الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دلائليّة الموت ورمزيته في الخطاب الرّوائي الجزائري المعاصر

سامية غشير

2018 / 3 / 26
الادب والفن


تعدّ تيمة الموت، من التيمات البارزة في الرّواية الجزائريّة المعاصرة، والتي اشتغلت عليها بكثرة خاصّة سنوات الأزمة الوطنيّة، والتي عانت فيها البلاد الجزائريّة من مأساة كبيرة كانت لها انعكاسات سلبيّة على المجتمع وخاصّة على طبقة المثقفين الذّين لم يجدوا سبيلًا للهروب من تلك الأوضاع المأساويّة سوى كسر حاجز الصّمت وإطلاق العنان لأقلامهم لتكتب وتسجل وتصوّر، فعبّروا عن مرارة الرّاهن الدّموي وعبثيّة الحياة التي تجسّد الفناء، عن هواجس الإنسان، قلقه الوجودي، صراعه مع الحياة، مقاومته للموت،
يمثّل الموت رافدًا جماليًّا في الأدب الجزائري حيث غذّى النّصوص الأدبيّة بتيمة جديدة، حيث يشكّل هاجسا أساسا في الكتابة الرّوائيّة، فكما الموت رديف للحياة فهو رديف الكتابة "إذ يضفي على العوالم الأدبيّة التي يشكّلها الكتاب الجزائريّون أبعادا دراميّة تمثّل رافد إغناء جمالي ودلالي لنصوصهم. فيمثّلون المكان: الجزائر/الوطن في ماضيه كما في حاضره بمناخات الفاجعة والمأساة. ويكون الموت قدر الإنسان الجزائري الممتد في الزّمان، والمشكّل لتاريخه الفردي والجماعي في آن، ينجزه الفرنسي زمن الاستعمار قمعا للفعل الثّوري المناهض، ثمّ يتابعه الجزائري/ زمن الاستقلال بكثير من الوحشيّة، والعبثيّة ضدّ أخيه الجزائري بالاغتيال الفردي / أو الجماعي ذبحا أورميا بالرّصاص."(1)
لقد تناولت الكتابة الرّوائيّة المعاصرة سؤال الموت، وسعت إلى البحث في رمزيته وتجليّاته العديدة وإشكالاته المختلفة، فالكاتب أكثر قدرة على الإحساس بقوّة الموت، وأكثر شجاعةً على مواجهة جبروته، وتعميق دلالاته وأكثر " تأملًّا في الوجود والعدم، يستبطن الأشياء، يتغلغل فيها بحثًا عن حقيقتها، يتبعها وهي في أوجّ حركتها وديمومتها، إنّه يكسر الحاضر الآني منطلقًا إلى الآتي."(2)
يحضر الموت كسؤال مركزي لأغلب المتون السّرديّة الجزائريّة حيث تعرض تلك الرّوايات المصائر التي لاقتها شخصيّات الرّواية في أزمنة عديدة، وهذه المشاهد الحزينة التي آلت إليها تلك الشّخصيّات "تحيلنا إلى تأملّ شبكة من الثنائيّات يصنعها الموت في مختلف علائقه، من قبيل موت الأنا/ موت الآخر/ الموت الطّبيعي/ الموت الطّارئ ( قتلًا أو انتحارًا)."(3)
لقد توزّع الموت بصورة واسعة على الرّوايات، وتمثلّ في أشكالٍ عديدةٍ، حيث نجد "موت اِجتماعي وعاطفي وموت سياسي ووطني، وموت فكري وفلسفي، وقبل هذا وذاك موت حقيقي، أو قتل للكائن الخيالي في العمل الفنّي يؤتى به ليشتغل اِشتغالًا حسنًا في القصّة."(4)
إنّ الملاحظ على النّصوص الرّوائيّة زمن الاستقلال اِتّجاهها إلى تبجيل الموت وعرض مشاهده وصوره البطوليّة العظيمة، تلك الصّور التي تجسّدت من خلال "الفعل الاِستشهادي المقاوم للاِحتلال الفرنسي، والمجسّم لبطولة الإنسان/ الشّعب الجزائري، وملحميته في سبيل تحرير وطنه زمن الثورة." (5)
فالموت في هذا السّياق يأخذ طابعًا بطوليًّا رمزيًّا "فالموت بهذا الأفق يجسّد إرادة الوجود في أدقّ صورها النّابعة من إشكاليّة ترفض كلّ مساومة أو اِبتزاز." (6)
تعدّ الأزمة الوطنيّة عاملًا أساسًا للكتابة عن الموت فقد أنشأ الكتّاب الجزائريّون نصوصهم وهم مأخوذون بمناخات الإرهاب والعنف والموت الذّي انتشر في كلّ مكان، وحاولوا الكتابة عنه وتغذيّة نصوصهم بتيمات من صميم الواقع الإنساني الذّي كان ينزف تحت وطأة العنف، فكانت تجربة صادقة " فمن الموت تبتدئ الرّحلة، وبالموت تنتهي وتنغلق الصّورة على رمزيّة الحدث المفجع، هكذا تنغلق ويكشف عن وجهها البشع دون الاقتراب من وجه آخر فيها هو وجه البقاء."(7)
الملاحظ على تلك النّصوص الرّوائيّة وعيها بأهميّة ذلك الحدث- الموت- وتأثيراته النفسيّة والاِجتماعيّة لذلك جاءت تلك التجارب صادقة شعوريًّا وفنيّا، بحيث تحوّلت تلك النّصوص الأدبيّة إلى "تجربة شعوريّة موظفّة في بطانتها الوجدانيّة التراكم التراثي والبعد الاِجتماعيّ بكافة ترسيباته القيميّة والحضاريّة، وكذا المحدّد السيّاسي وتقاطعاته الإيديولوجيّة مع ضمير الكاتب الملتزم بقضيته، وهذا بدوره يصيّر الكتابة الأدبيّة نوعًا من التاريخ لواقع الجزائر في فترة العشريّة الأخيرة من القرن العشرين الذّي دخل في ذمّة التاريخ، عشريّة الدّم والنّار، عنوانها الموت غايتها الموت، واقعها الموت وموت الموت..." (8)
فالموت اِنتقل من صوره المختلفة، الموت الرمزي إبّان الثّورة التحريريّة إلى صور أكثر عبثيّة، حيث تفشّى الموت المجاني الوحشي الذّي "ضخّم محنة الوطن/ الجزائر وعمّق مأساة الإنسان الجزائري الفرديّة والأسريّة والمجتمعيّة فعندما خسر الوطن/ الجزائر رهانه مع التاريخ زمن الِاستقلال. خسر الإنسان الجزائري تبعًا لذلك رهانه مع الحياة فتضخمت أشكال معاناته الذّاتية بفعل ما يتسبّب له في الموت المحقق/ أو المؤجلّ منذ التّسعينيّات من القرن العشرين إلى الآن من حالات خوفٍ أربكت أنساقَ الحياة، ومن مناخات فوضى حوّلت الواقع إلى لا واقع، والمعقول إلى لا معقول والمنطق إلى لا منطق، والأصيل من القيّم إلى متهافتٍ." (9)
والواضح أنَّ الكاتبَ الذّي عايش تجربة الموت، كان أكثر صدقًا في نقل صورها ومشاهدها، فهذه التّجربة القاسيّة "حطمّت نفسه، واِقتنع أنّ الموت نهاية الحياة، بل هو مأساتها الكبرى، واِزداد يقينًا حين نقل تجربته الجزئيّة خاصّة إلى واقع الإنسان عامّةً لتكون النّظرة كليّة تتفق حول حقيقة الحياة بعدها طريقًا قصيرًا إلى الفناء." (10)
والملاحظ على التّجارب الرّوائيّة الأخيرة المنتمية إلى التيار الوجودي اتجاهها إلى صياغة تيمة الموت صياغة وجوديّة فلسفيّة عميقة، والسّعي إلى طرح أسئلة حول الوجود والفناء، كون الموت يمثّل هاجسًا أساسًا للإنسان، يجعله دائم التفكير والتأمل في حياته المهدّدة في أيّ وقتٍ بخطر الموت. كما تعرض هذه الرّوايات فكرة فلسفيّة هامّة وهي فكرة ( الخلاص) من الحياة التي تعيق الإنسان من تقرير مصير حياته، كما تعيق حريّته واِنفتاحه وإبداعه.
ومن أبرز الرّوايات الجزائريّة التي تناولت الموت كموضوع فكري وأدبي، كما اِحتفت بتجسيد صور الموت ومشاهده الماديّة والرّمزية نذكر روايات "ذاكرة الجسد" (1993)، "فوضى الحواس" (1996)، و"عابر سرير" (2003) لأحلام مستغانمي، ورواية " اللّاز" (1972) للطّاهر وطّار ، حيث ركزت هذه الرّوايات على صور الموت الرّمزي لرجالات الثّورة وموت للذّاكرة الثّوريّة وتغذّي الثّورة التّحريريّة بنيران الخيانة والعمالة مع السّلطة الفرنسيّة.
ومن الرّوايات الأخرى التي هيمن عليها موضوع الموت نذكر " فتاوي الموت لإبراهيم سعدي، دم الغزال لمرزاق بقطاش، تيميمون لرشيد بوجدرة، سرادق الحلم والفجيعة لعزّ الدّين جلاوجي، متاهات ليل الفتنة لحميدة العيّاشي، الغرباء لخدوسي رابح، المراسيم والجنائز، أرخبيل الذباب، شاهد العتمة لبشير مفتي فاجعة اللّيلة السّابعة بعد الألف، ذاكرة الماء، ضمير الغائب، سيّدة المقام لواسيني الأعرج، الشّمعة والدّهاليز، الوليّ الطّاهر يعود إلى مقامه الزّكي للطّاهر وطّار، البهيّة تتزين لجلادها للحبيب السّائح، أقبيّة المدينة الهاربة لسعدي نورة، أسرار المدينة لفوغالي جمال، أسرار المدينة لمحمّد مفلاح." (11)
والملاحظ على هذه الرّوايات محاولة إدراكها الموت بوصفه تجربة إنسانيّة معاشة، والغوص في كون الظّاهرة الحيّة، لذلك جاءت تلك النّصوص مغتسلة بروائح الموت، لذلك كان لزامًا على الرّوائيين والرّوائيات التّطلّع إلى الموت " بوصفه إدراكًا حقيقيًّا للواقع المعيش، كما يحدّد علاقته بالواقع السيّاسي والاجتماعي، ويصبح اِنتظارًا وخلاصًا، وأخيرًا يتحوّل إلى مصير إنساني يتأملّه الكاتب ويغوص في الموت."(12)
وغيرها من الرّوايات الكثيرة التي عنيت بتيمة الموت، كما رصدت أشكالها واِنعكاساتها المختلفة على المجتمع وطبقة المثقفين، ومن هنا يمكن القول إنّ راهن العنف الجزائري في تحوّلاته المختلفة خاصة في فترة العشريّة السّوداء كان "مصدر الكتابة الرّوائيّة بالإضافة للتّجربة الذّاتيّة للكاتب المبدع وخياله وذوقه الفنّي، وبذلك تتموضع تيمة الموت كحجر الأساس في البناء الرّوائي الجزائري." (13)
ويمكن القول إنَّ تيمةَ الموت كانت مادّة خصبة لكثير من المبدعين، وقد عرف الموت كموضوع فكري وأدبي وفلسفي تحوّلات عديدة مسايرةً للتحوّلات التي عرفتها الجزائر عبر تاريخها، خاصّة فترة التّسعيّنيات التي اِزدهر فيها الموت وامتدّ واٍنفتح على أشكالٍ عديدة، بحيث لم يتناوله الكتّاب كموضوع بل كهمٍّ إنساني وهاجس وطني صيّر الجزائر كوطن لتجارة الأرواح مجانًّا.
الهوامش:
(1)- ينظر: بوشوشة بن جمعة: سردية التجريب وحداثة السّردية في الرّواية العربيّة الجزائرية، ص87.
(2) - عبد النّاصر هلال: تراجيديا الموت في الشّعر العربي المعاصر، ص16.
(3)- سيمة بوصلاح: جدليّة الحبّ والموت في قصّة البوغي، دار بهاء الدّين للنّشر والتّوزيع، الجزائر، ط1، 2009، ص63.
(4)- أم الخير جبّور، الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسة، دراسة سوسيونقدية، دار ميم للنشر، الجزائر، ط1، 2013 ص216.
(5)- بوشوشة بن جمعة: سردية التجريب وحداثة السّردية في الرّواية العربيّة الجزائرية، ص89- 90.
(6)- جعفر يايوش: الأدب الجزائري الجديد، التجربة والمآل، ص216.
(7) - أم الخير جبّور، الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسة، دراسة سوسيونقدية، دار ميم للنشر، الجزائر، ط1، 2013 ص216.
(8)- بوشوشة بن جمعة: سردية التجريب وحداثة السّردية في الرّواية العربيّة الجزائرية، ص89- 90.
(9)- جعفر يايوش: الأدب الجزائري الجديد، التجربة والمآل، ص216.
(10)- رضوان جنيدي: مأساويّة الموت في الشعر المغربي القديم علي الحصري القيرواني ( 420 ه – 848 ه)، مجلّة إشكالات في اللّغة والأدب، دورية محكّمة تصدر عن معهد الآداب واللّغات بالمركز الجامعي لتامنغست تعنى بالدّراسات اللّغويّة والأدبيّة باللّغة العربيّة والفرنسيّة، العدد الأوّل، ديسمبر 2012، ص 134.
(11)- ينظر، جعفر يايوش: الأدب الجزائري الجديد، التجربة والمآل، ص222-223.
(12)- عبد النّاصر هلال: تراجيديا الموت في الشّعر العربي المعاصر، ص26.
(13)- جعفر يايوش: الأدب الجزائري الجديد، التجربة والمآل، ص225.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??