الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعاد (قصة قصيرة )الحلقة الاولى

احمد عبدول

2018 / 3 / 21
الادب والفن


كانت عائلة الحاج جاسب تسكن في قرية تقع على اطراف العاصمة بغداد حيث تحيط بها اشجار النخيل الباسقة من كل جانب اما شجيرات المشمش والحمضيات والزيتون فقد كانت تنعم بظلال اشجار النخيل التي تتوزع بينها بيوتات طينية متباعدة تتخللها جداول المياه التي ترتبط بالنهر فتعطي القرية جمالا ورونقا وقد اجتمع حولها الصغار وهم يتراشقون بمياهها العذبة بينما كان الاباء يسقون اراضيهم المزروعة بالخضراوات من تلك المياه الجارية .
للحاج جاسب ثلاثة اولاد الاكبر جبر والاوسط جاسم الذي استشهد في بداية الحرب العراقية الايرانية والاصغر علي اما زوجته (هاشمية ) فكانت ابنة عمه الذي آلت اليه رئاسة العشيرة كانت ام جبر ضخمة الجسد فارعة الطول ذات وجه عريض اسمر وصوت اقرب الى صوت الرجال منه الى صوت النساء وقد ربت اولادها منذ صغرهم على الشدة والطاعة تنهض ام جبر عند الفجر تصلي الصبح ثم تباشر باعداد الفطور لزوجها حتى اذا ما قصد الحاج جاسب مزرعته التي تقع على ضفاف النهر اخذت ام جبر تطعم الماشية فتفرق بينها اعلافها وتستبدل مياه الشرب الموضوعة في اواني كبيبرة كما تقوم بنثر حبوب الحنطة داخل اقفاص الدجاج ثم بعد ذلك كله تجمع اكواما من الحطب وتزجر التنور وتبدا بصناعة الخبز اما الصغيرة سعدية فكانت تقف بالقرب من والدتها وهي تحثها ان تتعلم منها كل ما تقوم به مبكرا .
كان الحاج جاسب اقرب ما يكون الى طبيعة زوجته فقد كان الاولاد يخافونه هو الاخر اشد الخوف منذ طفولتهم المبكرة وهو يتمنطق بحزام جلدي ويضع بجنبه مسدسه ال(ستار) الذي يحمل سبعة اطلاقات وكانه ينتظر مواجهة عدو ما .
سعاد هي البنت الوحيدة التي رزق بها الحاج جاسب والتي كان قد انتظر قدومها بفارغ الصبر لكي تعين والدتها عندما تكبر قليلا في اعمال المنزل الكثيرة فقد كانت عائلة الحاج جاسب تمتلك دارا تتكون من اربع غرف وباحة كبيرة تتوسط الدار يجثم داخلها عشرات الخراف والماعز اضافة الى اربعة ابقار وثور كان الحاج جاسب قد شيد لهما حظيرة بالقرب من المنزل .
كان جبر اقرب الى ميول والده العشائرية وقد اعد نفسه ليكون ممثلا عن والده في كل ما يتعلق بالعشيرة التي تشهد الكثير من النزاعات التي قد تصل الى استخدام الاسلحة النارية .

