الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قواعد النّقد السياسي-3

محمد ابداح

2018 / 3 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


في الوقت الذي لايزال فيه فقه الإستمناء الديني في المجتمعات الإسلامية ينضح مزيدا من قيح كليشيهات القرون الوسطى، يُفترض بالنصف الأخر من العالم أن لا يسخر من تفاهة المسلمين بل أن يتفهّم بأن الإسلام بلا إرهاب كالرّجل المخصي، عقيم لا يستحق الذكر، وستكون جميع دوله بلا معسكرات اعتقال وتعذيب، وبلا سجناء سياسيّين، وبأجهزة إعلام لمراقبة عمله وليس لتلميع جبهته التي تُماثل قفاه، وإن تزوج من السياسية فستكون العصمة في يد الشعب، وبقاءه في المنصب مرهون بحسن أداءه في خدمة وطنه، لا بخدمة فحولة ملوك وخلفاء على نهج النبوة، ونتحدث هنا عن النماذج الأصلية للخلفاء والحكام والتي تحولت بفضل معظم فقهاء الإسلام إلى أصنام بشرية.
قد تكون جملة فحولة على نهج النبوة غير ملائمة وتوحي بالقذارة، إلا أنه الوصف الأنسب للهياكل التنظيمية الفكرية الإسلامية المتطرفة، وحيث تكون التكوينات الإجتماعية ثورية أكثر من نخوتها، يكون الفشل أكبر من مجرد وصف للواقع، فتتجلى الحياة الإجتماعية في الدول العربية في صورة الأب الحاكم، وتُختزل الحياة السياسية بترنيمة متواصلة ومُفرطة من الحماسة الشعبية والمسيرات الجماهيرية، والإستعراضات العسكرية والإحتفالات الوطنية ليوم تولي الزعيم الحكم، وحفلات التكريم وتقليد الأوسمة، والخطب المملّة ذوات الزوايا المهجورة، وكأنّ الحكومات العربية باتت مهمّتها الأساسية هي تنظيم الحفلات والتي تعكس بشكل مباشر مدى نفوذ الدولة، والتي امتصت الحياة الإجتماعية محوّلة إيّاها لأقنعة مُبتسمة في خضمّ تلك الحفلات.
مفهومٌ بأن كلمة مّلحد لفظٌ يثيرُ حفيظة المؤمن بالله، لكن ذلك المُؤمن ما كان ليغضب إن علم بأن الله والمُؤمن هما وجهان لعملة نقدية واحدة تُدعى الدين، وسواء أكان ذلك المؤمن بالله نبيّاً أو خليفة أو وليا صالحا أوملكا حاكما بأمره أو حتى ديكتاتوريا فلم يطل الأمر حتى تم صك العملات النقدية باسم الله وباسم الحاكم، فترى اسم الإله على وجه العملة وصوره الحاكم واسمه على الجهة الأخرى، ولطالما كانت عملة الدين مربحة جدا لأصحابها، فقد سيقت القوانين الوضعية باسم الدين، وبيعت مفاتيح الجنة وصكوك الغفران، وجمعت الغنائم المادية والبشرية في الحروب المقدسة، ولم يبق نشاط تجاري مُربح إلا وفُعل باسم الدين، فالحج بات موسما للتجارة والقرابين، وما بين العمرة إلى العمرة ربح أو تعويض خسارة، وحتى فقهاء البنوك الإسلامية أفضوا بجواز الإقراض بفائدة، ولهذا الأمر برمته تحليل لن نشرع فيه مشيرين ومنذ البداية إلى حقيقة إن لم يكن ثمة أي منفعة للثورة أو الخروج على سياسة الحاكم فما نفع الإحتفالات الرسمية؟
للإجابة على السؤال السابق لابد لنا من وقفة تاريخية، لكن وقبل أن نُدفع في أتون تاريخ الأديان المقارن يكفي أن نعلم بأن سلف المجتمعات والدول الفاشلة ذات أنظمة الحكم المطلق هي تلك التي لا تجد حلا لمشاكلها سوى بإقصاء نفسها عن حلها وتوريثها للخلف، والإستعاضة عنها بالإحتفالات الرسمية، وإنشاء المزيد من فروع ومكاتب ديوان المظالم مع كل حكومة تتشكل، لا حماية وإنما مصادرة لكل مظاهر المجتمع المدني، صحيا وتعليميا ومهنيا واقتصاديا وثقافيا وصحافة ورأيا وإعلام، ولا يستطيع أن يخفي الحاكم العربي مهما بلغت علمانيته؛ ترّهات التديّن والإيمان بأمجاد وأحلام الخلافة الأموية والعباسية، حيث لازالت هي العصى السحرية التي تجمع الرأي العام العربي حوله، رحل البابليّون والرومان والإغريق والفراعنة ولن يعودوا أبدا، وأتت الولايات المتحدة وروسيا وستأتي الصين، ولازالت الشعوب العربية تحلم بعودة صلاح الدين، ورجوع مجد الخلافة الإسلامية حتى وإن كانت على يد مرتزقة كمجرمي داعش وغيرهم، وكأن الأمر بحاجة لمجرد كلمة (خلافة) ليكون السمع والطاعة في كل مكان في الدول العربية ولم يكن ليُفترض السماح بغياب تلك الكلمة من قاموس الحلم العربي.
