الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجحر

مزن مرشد

2006 / 3 / 11
أوراق كتبت في وعن السجن


متقوقعا على ذاته.
دفن رأسه بين ركبتيه وانحنى على نفسه أكثر فأكثر .
من النافذة الوحيدة أطلوا عليه، رؤوا وحدته، رؤوا عذاباته،رؤوا الرائحة تنبع من الجدران، لكنهم لم يشعروا بشيء.
لم يعنهم الشعور،لعل الكلمة كانت جديدة تماما عليهم،حقيقة جديتها ليست باللفظ أبدا بل بوجودها في دواخلهم .
نهض مسرعا،استهوته رائحة العشب الندي،رائحة الأرض المبللة اخترقته كالنهر.
ركض، تدحرج على العشب ، عاد صغيرا.
امسك يد أمه تمرغ بفستانها الأزرق- طالما عشق لونه-اشتم رائحتها من جديد،حملته بين ذراعيها رفعته عاليا في الهواء،من فوق، رأى عينيها الباسمتين وثغرها الضاحك،أسنانها البيضاء ،من فوق لمح قطة بيضاء أراد أن تنزله والدته سريعا ليلحق بها.
في الزاوية المعتمة،أكثر الزوايا إضاءة، أراد أن يكون مكانه ، مدركا أنه ربما لا يكون قد اختار هذه الزاوية بالذات أصلا ، لكنه اقنع نفسه بأنه صاحب القرار ، فللمكان طاقته أيضا، لأول مرة يدرك أن للرائحة لون ووجه.
افترش الرمل في ورشة البناء ونام ، استبدلت رائحة العشب في منخريه ، عبق لمكان برائحة البيتون والرمل، خشنت يداه، ثخنت أصابعه،ازداد الم ظهره، استقام من رقدته ، حمل تنكة مليئة بالبيتون المجبول الطري ، رائحته تهيمن على كل شيء حوله،حملها وصعد بها الطوابق الثلاث .
شعر بعينه الوارمة تخرج من وجهه،أمرها بالعودة الى محجرها،منعتها ركبته من الخروج فقد ضغط عليها من جديد، كان خائفا أن تهجره هي الاخرى.
عفراء هجرته للمرة الثالثة، وللمرة الثالثة لم يفهم لماذا تهجره ولماذا تعود ولماذا يبقى على حبها، الثالثة ثابتة قالها في سره واستراح، لن يحزن، فكر، على الأقل سيكون لديه الوقت لينشغل بإتمام مشروع، على الأقل سيكون لديه الوقت كل الوقت نعم الوقت، الوقت، الوقت، ماذا يفعل العاقل بالوقت.
رائحة الموت تنبعث من الجدران، ورق الصحف تفترش الأرض، ممزقة، تتمازج الرائحة بين الورق والغائط والنشادر المكثف، جرائد بلا كلمات، لا أثر للكلمات عليها، يلوح في رأس إحدى الصفحات لون باهت، قد يكون كان احمرا يوما ما.
من النافذة الوحيدة أطلت عينان سوداوان، سوط انطلق منهما باتجاه جسده.
برد جميل ، يلبس معطفه، المعطف الأجنبي الذي اهداه له بديع قال له " هاد بيقبر البرد"
فعلا القبر شيئ رائع ، دافئ،أمين، رحيم ، فيه كل شروط الراحة اللامشروطة.
تقلب في تكوره ، برد لسعه مثل حرق طازج .
عاد لسباته الليلي .
أراد أن يصرخ ، أن يتدحرج على العشب الندي، أن يشتم رائحة أمه، أن يرفع تنكة البيتون ، أن يلبس المعطف الأجنبي ،أراد أن تعود عفراء أو سواها ، أية امرأة في هذا الصقيع فلا معنى للوقت هنا، لكن أكثر شيء رغبه على الطلاق كان القبر ،القبر الذي أصبح هنا حلما.
سائل دافئ انساب بين قدميه، تنفس الصعداء، تململ قليلا،أدرك أنه حي.
الجدران البنية أصبحت تنبض ، نبضها يضغط على رأسه، ضغط رائحة تؤكل غزا انفه ،فأران اثنان يشاركانه جحرا.
ابتسم ، لأول مرة يشعر بالسرور ، الفئران تشعر، لن يكون وحيدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال


.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار




.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم


.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #




.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا