الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ورقات دمشقية.

فريد العليبي

2018 / 3 / 20
الادب والفن


‏الورقات التالية كتبت خلال فترات متباعدة بين جانفي ومارس 2018 وهى من وحي زيارة الى سوريا ‏امتدت بين 12 جانفي و 17 جانفي 2018‏

‏6 جانفي
‏ ‏
عندما وصلت دمشق قبل سنوات طويلة لفت انتباهي عدم وجود غابة ، كان جبل قاسيون يحرس الشام ‏بقامته الفارهة دونما شجر على جنباته ... بلغت ملاحظتى تلك زميلة دراسة ، كان اسمها غادة سيمون حنا ‏، ،،، من محافظة الحسكة ، طلبت من زملاء لها اصطحابي الى الغوطة الشرقية ، حيث الشجر والبشر ‏‏.... كأنما لتأكيد أن سوريا خضراء كما تونس الخضراء ، ،،،والآن ...مجددا ..كأنما هناك صوت يناديني ‏من الغوطة الشرقية ..أن سوريا الخضراء حية على الدوام ... منبعثة من رماد الحرب .‏
‏15 جانفي
طفلان في الصالحية يبيعان أشياء صغيرة وخلفهما لافتة أصغر كتب عليها ..افسح المجال للقليل من ‏الفرح.‏
‏18 جانفي
طريق التونسيين الى سوريا مغلق منذ سنوات بفعل فاعل ، عن له قطع العلاقات بين البلدين ، ومن أراد ‏رغم ذلك الوصول الى دمشق عليه المرور بمطار بيروت ، كما كان حالي ووفد اتحاد الكتاب التونسيين ‏تلبية لدعوة المشاركة في ندوة فكرية وتعبيرا عن دعم ثقافي لسوريا في صراعها مع الوحش ، وكفاحها ‏في سبيل الحياة .‏
غير أن تلك الارادة لا تكفي وحدها اذ يمكن للعوامل الطبيعية العبث بها ، ولو تأخر رجوعنا من سوريا ‏الى تونس عبر لبنان يوما واحدا لكان الطريق قد كسته الثلوج فانقطع عليه المسير. ترى لما الاصرار ‏على قطع حركة الطيران بين تونس ودمشق بينما تلك الحركة مفتوحة بين سوريا من جهة و الجزائر ‏ومصر والسودان وغيرها من البلدان من جهة ثانية ؟ّ!‏
في الطريق الى دمشق تبهرك لبنان بلوحاتها الطبيعية والحضارية فاللبنانيون يسكنون بين الجبال وفوقها ‏، متدثرين بمعاطفها التى لا تخلو من بياض الثلوج . على الأبواب الحديدية لبعض المنازل كما على ‏الجدران بقايا ثقوب رصاص من أيام الحرب الأهلية في السبعينات ، وصور لزعماء أحزاب وشيوخ ‏طوائف وتمنيات على لافتات اشهارية بطول عمر الجمهورية ، وشعارات سياسية وتعابير حب متبادل بين ‏فتى وفتاة . ‏
‏ رغم الحرب السورية وأهوالها ظل ذلك الطريق مفتوحا مثل رئة تتنفس من خلالها سوريا ولبنان فللبلدين ‏نفس واحدة ، سرنا فيه نهارا ذاهبين، وليلا راجعين ولم نسمع صوت طلقة نار ، كانت السيارات تملؤه ‏سائرة في الاتجاهين . ‏
وبينما بدت لبنان صاخبة وبالوان فاقعة كانت سوريا هادئة في تناسق غريب بينهما فـالـ" هنا " و الـ"هناك ‏‏" يتعاناقان مثل عاشقين .‏
‏ وقد أدركت دمشق أو كما يسميها أهلها الشام تجد نفسك في ساحة الشهيد يوسف العظمة الذى قضي ‏خلال معركة ميسلون يوم الأربعاء 24 جويلية عام 1920 وهو يواجه الغزاة الفرنسيين الزاحفين على ‏دمشق ، يوسف العظمة لا يزال بكامل قامته يحرس المدينة من الغزاة الجدد أيضا فالشهداء لا يموتون أبدا ‏ويظلون يقاتلون بما لهم من رمزية ، سألت شيخا بعقال عن صاحب التمثال فقال إنه لا يعرفه ، سألت من ‏بعده شابا فقال إنه يوسف العظمة ، بحثت في مختلف زوايا التمثال عن اسم صاحبه فلم أجده.... .بدا ‏يوسف العظمة مثل جندي مجهول ، يستحث العرب أن يكونوا مثله في مقاومة الغزاة على مر الأزمنة .‏
‏19 جانفي