لم يكمل جبر دراسته المتوسطة فقد التحق في بدايات شبابه بمدرسة الدروع ونال رتبة نائب ضابط فكانت له مواقف شجاعة في معارك الخفاجية في بداية الحرب العراقية الايرانية حتى انه تقلد نوط الشجاعة من قبل رئيس النظام هو ومجموعته التي كانت لها مواقف شجاعة في الخطوط الامامية في جبهات القتال فدفعه ذلك الى الاعتداد والاعتزاز بنفسه بشكل مبالغ فيه .
يقضي جبر معظم ايام اجازته والتي كانت لا تتعدى سبعة ايام بعد عودته من الجبهة في بيت ام رائدة وهي امراة في الخمسينيات من العمر طلقها زوجها بعد ان انجب منها اربع بنات وولدا ، كانت ام رائدة معروفة بسمعتها غير الطيبة فقد كانت تستقبل بعض الغرباء من القرى المجاورة بين الحين والاخر داخل دارها فقدت ام رائدة احدى بناتها اللواتي عرفن بجمالهن (سناء) عندما غادرت البيت وذهبت الى جهة مجهولة كان جبر يقضي معظم ايام اجازته مع رائدة التي اغرم بها وهام بودادها فكان يبذل لها الكثير من المال وهو يقضي معها ساعات من الجنس على الرغم من انها لم تكن متزوجة حتى ان اغلب اهالي القرية كانوا يعرفون كل شيء عن علاقة جبر برائدة .
امتاز جبر بفظاظة الطبع وحدة اللسان وتقلب المزاج كان جبر اسمر البشرة طويل القامة واسع المنكبين ذا شوارب تغطي معظم شفتيه وهو في ذلك كله على العكس من اخيه الاصغر علي الذي اكمل دراسته في جامعة بغداد قسم التاريخ فقد امتاز علي برقة القلب وخفة الدم وكان صاحب ثقافة ماركسية يكثر من قراءة الكتب والروايات التي كان يقضي الليل في مطالعتها على ضوء الفانوس عندما ينقطع التيار الكهربائي بسبب الغارات التي تتعرض لها العاصمة بغداد خلال سنوات حرب الخليج الاولى اما نهاره فقد كان يقضية امام مسجله الصغير وعلبة السكائرال (بغداد ) وقد وضع امامه عشرات الكاسيتات للفنانين عبدالحليم حافظ والفنان قحطان العطار وهو يشرب نهاية كل اسبوع حيث يشتري له زجاجة من الخمر من احدى المخازن القريبة من كليته في منطقة باب المعظم ثم يضعها داخل اكثر من كيس ورقي ويدسها بين ما يحمله من صحف وكتب لشدة حيائه من ان يراه احد اصدقائه كان الشرب سبيله الوحيد لنسيان حبيبته( نضال ) البنت الشيوعية التي ارتبط معها طوال سنوات الدراسة بعلاقة حب لكن والدها قرر السفرهو وزوجته وبنته الوحيدة الى بلغاريا بعد ان باع كل ما يملك داخل العراق لكونه لم يعد ملائما للعيش الآمن والرغيد .

لم تنعم سعاد كما هو حال من في عمرها من البنات بذلك الحنو ولم تشعر انها البنت الوحيدة في بيت والدها وانها اخر العنقود بل انها كانت تشعر بشعور مؤلم والم ممض وهي ترى انشغال والديها عنها واهمالهم لها في كل شيء وهي ترى وتبصر اهتمام الاباء الاخرين بابنائهم .
ما ان بلغت سعاد من العمر ستة اعوام حتى اخذت تتطلع ان تدخل المدرسة حالها في ذلك حال قريناتها اللآتي كانت تبصرهن صبيحة كل يوم يغادرن الى المدرسة التي تقع في بداية القرية لكن سعاد سرعان ما صدمت برغبة والديها بعدم السماح لها بدخول المدرسة كونها البنت الوحيدة في البيت وان والدتها لا تستطيع انجاز كل مهام الدار بمفردها ثم انها امراة وفي كل الاحوال فمصيرها البيت وليس المدرسة هكذا قال لها والدها بصوت مرتفع وعينين محمرتين بينما كانت عينيها تدمعان بخوف ووجل .
كان اخوها علي هو الوحيد الذي يحنو عليها فقد كان علي يلاعبها ويلاطفها ويعطيها مما يفضل من نقود مما يتبقى لديه من مصروفه اليومي الذي ياخذه من والده فتجد سعاد في ذلك شيئا من عزاء وبصيص من امل في حياة افضل في ذلك البيت الذي لم تذق داخله للفرحة طعما منذ سنواتها الاولى حتى اذا ابصره والده صاح به محذرا ان لا يفسد اخلاق البنت اما سعاد فكانت تنظر الى والدها بخوف شديد والدموع تترقرق من عينيها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??