكية و الرأسمالية و الفرق بين دكتاتورية البروليتاريا و دكتاتورية البرجوازية . و الذى يدعون اليه ليس بالخط الإشتراكي فى الواقع بل هو الخط الرأسمالي " .
( " خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية " 12 مارس/ أذار 1957 ؛ " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، ص21-22 ).
إذن هذا هو الموقف الشيوعي السليم من الصراع ضد التحريفية و الإصلاحية إلاّ أنّ محمّد لسود يغيّب ضرورة النضال بلا هوادة ضدّهما لأنّ هذا النضال يذهب مباشرة ضد وحدته اللامبدئيّة ، وحدته النظريّة المعادية للشيوعية الثوريّة . و الحقيقة تتطوّر فى الصراع ضد نقيضها الزيف و الصواب يتطوّر فى الصراع ضد الخطإ و لا وجود لحقيقة دون ضدّها الزيف . و حتّى النظريّة الثوريّة تحمل فى طيّاتها ضدّها فمثلما لها نقاط قوّة لها نقاط ضعف و ما هو صائب اليوم قد يصبح بتغيّر الأوضاع أقلّ صوابا أو قد يتكشّف أنّه جزئيّا خاطئ . وشأنه شأن كلّ العلوم ، يتطوّر علم الشيوعيّة من خلال صراع الحقيقة و نقيضها .
و مثلما أنّ تاريخ المجتمعات الطبقيّة هو تاريخ صراع طبقات فإنّ تاريخ المنظّمات و الأحزاب هو تاريخ صراع الخطّين صلبها فالمنظّمة أو الحزب وحدة أضداد / تناقض و من ينكر ذلك ينكر الماديّة الجدليّة كما طوّرها لينين و ماو تسى تونغ و قانونها الجوهري ، التناقض . و بالفعل كان تاريخ الحركة الشيوعية تاريخ صراع خطّين ( بكلمات محمّد لسود ، فى لحظة تجلّى ، " تعمقّ الخلاف بين الجناح الثوري و الجناح الإصلاحي " – " فى الديمقراطيّة " ، ص 7 ) و تاريخ الحزب البلشفي كان تاريخ صراع خطّين . و نفس الشيء يمكن قوله عن تاريخ الحزب الشيوعي الصيني و عن تاريخ الحركة الشيوعية العالميّة و الحركة الشيوعية فى القطر و عربيّا .
أمّا الوحدة التجاوزيّة فتطمس صراع الخطّين و البحث عن الحقيقة و النضال من أجلها و تطوير الماركسيّة بإستمرار . كما يطمس التجاوزيّون ضرورة إستيعاب علم الشيوعية فى أرقى تطوّراته و رفع رايته و تطبيقه و تطويره بحثا عن الحقيقة مهما كانت مُرّة و مزعجة لأجل تفسير الواقع تفسيرا علميّا بغرض تغييره تغييرا ثوريّا .
لقد أصاب لينين كبد الحقيقة لمّا قال فى " برنامجنا " :
" نحن لا نعتبر أبدا نظرية ماركس شيئا كاملا لا يجوز المساس به ، بل إننا مقتنعون ، على العكس ، بأنها لم تفعل غير أن وضعت حجر الزاوية لهذا العلم الذي يترتب على الإشتراكيين أن يدفعوه إلى الأبعد في جميع الإتجاهات إذا شاءوا ألا يتأخّروا عن موكب الحياة ."

و فى مواجهة التحريفيين و الدغمائيّين ( أصحاب الجمود العقائدي ) من كلّ لون و رهط ، صرّح ماو تسى تونغ :
" إن الجمود العقائدى و التحريفية كلاهما يتناقضان مع الماركسية . و الماركسية لا بد أن تتقدّم ، و لا بدّ أن تتطوّر مع تطوّر التطبيق العملى و لا يمكنها أن تكفّ عن التقدّم . فإذا توقّفت عن التقدّم و ظلّت كما هي فى مكانها جامدة لا تتطوّر فقدت حياتها ، إلاّ أن المبادئ الأساسية للماركسية لا يجوز أن تنقض أبدا، و إن نقضت فسترتكب أخطاء . إن النظر إلى الماركسية من وجهة النظر الميتافيزيقة و إعتبارها شيئا جامدا ، هو جمود عقائدي ، بينما إنكار المبادئ الأساسيّة للماركسية و إنكار حقيقتها العامة هو تحريفية . "
( ماو تسي تونغ ،" خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية "- 12 مارس/ أذار 1957 ؛ " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، ص21-22. )
ث- مرض الحتميّة ينخر عظام حزب النضال التقدّمي :
فى معرض بحثه و تنقيبه فى تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و تجارب البروليتاريا التاريخيّة للتوصّل إلى الخلاصة الجديدة للشيوعيّة ، شخّص بوب أفاكيان مرضا من أمراض الحركة الشيوعية منذ " بيان الحزب الشيوعي " ألا و هو مرض الحتميّة بما يعنى من تصوّر أنّ الشيوعية آتية لا محالة و أنّ قوّة التاريخ ستفرضها فرضا رغما عن الجميع . و هذا تصوّر مثالي لا يعكس الحقيقة و قد أثبتت معطيات التطوّر التاريخي للقرن العشرين خطله إذ أنّ الإشتراكية و الشيوعية لن يتأتّيا إلاّ بعمل واعي للشعوب بقيادة الشيوعيين و نشدّد على العمل الواعي لأنّ الرأسماليّة لا تفرز فى رحمها نمط الإنتاج الإشتراكي على عكس ما حصل للرأسماليّة التى تطوّرت فى رحم الإقطاعية ؛ و يحتاج تركيز الإشتراكية بما هي نمط إنتاج و دكتاتوريّة البروليتاريا و مرحلة إنتقاليّة إلى الشيوعية إلى جهود واعية و تخطيط و صراعات طبقيّة حادّة و دامية أحيانا دون أن تكون هناك ضمانات عدم إعادة تركيز الرأسمالية التى تتمّ إن سيطر التحريفيّون أو سيطرت البرجوازية الجديدة على مفاصل الحزب و الدولة البروليتاريين كما حصل فى الإتحاد السوفياتي بعد وفاة ستالين و فى الصين تاليا إثر وفاة ماو تسى تونغ و إنقلاب 1976.
للتاريخ نزعات و هو ينطوى على إمكانيّات غير أنّه ما من حتميّة فيه و الثورة التى تسترشد بالهدف الأسمى الشيوعي إمكانيّة تفرزها تناقضات حركة واقع النظام الرأسماليّ – الإمبريالي العالمي و لكنّها إمكانيّة قد تتحقّق و قد لا تتحقّق على أرض الواقع . و لكي تتحوّل هذه الإمكانيّة إلى واقع ثمّة شروط كثيرة ذاتيّة و موضوعيّة شرحها لينين و ماو تسى تونغ و منها الحاجة إلى أن يتسلّح محرّرو الإنسانيّة بعلم الشيوعية فى أرقى درجات تقدّمه و يطبّقوه و يطوّروه بلا إنقطاع . و قد تسحق هذه الإمكانيّة و غيرها من إمكانيّات و نزعات تاريخيّة فى المجتمع الإنساني لو حصل مثلا أن دُمّر كوكب الأرض بفعل إنفجار أو نيازك أو إنعدمت فيه إمكانيّة الحياة البشريّة جرّاء تغيّرات فى المناخ إلخ .
فى كلمة ، الشيوعية ليست حتميّة تاريخيّة و إنّما هي إمكانيّة تاريخيّة على الشيوعيين و الشيوعيّات أن يصارعوا بما أوتوا من جهد بما يعنيه ذلك من نضال جبّار و تضحيات جسام لبلوغ الحقائق و معالجة المشاكل فى أتون الصراع الطبقي و التقدّم لقيادة الشعوب لتحويل تلك الإمكانيّة إلى واقع و فى أقرب وقت ممكن تحرير الإنسانيّة جمعاء و إنقاذ الكوكب من الدمار الذى يلحقه به النظام الإمبريالي العالمي .
وكيما نلمس مدى فداحة إصابة حزب النضال التقدّمي بهذا المرض ، نسلّط الضوء على نصّ واحد دلالته كبيرة نستخرج منه بعض الصيغ الحتميّة نترك لكم نقاشها و يحمل هذا النصّ من العناوين عنوان " ما هي الإشتراكية ؟ " :
- " لا مهرب من الرأسماليّة إلاّ نحو الإشتراكيّة و طريق مراكمة التجارب الإشتراكيّة عالميّا لا يمكن إلاّ أن يفضي إلى الشيوعيّة الأمميّة الكونيّة و الشاملة لكلّ البشر ".( ص 4)
- " كما بدأ تاريخ البشريّة فإنّه سوف ينتهى و لكن بشكل أرقى حيث ستشاع الثروات من جديد بين البشر و لكن فى إطار حضارة الوفرة لا ضمن الحدود الضيّقة للإقتصاد الكفافي البدائي ." ( ص 14)
وقد سلف لنا الخوض فى هذه المسألة و ما ينجم عنها من سلبيّة لدى الشيوعيّين و الشيوعيّات فقلنا فى كتابنا " حزب الكادحين الوطني الديمقراطي يشوّه الماركسيّة " :
" الحتميّة مناهضة للمادية الجدلية و التاريخيّة :
من الأخطاء الفادحة التى نخرت جسم الحركة الشيوعية العالمية لعقود و شخّصتها الخلاصة الجديدة للشيوعية و ناقشناها فى جدالنا ضد محمّد علي الماوي فى كتابنا " صراع خطين عالمي حول الخلاصة الجديدة للشيوعية : هجوم محمّد علي الماوي اللامبدئي و ردود ناظم الماوي نموذجا عربياّ " ، خطأ الحتميّة أو الحتمية التاريخية . فقد إعتقد و يعتقد الكثير من الشيوعيين أنّ إنتصار البروليتاريا ثمّ تحقيق الشيوعية أمر حتمي تاريخيّا وهو ليس كذلك إذ هو مرتهن بنضال الشيوعيين و قيادتهم للثورة البروليتارية العالمية بإقتدار إعتمادا على فهم علمي راسخ و تطبيق مبدع لعلم الشيوعية على الظروف الخاصّة و العامة و على جدليّة الخاص و العام أيضا ( هذا دون أن نتطرّق بالتفصيل إلى إمكانيّة كوارث طبيعية أو كوارث تنجم عن أفعال النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي و الطبقات الرجعية : تحطيم كوكبنا ...). و حتى التقدّم صوب الشيوعية العالمية يحتاج إلى النضال المستميت ضد إعادة تركيز الرأسمالية و خوض الصراع الطبقي على طول المرحلة الإنتقالية من الرأسمالية إلى الشيوعية على أساس علمي خدمة للمصالح الإستراتيجية و الآنية للجماهير الشعبية بغاية تحرير الإنسانيّة جمعاء فى نهاية المطاف . و التقدّم نفسه لا يسير فى خطّ واحد مستقيم بل فيه تراجعات و عثرات و إنتكاسات وهو ما أثبته تاريخيّا التجارب الإشتراكية السابقة و خسارة البروليتاريا العالمية لأكثر من دولة بل للمعسكر الإشتراكي برمّته الذى بنته بفضل تضحيات جسام لأجيال و أجيال من الشيوعيين و من الجماهير الشعبية ."
مجمل القول ، حزب النضال التقدّمي المتدحرج نحو الأسفل لا يتورّع عن تحريف الماركسيّة - اللينينيّة لتطويعها و قولبتها كما يحلو له خدمة لأغراضه الإصلاحيّة .
=====================================================








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا


.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ




.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم


.. التوافق بين الإسلام السياسي واليسار.. لماذا وكيف؟ | #غرفة_ال




.. عصر النهضة الانجليزية:العلم والدين والعلمانية ويوتوبيا الوعي