خلال نحو ألف وأربعمائة سنة صهرت المدنيّة فقهاء المساجد طوعا وكرها، كما فعلت سابقا برهبان الكنسية سواء كان ذلك في ظلّ الحكومات الملكية أو الجمهورية، دون اللجوء إلى لفظ ديانة تجنبا لعقوبة التجديف والهرطقة في أوروبا يقابلها عقوبة الردة والكفر في الإسلام، والتي لطالما حملت بين طيّاتها الموت، والذي قد يخفى عن العديد منا بأن لفظة ديانة (religion) لم تكن تعرف في العهود القديمة كالبابلية والرومانية والفارسية والفرعونية إلا من باب الطقوس الإحتفالية، وبأن التعريف اللاتيني للدين يعني حرفيا (طقوس الإحتفال بالإله) وما يتبعه من تقديم القرابين البشرية والنذر، وممّا يثير الإشمئزاز وفق الرواية الإسلامية أن الله كان يقبل القرابين البشرية الطازجة ضمن الطقوس الإحتفالية به، وسكت عن منع تداول هذه العادة السيّئة طوال ألاف السنين حتى زمن ابراهيم فأمر استبدال أو ( افتداء) البشر بالبهائم، وأما المفارقة التاريخية المقلقة والتي تثير السخرية حقا بأن الرجال القائمين على تنظيم تلك الطقوس الوثنية الدموية من مشعوذين وسحرة كانو يُلقبون بالحكماء، وتم استبدالهم اليوم بالفقهاء الذين أنتجوا تنظيمات كداعش والقاعدة والنصرة وبوكو حرام وغيرها، وعليه فإن كافة الإحتفالات الوطنية والرسمية والتي يتم فيها تمجيد الحاكم العربي وبيان مدى فضله وطمعا لنيل رضاه (الجنة) وتجنّب غضبه وعذابه (النار)، وإبعاد شر العدو ( الشيطان) هي ذات الطقوس الوثنية للإحتفال بالألهة، وأما القرابين البشرية فهي مجموع المعتقلين والمعارضين السياسيّين الذين يتم اعدامهم بدم بارد بحجة الكفر والردة والخيانة والمعصية والخروج عن طاعة أولي الأمر.
إذن وكما ذكرنا سابقا ليس علينا الضحك أو البكاء أو الإستهزاء من واقعنا العربي، بل أن نتفهّم ضرورة التخلص من عبء كليشيهات المّكابرة والمُفاخرة والكذب على أبناءنا حول تاريخ غير مشرّف إطلاقا، فما فعله النبي محمد هو محاولة ذكية لكبح لجام ترسانة الطقوس الإحتفالية الوثنية وتقنينيها في جملة الفرائض والعبادات وتأسيس ذراعا عسكريا للبوذية، فالفكر الإسلامي قائم على تنزيه النفس عن الملذات والشهوات المادية والتأمل في ملكوت الله وعظمة خلقه والبحث عن الحقيقة ( الحقيقة ضالة المؤمن) وتلك عقيدة البوذية، ومن ناحية أخرى إعداد أسباب القوة لإرهاب أعداء الله، وهو الوجه الآخر للبوذية.
إن الأمر قد تعدى ترّهات المفاهيم الطوطمية الدينية كالخروج عن أمر الحاكم، وطاعة أولي الأمر، بل وتخطت أيضا معضلة أنظمة الحكم المُطلق رغم خطورتها الكامنة في لعبها ذات أدوار التطرّف الديني، فكل معارض وفق أنظمة الحكم المُطلق هو ضال مُضلٌ وفاسدٌ مُفسد وكافر وخارج عن الطريق السوّي، وهو ذات الحكم الشرعي بحق أي معارض لسياسة الحاكم في الفقه الإسلامي و كما تعدّت فرضيات الوجود السياسي العربي على الساحة الدولية، والتي باتت مرهونة بحجم المليارات التي يدفعها حكام العرب بكل خزي وعار للولايات المتحدة وروسيا من ثروات الشعوب العربية نظير بقائهم في الحكم، وآخرهم ولي العهد السعودي.
إن الفقه الإسلامي لم يفشل فقط بتقديم تحليل منطقي لفرضيات الوجود البشري بل عزز أنظمة الحُكم المطلق وتأليه الحاكم، وكرّس طقوس احتفالات الآلهة والحاكم منذ إحتفالية (طلع البدر علينا..)، ومرورا بالإحتفالات والطقوس الوثنية الصوفية والشيعية، واحتفالات الإزيدية الوثنية بالطاووس، وأنتج فكرا متطرفا كالقاعدة والنصرة وداعش وغيرها، لذا يجب عمل دراسات جدية تعتبر حجر الزاوية لأسس الفشل الإجتماعي والفكري والسياسي العربي، وقد يكون هذا هو المضمون الوحيد الممكن عزوه لمحاولات بعض المثقفين العرب البحث في الخطر الذي بات يهدد الوجود العربي حقيقة والهوية العربية سياسيا وثقافيا وفكريا واجتماعيا.
يُتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بلا مساعدات خارجية ودون وقود.. هل مازالت المعابر مغلقة؟


.. تصعيد جديد بين حزب الله وإسرائيل وغالانت يحذر من -صيف ساخن-




.. المرصد السوري: غارات إسرائيلية استهدفت مقرا لحركة النجباء ال


.. تواصل مفاوضات التوصل لاتفاق هدنة في قطاع غزة في العاصمة المص




.. لماذا علقت أمريكا إرسال شحنة قنابل إلى إسرائيل؟