الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حداثية إلى أن يأتي عريس

عبد الجليل ولد حموية

2018 / 3 / 20
الادب والفن


حداثية إلى أن يأتي عريس

اقتنت مؤلفين، واحد لحنة أرندت وآخر لسيمون دي بوفوار، علبة سجائر مخففة متفق عليها نضاليا «لايث»، أحمر شفاه قاتم لإخفاء أثر الدخان وتضليل عين الرقيب بدماء الثوار. أشعلت واحدة، سحبت ونفثت بعمق، وقفت لحظة تتأمل الدخان يتلاشى في الفراغ وتخلف وراءها جملة «ثوري أنت حرة». تحسست قنينة الويسكي في حقيبتها، انفرجت أساريرها، لم تفقدها في الزحام، همست لنفسها: «مشاركة البلوريتاريا وسائل النقل مكلفة رغم المبادئ».
تكرر يوميا هذا الروتين الحتمي الذي لا يكسره إلا حضور الراتب مبشرا بليلة ميتافيزيقية. حداثية حتى النخاع، تتقاذف القيم التحررية داخل فكرها ب«تيكي تاكا» منظمة، تتحين الفرص لتعلن عن مقتها لمجتمع ذكوري يحاول جعل منها نسخة لأمها. ومثل زميلاتها في الميدان تدعي الإيمان بدين الإنسانية حتى أخمص القدمين، تعتبر الحريات العامة سننها المقدسة، والقوانين الدولية لحقوق الإنسان كتابها المقدس، جعلت من الأغاني الملتزمة ترانيم ديرها تتقرب بها من رب تعرفه هي فقط. نباتية متعصبة كبقرة، بالرغم من أن نصف ملابسها جلدية. تشتكي من ظلم وجور الرأسمالية وتشييئها للمرأة بالرغم من أنها لا ترتاح إلا وسط ملابس لمركات عالمية وعرق جسدها يمتزج برائحة عطر ثمنه يساوي يوم عيش للأسر التي تدعي الدفاع عنها.
رن الهاتف منهيا تلاعب الريح بخصلات شعرها القصير، ومحاولتها مراوغة الأفكار الكافرة. تمنت لو كان متصلا آخر كي تتلذذ بالاستماع لأغنية تشي غيفارا الاسبانية. تبادلت مع المتصل كلمات حب تخرج من فمها ربما بدافع الشهوة فقط، تذكرت آخر مرة تبادلا فيها المتعة، تواعدا على تكرار الأمر إلى أن يتحرر أحدهما من قيود الحياة، كذلك يُفعل في كل العلاقات، وعود أبدية، ونهاية قاب قوسين أو أدنى. همست له مع قبلة صوتية :
• «كن يا حبيبي كعصا الأعمى، كن دليلي في الحياة إلى الأبد».
قال لها مستقبلا القبلة بعشرة أمثالها:
• «أنا عجينك شكليني كما تشائين».
وعلى هامش الحوار الشبقي جلس القدر يتأمل المشهد بسخرية وأنشد:
• «لعنة الحب عليهما».

في باب المنزل اعترضتها والدتها بجملة دوت في أذنها كَالهزيم:
• «في المنزل خطيب».
• «خطيب؟ لي أنا!؟».
كانت ترفض فكرة الزواج رفضا قطعيا، تشمئزُ حتى من ذكر مؤسسة تعتبرها رجعية. لكنها المرة الأولى التي تحظى باختبار معتقداتها، المرة الأولى التي تصطدم مثاليتها بالواقع.
دخلت الغرفة، فكرت مليا، وافقت على الزواج، وحاولت اقناع نفسها بالوهم:
• «ليس كل مرة يأتي خطيب جيد، سأحاول فرض شخصيتي عليه و أمارس حريتي كما اعتدت». هي تعلم في قرارات نفسها أنه عريس كلاسيكي يريدها زوجة مع إمكانية التعدد.
جرت الأمور بميكانيكية يفرضها المستجد، لم تعتقلها منطقة الشك والتيه كثيرا، ألقت كتبها التنويرية في سلة المهملات، مزقت علبة السجائر، كسرت القنينة، أحرقت رائحة عشيقها العالقة بين الذكريات والشفاه، كأنها كانت تنتظر عريسا كلاسيكيا في صالون حداثي فقط، كأن القيم الحداثية التي كانت تؤمن بها كرسي في محطة انتظار العودة للحياة النمطية.
قررت اقتناء كتب تساعدها في إسعاد زوجها وتحولها لحسنة الدنيا، أجهضت حلم وشم فراشة بكابوس حناء، تحولت شارة الأناركية إلى خاتم خطوبة، والتحفت أغاني الثوار لباس أغنية شعبية ترحب بالعروس. دخلت على حسابها الفايسبوكي، حذفت كل صورها، غيرت صورة الحساب والخلفية بآيات قرآنية، تحول حسابها إلى نسخة لحساب «أميرة زوجي». لم تجل في بالها علاقتها بالعشيق «الجسر» إلا عندما تذكرت أثره على جسدها، لن يستطيع الدهر إصلاح ما أفسده الحب، لكن الطبيب وبضاعة الصين قادرة على ذلك.
اتجهت بكل كيانها نحو القفص كطائر أتعبه الطيران ومل حياة الحرية، تتمايل كطاووس فقد ألوانه، ثملة بوهمها الجديد، لم يبقى إلا مشكل واحد، كيف ستقنع الزوج بفقدانها غشاء البكارة بعدما استنزفت ثروتها تشبع قيمها القديمة؟ الأمر بسيط، ما دامت استبدلت جلدها جذريا لن تتعب في ايجاد كذبة تدخل بها النفق الجديد حياتها...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من


.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري




.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب


.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس




.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد