الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تخلّف المسلمون -- الحلقة السادسة

محمد علي العامري

2018 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


تنويم العقول بتقديس المنقول
قال أبو العلاء المعري :
عندما رأيت الجهل في الناس فاشياً ...... تجاهلْتُ ، حتى قيل إني جاهلُ

المتابع لحركة القوى الإسلامية ومدارسها عبر الأزمنة المتلاحقة ، بشتى مذاهبها وطوائفها ، المدبِّرة للمشروع الإسلامي التقليدي، يكتشف دون عناء ، أنها تحاول تطويق المسلمين وترويضهم في حضيرة محصّنة بالفولاذ بالمقدس ، مستخدمةً خطابها الديني ، المترجِم للفكر الديني ، الذي ليس من السهل أختراقه والخروج منه ، فكل من يدبّ الشك بعقله ويمس هذا المقدس ، ستحرقه نار الدنيا قبل نار الآخرة ، ما أدى الى تقاعس وتكاسل المسلمين عن الإعتماد على ملكات العقل في التفكر والتدبر ، وفضلوا الإتكالية والتقليد الأعمى ، الأمر الذي جعلهم يفقدون نقطة الإرتكاز والقدرة على رسم الأهداف المستقبلية ، وعجزهم عن تقييم ما يحيط بهم من تفاعلات حضارية تمر بها المجتمعات البشرية ، ففشلوا بالإمساك بأسباب الحداثة والتطور .
فهناك أكثر من ماكنة تضخ بعقول المسلمين يومياً ، وتغرس فيها فلسفة ومفهوم الحركات الإسلامية ومدارسها المختلفة ، وتصوراتها عن الله والكون والإنسان ، المُحكمة إحكاماً قوياً بالمنقول من النصوص القرآنية المقدسة ، والأحاديث النبوية وأحاديث وسِيَر الصحابة والأئمة الأكثر قداسة ، لأنهم غير مدركين بأن هناك قضايا جديدة تتكون عبر حركة الزمن النهضوية ، والتي تحتاج الى غربلة وتمحيص ، لتؤثر حتماً على الخطاب الديني ، ومن ثم تجديده ، من خلال تفعيل العقل وتحكيمة ، وفرز المعقول من النص المنقول والأخذ به ، بعيداً عن القداسة والقدسية ، لأن الخطاب الديني الذي يترجمه الفقهاء ورجال الدين على حياة وسلوك المسلمين ، هو الفكر الديني ، وهو من صناعة الإنسان ، يتأثر بحركة الزمن ، ويتفاعل ويتغيّر حسب قوانين التطور .
وهنا لابد وأن نعترف ما للحركات الإسلامية ومدارسها ، القديمة منها والمعاصرة من أثر قوي في بناء العقلية أو كيفية تكوين التفكير الديني للجماهير المسلمة ، عبر وسائلها التقليدية من مدارس الفقه والتشريع ، الى المساجد والحسينيات ، وإنتهاءً بالوسائل اللاتقليدية كاالصحافة بأنواعها ، والقنوات الفضائية وأجهزة الإتصالات والإعلام اللألكتروني ، وغيرها من الوسائل الحديثة ، دون التطرق أو بالأحرى عدم الإعتراف ، بأن لكل عصر وزمان ميزاته وخصائصه " فلا يصح علمياً وعملياً أن نضع الحلول الجاهزة لزمن مضى ، لمعالجة القضايا والمستجدات لعصرنا الحاضر ، دون إعمال الفكر وتحكيم العقل " (1) وإلاّ ، لتوقفت عجلة الزمن ، وتوقف التطور ، وهذا ضرب من الخيال .
فأصبحت الجماهير المسلمة خاضعة ومطيعة لما يُنقَل لها من النصوص بإعتبارها نصوص مقدسة ، وكما قلنا سابقاً ، هي غير خاضعة لتحكيم العقل ، لأنها منقولة عن طريق رجال دين أصحاب عمائم غلّفوا أنفسهم بهالة الكهنوت المقدس ، فأصبحوا الواسطة الوحيدة الناقلة بين الله والإنسان المسلم ، فوجب طاعتهم وإتباع نصائحهم والسير على خطاهم مهما كلف الثمن ، طالما هذا الفقيه أو الشيخ يتكلم بأسم الإسلام على الأرض بتكلفة ربانية من السماء .
ونتيجة لما لهذا المقدس من وقع روحاني على نفسية المسلمين ، ولما له من تأثير قوي على عواطفهم ودغدغة مشاعرهم وأحاسيسهم ، صار من الصعب عليهم أن يحرروا عقولهم من قيود التقليد الأعمى والتبعية ، ومن سطوة الوهم والخرافة ، ومن سلطان تقديس الأشخاص ، ما جعلهم لا يعرفون للعقل موضعه ، وللإنسانية كرامتها ، فأنتصر التخلف ، وحال دون إكتساب الحداثة ، وها هو حال المسلمين اليوم يؤشر على ضعفهم ، وتخلفهم أمام الشعوب المتقدمة الأخرى ، ووقوفهم خارج هامش التطور الهائل ، والقفزات الكبرى في العلوم والتكنولوجيا .
وعندما تجالسهم وتحاورهم عما يحمله الآخرون من الهموم والقلق والتفكر والتدبر ، من أجل التطور والتحضر والرقي ، ومن أجل نهضة العالم الإسلامي ليلحق بالشعوب التي سبقته بمئات السنين في كل مجالات العلوم الطبيعية ، يأتيك الجواب المخدر " فوزنا الكبير في العالم الآخر وسنتمتع بنعيم الجنة ، ولهم الدنيا وملذاتها ، وجهنم مصيرهم ، وسيصْلَوْن بسعيرها " (2) . ولهذا ترى عامة المسلمين مطمئنين ، لا هَم يشغلهم ولا تفكير يقلقهم سوى التضرع لله أن يبعدهم وينجيهم من الدنيا ليفوزوا بالآخرة ، { وللآخرة خير لك من الأولى } سورة الضحى . وكذلك { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لِمنْ أتقى } سورة النساء . أو { وما متاع الدنيا إلاّ متاع الغرور } سورة آل عمران . أو { فالنقاتل في سبيل الله الذين يشْرَوْن الحياة الدنيا بالآخرة } سورة النساء .

