الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهمة إجتماعيّة إقتصاديّة :الصناعة نمط وعلاقات إنتاج

سنان أحمد حقّي

2018 / 3 / 22
الصناعة والزراعة


يعلم كل من له علاقة بالتنمية سواء كان إقتصاديا أم عالم إجتماع وكذلك كل السياسيين والمعنيين بالتقدم التكنولوجي والعلمي أن هناك أبنية تحتيّة وأخرى فوقيّة لأي مجتمع ، وأن التطوّر والتقدّم بكل أشكاله مرهون بتقدّم الأبنية التحتيّة والتي تؤدّي إلى تطوّر الأبنية الفوقيّة التي تضم الفن والأدب والقانون والعادات والتقاليد والأخلاق وغيرها ولكي يحدث تطوّر في الأبنية التحتيّة يجب أن يتطوّر نمط الإنتاج ولكل نمط إنتاج علاقات إنتاج يحددها نمط الإنتاج وقوى الإنتاج ولن تحدث في أي مجتمع أي علاقات إنتاج متقدّمة ما لم يحدث نمط إنتاج جديد يضم قوى إنتاج متقدّمة تعمل على تغيير علاقات الإنتاج وبالتالي الأبنية الفوقيّة الإجتماعيّة برمتها ، وليس جديدا القول أن العلاقات الإجتماعيّة من أخلاق وقوانين وأعراف وتقاليد بقيت طيلة نمط الإنتاج الزراعي كما هي وترسّخت حتى أصبحت التقاليد البسيطة نواميس تمتلك من القوة ما لا تمتلكه القوانين نفسها ولم يحدث أي تغيير حقيقي ولم تنجح كل محاولات المصلحين حتّى دخلت الإنسانيّة في نمط إنتاج جديد وهو النمط الصناعي .
دخول العصر الصناعي وفّر قوى إنتاج عملت بدورها على تغيير علاقات الإنتاج فحصل ما يُدعى بالثورة الصناعيّة حيث تنادت المجتمعات مع بعضها من التي مضت في هذا النمط لتغيير كثير من العلاقات باعتبارها لم تعد تناسب التغيير الجديد الذي حصل في البنى التحتيّة والمتمثلة في قوى الإنتاج وانتشرت دعاوى التغيير في كل أركان المجتمع الذي يدخل العصر أو نمط الإنتاج الصناعي ونجم عن الحاجة إلى قوى إنتاج أوسع ، نجم عن ذلك مطالبات لتحرير المرأة وتاييد مشاركتها في العمل إلى جانب الرجل وكان هذا أهم وأعلى مظهر من مظاهر تحرير المرأة منذ عصور سابقة كثيرة وأصبح ضروريا أن يتاح طلب العلم لكل المواطنين لأن النمط الصناعي يتطلب أكثر كثيرا من معارف النمط الزراعي وتصاعد نداء محو الأمية للرجال والنساء على حد سواء ومنذ ذلك اليوم والعالم يشهد تطوّرا متسارعا لم يشهد له مثيل حيث املى هذا التقدّم على الناس عادات وتقاليد وطبائع جديدة لم تكن موجودة حيث أصبح نظام العمل يقوم على ساعات محددة ونظام دقيق بدلا من العمل الموسمي حيث القطاف أو الحرث أو الحصاد وما إلى ذلك من عمليات سقي موقوتة وغيرها وتعلّم العامل الضبط والأمر والتقيّد بتعليمات العمل والسلامة وازداد الطلب على الإبداع والفكر في تطوير وتجديد وسائل الإنتاج التي أصبحت مكائن وآلات معقّدة تتطلب تعليم وثقافة ومهارة لم تكن موجودة لأن وسيلة الإنتاج القديمة كانت الأرض وبعض الوسائل البسيطة والبدائيّة
إذا نستطيع القول إن نمط الإنتاج الصناعي هو ثورة فعلا لأنه قاد إلى نمو علاقات إنتاج جديدة ومتطورة وعادات وتقاليد ونظام أجور جديد بل إلى أنظمة حكم لم تعرفها الإنسانيّة من قبل ، ونلحظ يوميا في حياتنا العامّة كم هو العامل عندنا أقل وعيا من العامل في البلدان العريقة في العصر الصناعي والسبب أنه مازال يعيش ويؤمن بالتقاليد التي قامت على نمط وقوى إنتاج قديم وهو النمط الزراعي فنحن نأتي بالفلاح ونزجّه في نمط إنتاج صناعي ونطالبه بعلاقات إنتاج صناعيّة وهذا أدّى إلى فصام شخصيّة إجتماعيّة واقتصاديّة يعاني منه عموم المجتمع، ومع معاناة كبيرة بل هائلة استطاع مجتمعنا أن يعترّف على خصائص المجتمع الصناعي العامّة وأن يباشر الدخول فيه وترك كثير من أبناء شعبنا تقاليد وعلاقات الإنتاج الزراعي نحو المجتمع والعلاقات الصناعيّة الوليدة .
ولكن بناء مجتمع يخرج للتو من نمط زراعي إلى نمط صناعي يتطلب الكثير من المطالب الصناعية كتحديث وسائل الإنتاج وتطويرها وتوفير الأيدي العاملة المدرّبة و الماهرة وكذلك توفير رأس المال المؤمن بمستقبل الصناعة ، وكانت العوامل كلها صعبة المنال وخصوصا العدد المطلوب من المخططين والمنظرين والمنظمين ، وكان من حظ بلادنا وبعض البلاد الأخرى أن أنعم عليها بثروات طبيعيّة مهمة وغالية جدا كالنفط والغاز ومصادر الطاقة المتجددة كما تُسمّى هذه الأيام فضلا عن كثير من المواد الأولية اللازمة لعدد من الصناعات المهمة كالمنتوجات الزراعيّة المتعددة والمعادن الأساسيّة في عمليات الصناعة المتقدمة كالكبريت والفوسفات والرمل ومعادن أخرى كالبوكسايت والكوارتز وغيرها كثير ،
ولهذا كان من الممكن أن نعمل على توفير رأس المال بسهولة ويُسر لأغراض التنمية الشاملة
Comprehensive Planning لزيادة الإنتاج الزراعي وتحسينه من أجل توفير المواد الأوليّة للصناعة المتطوّرة ومهما كان الأمر صعبا وجديدا فقد كان البلد يقوم على إنتاج ولو محدود من الحبوب والخضار والفواكه حيث يمكن قيام صناعة متقدمة للمواد الغذائيّة وأهمها الزيوت والسكر ومساحيق الغسيل وغيرها ولكن التوجّه مضى نحو التوسّع العشوائي في توفير الوظائف الحكوميّة وإفشال قيام المعامل والمصانع وهذا لا يؤدّي مطلقا إلى تقدّم إجتماعي رغم أنه يؤدّي إلى تحسن مؤقت ومحدود في مستوى الدخل للأفراد ولكنه أجّلَ دخولنا نمط الإنتاج الصناعي وبقينا نراوح بين النمط الزراعي الذي يفشل يوما بعد يوم وبين عادات هذا النمط وأبنيته الفوقيّة وبين التقدّم واللحاق بالأمم المتقدمة وهو الأمر الذي لا نستطيعه بدون التنمية الصناعيّة والنمو في تكريس نمط الإنتاج الصناعي وهو النمط الوحيد الذي يفتح الباب نحو التقدّم الإجتماعي كما أسلفنا لأنه نمط يوفّر تغيّرا في الأبنية التحتيّة وقوى الإنتاج والتي بدورها تدفع بالأبنية الفوقيّة نحو التغيّر وما لم نمضي بقوة نحو النمط الصناعي فسنبقى نجتر المطالب الأساسيّة كحقوق الإنسان وحقوق المرأة وتوفير فرص العمل وتجاوز العادات والتقاليد الإجتماعيّة البالية بل تجاوز الأخلاق الشائنة التي يتزايد انتشارها بين أيناء الشعب نتيجة الفشل في المضي في تطوير النمط الصناعي في البلاد والمجتمع .