كانت الندوة في دمشق تعج باسماء كثيرة من الشعراء والادباء والمفكرين ، التقيت خلالها يوم الثلاثاء ‏‏16 جانفي 2018 مع الروائي والسياسي العربي الفلسطيني رشاد أبو شاور وحديث عن الوضع العربي ‏الراهن ومهمة المثقفين واستذكار للفدائيين التونسيين صلب المقاومة الفلسطينية وامكانية توثيق تجاربهم ‏البطولية . رشاد أبو شاور كتب غداة اجتياح بيروت سنة 1982 كتابه : آه يا بيروت ، وفيه حديث عن ‏بعض هؤلاء ومنهم الشهيد على الصغير الشريف أبو الرائد‎ .‎
قبل سنوات طويلة كان رشاد ابو شاور على متن الباخرة التي وصلت بنزرت وعلى متنها الفدائيين ‏الفلسطينيين المرحلين من بيروت وكنت أنا طالبا في كلية الآداب منوبة / تونس ، حدثنى رشاد عن ‏استفبال بورقيبة للفدائيين وترديده لجملة غريبة : هذا كله من أجل سي الطاهر وكيف فك بعد ذلك أسرارها ‏فسي الطاهر مناضل فلسطيني استقبل بورقيبة في القدس وأحسن له ورعاه وقدم له دعما سخيا خلال ‏رحلته في الاربعينات الى المشرق ،،،حدثت رشاد عن الطلبة التونسيين الذين تدافعوا لاستقبال الفدائيين ‏وقتها وكيف قطعت السلطة الطريق الى بنزرت فما كان علينا الا الذهاب الى مدينة منزل بورقيبة ومنها ‏سيرا على الاقدام الى بنزرت‎ .‎‏ ‏
‏20 جانفي
على الحدود السورية اللبنانية نجد معبر المصنع وبينما سهل لنا الأمنيون السوريون المرورمنه بدا ‏أضرابهم اللبنانيين متشددين في المراقبة وأفهمونا أن التونسيين لا يحق لهم العبور برا الى لبنان ، ‏أفهمناهم اننا سنغادر البلد بعد ساعات قليلة فنحن متجهين رأسا الى المطار عائدين الى تونس، وتتطلب ‏الأمر جهدا وتدخلا من السوريين حتى نعبر .‏
كان البرد يشتد فجرا وقال مرافقنا السوري أبو ياسين أن الثلوج قادمة خلال ساعات.‏
المنطقة جبلية وبها وهاد ووديان و يبدو أنه في نفس الوقت الذي كنا فيه هناك كانت عائلة سورية تحاول ‏العبور غير بعيد عنا سرا الى لبنان وقد قضت عن بكرة أبيها على نحو دراماتيكي عندما داهمتها عاصفة ‏ثلجية ، والسؤال هو عن أي شئ كانت تلك العائلة تبحث والحال أن الوضع الأمني في تحسن أما المعيشي ‏فهو أفضل حالا سوريا منه في لبنان بالنظر الى الفارق الكبير جدا في أسعار الايجار والمواد الغذائية ‏وغيرها ؟؟
‏21 جانفي ‏
دمشق ليلا رمايات متقطعة ، أصوات طلقات مدافع وأسلحة رشاشة تسمع بوضوح ، يبدو أنها على أطراف ‏المدينة التي يخيم الارهابيون التكفيريون فيها منذ وقت طويل دون أدنى قدرة على تحقيق هدفهم فقد ‏ظلت دمشق عصية شامخة وساخرة أيضا ، خلال المدة التي قضيتها هناك سقطت بعض القذائف على ‏حي القصاع وساحة العباسيين وجرح بعضهم ولكن دمشق كان عامرة بأهلها دونما اهتمام بذلك فقد تعودت ‏على تلك الحوادث الصغيرة كما لو كانت حوادث طرقات في مدينة كبيرة.‏
‏22 جانفي
دشق نهارا ، الأسواق مليئة بالناس ، البضائع متوفرة بشكل لافت ، حركة المرور عادية ، تشعر بالدفء ‏بين أناس يغلب الاحترام المتبادل بينهم على الخصام والشجار ، بحثت عن شبان وشابات يرتدون ‏السروايل الممزقة ـ موضة هذه الأيام في المدن المغتربة ـ فلم أجدها ، وفضلا عن ذلك لا محلات في ‏دمشق تبيع الملابس المستعملة.‏
‏ .
قبل سنوات عند دخول هذه الاسواق يأتيك أحدهم عارضا عليك تصريف العملة سريا ، الآن يبدو ان تلك ‏الظاهرة قد انتهت فالبنوك هى من يتولى تلك المهمة . وهذه حسنة من حسنات الحرب .
في دمشق القديمة أسواق متداخلة متشابكة متجاورة من الحميدية حيث الملابس والاحذية والمثلجات الى ‏العصرونية حيث لعب الأطفال والأدوات المنزلية والمرايا والماكياج والنظارات والزهورالبلاستسكية الى ‏الحريقة ـ المنطقة التي قصفها الفرنسيون بمدافعهم في العشرينات من القرن الماضي متسببين في حريق ‏ضخم ـ حيث الالبسة الصوفية والقطنية ، الى سوق الخضار والفواكه والأسماك الخ....دمشق تعج ‏بالحركة وتسخر من الحرب .‏