ولما دخل المسلمون بهالة المقدس ، ورضوا أن يكونوا تابعين لرجال الدين ، ورضوا أن يسلّموا عقولهم للقديسين ، إضطروا وهم لا يعلمون أن يهجروا العلوم العصرية التي كانت أساس النهضة الغربية ، ويعظّموا العلوم الشرعية التي غيرت إتجاه مسيرتهم من التمتع بالحياة الدنيا وعلومها ، الى عالم الميتافيزيقيا ووهم الآخرة ، وظلوا متمسكين بقوة بموروثاتهم الدينية القبلية الرعوية ، ولم يستطيعوا تفكيك وإزالة بنية العقل المحافظ على التقاليد البدائية ، ففقدوا بوصلتهم التي ترشدهم الى التطور والرقي ، ألا وهي العقل .
ولا مجال لتحكيم العقل في مسألة التقليد والطاعة لأوامر الله المثبته في القرآن والسنة النبوية ، ولا حرية في الإختيار أمام النص القرآني أو السنة النبوية ، التي تستند على أدلة تجريدية تخيلية غيبية ( ميتافيزيقية ) إبتدعها الأولون قبل أكثر من ألف سنة ، ويطالب القيّمون على الدين اليوم ، بل يرغمون من خلالها الآخرين على تقديسها والتسليم بها والخضوع لها مع ما يتبعها من أحكام وتعاليم قد يدفع الآخرون أرواحهم وحياتهم تمثنا لعدم الإقتناع بها أو إنكارها أو عدم الإيمان بها ، لسبب واحد ، لكونها نصوص مقدسة جاءت عن لسان شيخ مقدس ، منقولة من كتاب مقدس أو من حديث لإمام أكثر قداسة .
عندما تخير المسلم بين نظرية داروين العلمية حول أصل الأنواع ، وبين ما جاء في القرآن بأن الله خلق الإنسان كما هو الآن ولم يتغير منذ ملايين السنين ، من الطبيعي سيختار النص القرأني المقدس ، حتى لو خالف العلم والعقل { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا } سورة النساء/ 1 . على ضوء هذه الآية ، لا يحق لأي مسلم أن يناقش مسألة أصل الأنواع ونظريات التطور ، لأن النص القرآني يقول : إن الله هو الذي خلق الإنسان ، وأي رأي آخر يخالف هذا النص ، سيكفر بذات الله وقدرته .
ولنأخذ آية أخرى تخص الكون { أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (22) } سورة الغاشية .
هذه الآيات تخالف لما توصل اليه العلم في مسألة الكون ، وخاصة كروية الأرض ودورانها ، فالآية تؤكد على أن الأرض مسطحة { والى الأرض كيف سُطّحت } ، لكن العلم يؤكد على كرويتها . هنا ، يتحتم على المسلم المؤمن أن يلغي عقله ، ويهجر العلم ، ليتبع المنقول من النص الديني المقدس الذي يؤكد على تسطيح الأرض ، فإذا المرء خالف النص الديني ، ووافق العقل والعلم ، سيكون في قائمة الكافرين ، وما على المسلم إلاّ أن يستسلم ويخضع لهذا النص ، ولا مجال هنا لتحكيم العقل ، لأن تحكيم العقل سيقوده حتماً الى الشك ، ومن الشك الى اليقين العلمي ، فيقع المؤمن في متاهة من أمره ، بين التوجه نحو العلوم الطبيعية التي تؤدي به الى الكفر ، أو التمسك بما نُقِل اليه من النصوص الدينية المقدسة التي تقوده الى الإيمان والتقرب الى الله ، وينجو من عذاب الآخرة . وهناك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية يحار بها المسلم ، عندما يقارن بينها وبين ما توصل اليه العلم من إكتشافات وأختراعات وتطور في كل مجالات العلوم الطبيعية .
وهذا سبب أساسي من أسباب تخلف المسلمين ، عندما إنحازوا الى المنقول دون تمحيص أو تشذيب ، وتركوا المعقول وتحكيم العقل الذي يفتح لهم باب التطور والتخلص من حالة الإعتماد على طريقة الملالي والكتاتيب ذات النهج التلقيني الببغاوي ، ونراهم قد إبتعدوا كلياً عن البحث العلمي ، ونظام التعليم العصري الذي يعتمد على النقد والمقارنة والتجرية .
الهوامش :
1 – نقد الخطاب السلفي ( أبن تيمية نموذجاً ) للدكتور رائد السمهوري
2 - محاضرة للشيخ صباح شبر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لكن العلم يؤكد على كرويتها
ركاش يناه ( 2018 / 3 / 22 - 12:28 )

لكن العلم يؤكد على كرويتها
________



قريت كتاب مهم
كُتابه ناس أفذاذ
كله حكم و علم
من سفر إبن معاذ

قال ألبسيطة بسيطه
مُسطحة .. ياعبيطة
أوعى تقولى دى كورة
ل يشندلك بن باز

وألشمس نازلة تطش
لا تدوب و لا بتكش
فى حفرة دافية هناك
مليانة دود و مش

جواز ألبنات فى تسعة
و لختانهم تسعى
و ف ضربهم ماتنسى
ألقلة و ألبرواز

ألشرع قال أربعة
عالمهل مش سربعة
و إن وصلوا عشرة .. ماشى
د لكل قاعدة شواذ

....

اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من