ولذلك فإن التوجه نحو تنمية وإنشاء قطاع صناعي عام برأس المال الوطني المتأتي عن الثروات الطبيعيّة والنفطيّة وغيرها هو الباب الأوسع للتقدم الإجتماعي والتحرر وضمان إستقلال البلاد وكرامة مواطنيها لأن القطاع الخاص على أهميته لا يمتلك لا رؤوس الأموال ولا مؤسسات التدريب والتعليم لتطوير مستوى العاملين علميا وثقافيا كما يحتاج المجتمع والنمط الصناعي وهو أي القطاع العام من يستطيع أن ياخذ بيد القطاع الخاص لينمو نموا وطنيا حقيقيا لا يقوم على الغش ولا الإبتزازولا يتحوّل لوكيل للمنتجين الأجانب على حساب أبناء الوطن كما أن القطاع الخاص ما يزال خارجا للتو من نمط زراعي وعلاقات زراعيّة لا تتوفر له رؤوس الأموال اللازمة لبناء مصانع كبرى كالحديد والصناعات الكيمياويّة والميكانيكيّة والأجهزة الكهربائية والألكترونيّة والمعدات ووسائط النقل و المواد الإستهلاكيّة ومختلف الصناعات الإستخراجيّة والتحويليّة على حد سواء ولذلك فلبناء القطاع العام أهمية عظيمة في بناء النمط الصناعي وعلاقات الإنتاج الصناعيّة ويوفّر لأنماط متقدمة أخرى متوقعة قريبا كنمط الإنتاج الرقمي والأتمتة إن صح التعبير وكذلك التقدّم نحو نمط الإنتاج الفكري والعلمي المتطوّر ،
الصناعة ليست مكائن ومنتجات على تنوعها ولا هي سلع وبضائع فقط ؛ بل هي نمط إنتاج كما أسلفنا وهي علاقات إنتاج فوق كل شئ فإن لم نكرّس علاقات الإنتاج الصناعي فلا جدوى من المناداة بالإستقلال ولا حقوق الإنسان ولا حقوق المرأة ولا المساواة ولا حياة حرة كريمة ولا ديمقراطيّة ولا شفافية ، ويظن بعض بقايا الإقطاع القديم والمنتمين لقوى الإنتاج السابقة أن إفشال التقدم نحو النمط الصناعي سيوفّر لهم الأيدي العاملة عن طريق تكريس البطالة وإجبار العمال والعمال المهرة المتوفرين والفنيين إلى العودة إلى حياة الأقنان والفلاحين وعبيد الأرض ، وهذا طبعا لن يحدث مطلقا لأن المولود بعد ولادته لا يمكن أن نعيده إلى بطن أمّه ،
نحو بناء نمط إنتاج صناعي وقوى إنتاج وعلاقات إنتاج جديدة بدونها سنبقى مع الأبنية الفوقية القديمة والأخلاق والعادات والتقاليد البالية ولن يُجدي أن نصرخ في الناس مطالبينهم بتحقيق التقدّم وتوفير حقوق المرأة وفرص العمل والديمقراطيّة والتحلّي بأخلاق أبناء العالم المتقدّم والوعي ،
الصناعة علاقات إنتاج وقوى إنتاج قبل كل شئ
وهي مهمة إجتماعيّة إقتصاديّة في آن واحد .
كما أن مواصلة تكريس إفشال النمط الصناعي لا يعني سوى إفشال كيان الدولة العراقيّة وهو من الأهمية بمكان بحيث يجب التنبّه له والحرص على عدم تحقيقه لأن لدينا اليوم ما يقرب من 35 مليون مواطن وفي الغد القريب سيصبحون خمسين فكيف سيعيشون ؟ خصوصا بعد ظهور مصادر جديدة للطاقة ؟ ..لا غنى عن النمط الصناعي فهو النافذة الوحيدة المفتوحة أمام ابناء شعبنا ولا يجب أن نترك المجال مفتوحا للتخرصات وآراء من لا خبرة لهم والمتعاملين مع أرباب عمل ومنتجين أجانب ( كومبرادور جدد )،
الكومبرادور الجدد يجب إبعادهم عن القرار السياسي والإقتصادي كليّا .
نحو بناء نمط إنتاج صناعي وتسخير الثروة الوطنية من أجل بناء هذا النمط لتعظيم الموارد الوطنية والحكوميّة معا ، وبهدف تطوير الحياة الإجتماعيّة وتقدّمها بنفس الوقت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رقم قياسي جديد لعملة البيتكوين الرقمية | الأخبار


.. أطيب كيكة ليمون




.. انشغال نواب بتصفح هواتفهم خلال جلسة البرلمان يستفز الأردنيين


.. بارنييه يقدم استقالته للرئيس ماكرون ووزير الدفاع الأقرب لخلا




.. -علف الحيوانات والقمامة-.. للبقاء على قيد الحياة في قطاع غزة