‏ 24 جانفي
شوارع دمشق لا تخلو من الكتب رغم الحرب ، هناك على الأرصفة يمكنك العثور على ترجمات لكتب ‏أرسطو وافلاطون وفلاسفة آخرين كما تجد عناوين كتبها فلاسفة العرب وأشعاروروايات من مختلف ‏أصقاع العالم ، الأثمان زهيدة مقارنة بتونس ، ولا تتعجب عندما ترى شيخا وشابا وشابة وكهلا وأحيانا ‏طفلا يتصفحون تلك الكتب قبل شرائها ، مكتبة النورى الشهيرة على مقربة من جسر فيكتوريا لا تزال ‏على حالها بينما اختفت دار عريقة هي دار دمشق كما اختفت دار لا تقل عراقة هي دار ميسلون وفي مكان ‏أبعد قليلا وعلى مقربة من المدينة العتيقة تجد مكتبات متخصصة في بيع الكتب التراثية والدينية مثل دار ‏ابن قتيبة ودار ابن كثير وغيرهما .‏
في المقابل اختفت الجرائد والمجلات ومحلات بيع الأشرطة باستثناء بعض الجرائد مثل البعث وتشرين ‏والثورة والوطن ، ربما بسبب الثورة المعلوماتية وسيطرة النات ، فقبل سنوات كانت الاشرطة التى تحوي ‏أغاني مارسيل وفيروز والعاشقين والشيخ امام تملأ تلك الشوارع كما جرائد مثل السفير والنداء والقدس ‏ومجلات مثل الهدف والحرية والطريق وبيروت المساء والكفاح العربي الخ ...‏
ويغمرك الفرح فدمشق لا تزال محافظة على عاداتها الثقافية الموغلة في القدم ، ،،،،انها تحارب وتفكر . ‏
‏25 جانفي
مفتي سوريا شخص استثنائي حقا قياسا الى غيره من رجال الدين الذين يملأون الجوامع والمساجد ‏‏والمنابر ، استقبلنا الرجل على مائدة عشاء دمشقية تبولة وكبة لبنية وأرز الخ ...وزادها نكهة ‏بنكات ‏أدخلت الحبور على الحاضرين ، قال المفتي ‏‎ ‎أحمد بدر حسون انه يكره الالقاب الفخمة وانه ‏يتمنى مناداته ‏باسمه لا غير. ‏
بدا الرجل مهموما بالفتنة التى تمزق العرب وهي التي ذهبت بابنه بل حتى اباه لم يسلم وهو في قبره من ‏‏جرائم التكفيريين فقد لفوا عظامهما في حصير وأخفوها في مكان مجهول ، هذه الواقعة لم يذكرها تلك ‏‏الليلة ربما حتى لا يضيف حزنا لأحزان في بلد لا يزال فيه شلال الدم في انسياب . ‏
يمتلك المفتي عقلا مفتوحا ويبدو تنويريا فهو لا يحاكم أحدا لدينه أو جنسه او طائقته ومذهبه ويقول انه ‏‏مفتي الجميع بما في ذلك الملحدين والمسيحيين ، وهو يقدم الموعظة الحسنة على الشدة والإكراه ، وقد ‏‏روى بخطابة خلابة حادثة وقعت له وهو في السادسة عشرة من عمره قبل سنين طويلة في مدينة حلب فقد ‏‏كان اماما شابا وعلى مقربة من المسجد كان هناك ملهى ليلي أقامت فيه فرقة للبيتلز حفلا صاخبا حتى ‏‏ساعات الصباح الأولى لأيام متتالية فخطرت له خاطرة غريبة وهي ان يذهب الي هناك وعندما وصل ‏‏باب الملهي قال له حارسه : لقد أخطأت الطريق يا شيخنا غير أن حسون أفهمه انه يريد الدخول فكان ما ‏‏أراده ,‏
يقول المفتى أنه وجد نساء ورجالا في أوضاع حميمية وخمورا ورقصا في جو صاخب وان بعض من ‏‏كانوا هناك هم من المصلين خلفه في الجامع ، هنا يعلق أحد الحاضرين قائلا :/ لا شك انهم فرحوا وقالوا ‏‏في قرارة أنفسهم : لقد هدى الله شيخنا ،،،، ويضحك الجميع ويواصل المفتي حديثه مبينا أنه خاطب ‏‏عقول الحاضرين منبها اياهم الى احترام الآخرين من أطفال وشيوخ نائمين وأنه سرعان ما فهمت رسالته ‏‏وغادر الملهي كثيرون وفي اليوم التالي أغلق الملهى أبوابه وهنا يتدخل أحدهم ويبدو أنه من حلب لاضفاء ‏‏البهجة على الجو الذى كان يحيط بتلك المأدبة : الآن عرفنا من أغلق الملهى ، اذن أنت هو !!!! ويضحك ‏‏الجميع . رسالة المفتي كانت أن الموعظة الحسنة أفضل ألف مرة من الغلظة .‏
واصل الرجل كلامه ليقول ان المرأة كانت تمارس الفتيا في الاسلام وأن الالفة بين الطوائف والمذلهب ‏‏والأديان مطلوبة وان الوطن اذا ما شاعت فيه الفتنة أصبح لقمة سائغة للغزاة . وان المثقفين العرب لا ‏‏ينيغي ان يقتصر عنلهم على مخاطبة بعضهم البعض بل عليهم مخاطبة الشعب والذهاب اليه في الحقول ‏‏والمزارع والمعامل وأنه ذهب ذات مرة الى اندونيسيا فتقدم منه عامل في صناعة الطائرات وهم بمسح ‏‏يده لكي يسلم عليه فما كان من الشيخ الا تقبيل تلك اليد ‏
انتهت المأدبة في جو من الألفة ووقف المفتي وصحبه للتسليم على الحاضرين فردا فردا وتبادل وجيز ‏‏الكلام وعندما جاء دوري ذكرت له ابن رشد وقبوله بتولي المرأة الامامة الكبرى فرد المفتي هذا ما ‏‏قصدته أيضا بكلامى ، اهديته كتابي ابن رشد والكشف عن أسباب الفتنة مشيرا في رأس الاهداء الى ‏اسمه دونما صفة زائلة ‏مثلما طلب هو ذاك ومضيت وصور المنورين العرب تزدحم في الذاكرة ز
‏29 جانفي
‏ التقيته صدفة في دمشق خلال الزيارة الأخيرة ، بدا أقل من عمره بكثير والسبب كما أسر لى أنه عاش ‏في تشيكوسلافاكيا لأكثر من عشر سنين فكانت أعوام الثلاجة كما قال مازحا ،،، بمعنى أن المرء هناك ‏يظل على حاله فلا تصيبه الشيخوخة.‏
‏ .
قبل ذلك قضى سنوات في لبنان وانتمى الى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتعرف على مقاتلين تونسيين ‏وفي الصورة التى تعود الى تلك السنوات يظهر رفقتهم وصورة ارنستو تشي غيفارا تتوسطهم ،،،، ‏رجاني البحث عن هؤلاء وايصال سلامه اليهم فذكراهم عزيزة على قلبه ووعدته بأن أفعل فربما يتعرف ‏بعض أصدقائي على نفسه أو على أصحاب له في تلك الصورة التى تعود لزمن ويا للمفارقة أصبحنا ‏ننعته بالجميل فقد كنا نحلم بالأجمل فإذا بنا نتوغل في القبيح .‏
نسيت القول أنه قبل تقديم مداخلتي في ندوة التنوير بدمشق تحدث باحث اماراتي الجنسية فلسطيني الأصل ‏مضمنا كلامه استغرابه من تصدير تونس للدواعش ومجاهدات النكاح ، وكان على اثبات العكس فتونس ‏أعطت أيضا لفلسطين والأمة العربية قوافل من الشهداء والجرحى والفدائيين ، تذكرت هؤلاء ومنهم أبا ‏تطوع للقتال سنة 1967 وتركنا في خيمة على ضفاف واد اللبن فقد كان متيما يغزة ويافا وحيفا والضفتين ‏الغربية و الشرقية ......هؤلاء الفتية الذين يظهرون في الصورة كانوا مثل موجة سبقتها موجات وتبعتها ‏أخرى ..‏
‏10 فيفري
هو جندي شاب من الجيش العربي السوري التقيته خلال زيارتي قبل أيام لسوريا ، كان يتقد حماسة للدفاع ‏لا عن سوريا فقط وانما عن الوطن العربي كله ، حملني سلامه لتونس الخضراء كما قال ، قلت له قبل ‏التصوير : نريد أن نقول للتونسيات والتونسيين أن دمشق في القلب كما تونس وانها بخير واقفة كما حالها ‏دائما على قدميها تقاوم غزاة اليوم كما قاومت غزاة الأمس ، ابتسم ورحب بالفكرة ، من قام بالتصوير ‏على أبواب الجامع الأموي كان جنديا آخر يكبره سنا ، بدا حذرا ورفض الظهور في صورة مشتركة .‏
وبين حديث هنا وحديث هناك انصرفت وانا أتأمل شعبا يقاوم الغزاة الذين يرسلون بين الفينة والأخرى ‏قذائفهم على مدينة دمشق العتيقة من مواقع لا تبعد أكثر من عشرة كيلمترات ، هناك في الغوطة الشرقية ‏في ظل لامبالاة لافتة من قبل الدمشقيين وهم بين غدو ورواح وأغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال ‏فالشبان والكهول في الجبهات .‏
بعد وقت وجيز انتبهت الى أنني تركت نظارتي على مقدمة العربة العسكرية التى كان بها الجندي الشاب ‏وعندما عدت للبحث عنها كان قد غاب ... ‏
تلك اللوحة الاشهارية وجدتها معلقة على واجهة محل تجاري في سوق الحميدية الدمشقي ، على بعد ‏خطوات قليلة من الجامع الأموي ، عجبت للأمر ، اذ كيف يمكن كتابة اسمي حبيبين على حبة أرز أو حبة ‏ماكرونة ؟!! قلت ربما كان ذلك مزحة !! ربما كان سرا من أسرار شعب تجري أشعار العشاق ورواياتهم ‏في شرايينه على مدار السنين .....رغم الجراحات والانكسارات ... قال لى صديق قبل سنوات طويلة ‏معلقا على انتحار طفل دمشقي فشل في حب بنت الجيران التى كانت تقاسمه مثل حمامة المساحة الفاصلة ‏بين نافذته ونافذتها : ان هذا شعب عاشق .... يريدون لللون الأحمر الدمشقي أن يكون لون الدماء ويأبى ‏الا أن يكون لون العشاق.‏
‏ ‏
‏ 7مارس
بدت تونس من الجو بطاقة بريدية ، جبال مغطاة بالخضرة وحقول صغيرة محاذية لبعضها بعضا كأنما قام ‏اقليديدس بتقسيمها بالتوازي ، لا شك أنها كروم العنب والبرتقال والليمون المنتشرة في الوطن القبلي وهنا ‏وهناك ثنايا وطرقات مستقية وملتوية مثل مساطر و ثعابين ، تقترب الطائرة أكثر من الأرض فتري ‏السيارات والأبنية البيضاء متناثرة هنا ومجتمعة هناك ، من ريف العاصمة الى مركزها تبدو تونس بهية ‏الجمال ، تتذكر تاريخ هذه الأرض التى كانت قبل مئات السنين وجهة لعليسة الفينيقية وسيبيون الروماني ‏والوندال والعرب والترك والإسبان والفرنسيين ، كم مر بها من غزاة الجغرافيا ؟ ماذا حملوا منها وماذا ‏تركوا ؟ ‏
ليست سوريا فقط من تعاني من الحرب ففي تونس أيضا حروب متنوعة ولكن من طراز آخر، حرب ‏الأثرياء على الفقراء والكولونياليين على الوطنيين والتفاهة على الثقافة والبوليتيك على السياسة والقبح ‏على الجمال والزيف على الحقيقة ، وفي الجبال تخيم ذئاب غبراء تنتظر الفرصة السانحة ومثلما تحلم ‏دمشق بالسلام تحلم تونس أيضا به، هنا القديم لا يزال في عنفوانه رغم الجراح والندوب التى ألحقها بها ‏الجديد الذي لا يزال يدب دبيا في مشيته ،،،،، تونس القديمة وتونس الجديدة تتصارعان ، ومن رحم شعب ‏قديم يولد على مهل شعب جديد .‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطل الفنون القتالية حبيب نورمحمدوف يطالب ترمب بوقف الحرب في


.. حريق في شقة الفنانة سمية الا?لفي بـ الجيزة وتعرضها للاختناق




.. منصة بحرينية عالمية لتعليم تلاوة القرآن الكريم واللغة العربي


.. -الفن ضربة حظ-... هذا ما قاله الفنان علي جاسم عن -المشاهدات




.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة