الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعاً ستيفن هوكنك .. لقد أنجزت وأنت المعاق ,ما عجز عنه كثير من كبار العلماء الأصحاء.

صباح راهي العبود

2018 / 3 / 26
سيرة ذاتية


قبل أيام وتحديداً في 14/3/2018 رحل عنا عالم كبير يُعد من أبرز رموز علماء الرياضيات والفيزياء النظرية وعلم الفلك ,وصاحب أعظم عقل إنساني معاصر.
ولد ستيفن هوكنك في الثامن عشر من يناير 1942 بمدينة أكسفورد من عائلة متميزة في ذكائها . درس بداية في جامعة أكسفورد التي منحته درجة الشرف في الفيزياء النظرية , بعدها حصل على الدكتوراه في علوم الكون والفضاء باطروحته (الوصف الهندسي للزمان والمكان في الثقوب السوداء الضخمة) . وضع خلال حياته الحافلة بالإبداع نظرياته حول العلوم الكونية وعلاقتها بالثقوب السوداء وقوانين الثرموداينمكس. وإلى جانب ذلك كانت له أبحاث عديدة في هذا المضمار وفي مجال التسلسل الزمني والانفجار العظيم وتقوس الزمنكان,وأبحاث كونية أخرى قضى جل حياته في إنجازها . وكان منسجماً في الرأي مع روجر حول نظرية أنشتاين بموضوعة الزمنكان بدءاً من الانفجار العظيم وإنتهاءاً بالثقوب السوداء. وضمن النتائج التي خرج بها بهذا الصدد هو ضرورة الربط مابين النظرية النسبية العامة ونظرية الكم لماكس بلانك وبور وهايزنبرك وشرونكر,وهي أول محاولة لربط فيزياء الأجسام العملاقة كالشموس والمجرات بفيزياء الكم المطبقة على الجسيمات المتناهية في الصغر كالذرة ومكوناتها الداخلية.ولقد سبق وأن فشل أنشتاين في تحقيق هذا الانجاز على مدى (30) عاماً.
لقد استطاع هوكنك تطوير نظرية الكون اللامحدود والتي غيرت المفاهيم القديمة حول لحظة الانفجار العظيم من نشأة الكون . فهو يقول أن الكون يحتوي على مليار مجرة ,وكل منها تحتوي عدد هائل من النجوم. ويعتقد بأن الأرض هي ليست المكان الوحيد الذي توجد فيه حياة. وإن من المحتمل وجود مخلوقات أخرى في الفضاء الواسع دون تحديد نوع هذه المخلوقات . وقد حذر العلماء من محاولة الاتصال بالمخلوقات الفضائية المفترضة حتى لا يتسببوا بكارثة للجنس البشري مما أثار غرابة من زامنه من العلماء. وتنبأ أيضاً بأن سكان الأرض سوف يضطرون للهجرة إلى القمر خلال الخمسين سنة القادمة نظراً للتزايد المطرد في عدد سكان الأرض, ليشكلوا بعد ذلك مستعمرات هناك استعداداً للانطلاق نحو المريخ.
للعالم هوكنك مؤلفات عدة وبحوث كثيرة, لعل من أشهرها هو كتاب ( موجز تاريخ الزمن من الانفجار العظيم إلى الثقوب السوداء) الذي صدر عام 1988. وكذلك كتابه ( الثقوب السوداء والأكوان الناشئة) إذ ورد فيه أن الثقوب السوداء هي نجوم عملاقة إنهارت على نفسها نحو الداخل بتأثير الجذب العالي بعد أن فقدت وقودها (الهيدروجين), فأصبح حجمها ضئيلاً جداً وهذا يعني زيادة كثافتها زيادة مهولة مما ينتج عنه جذب لأي كائن يقترب منها سواء أكان جسماً أو إشعاعاً ومهما بلغت سرعته, إذ يبتلعه هذا الثقب الأسود وبذلك تزداد كتلته باضطراد , واستنتج بالاستناد إلى نظرية الكم وقوانين الثرموداينمكس ( الديناميكية الحرارية) أنه يمكن للثقب الأسود أن تبعث فوتونات إلى الخارج ,وهذا مخالف لما كان مطروحا سابقاً في موضوعة الثقوب السوداء. وقد أطلق على هذا الشعاع اسم ( شعاع هوكنك) ,وهذا الاشعاع يؤدي إلى فقدان بطاقة الثقب الأسود . وذكر هوكنك أن هذا الفقدان التدريجي المستمرفي طاقته سيؤدي في نهاية المطاف إلى تلاشيه ثم اختفائه من الوجود بعد أن كانت له نقطة بداية في الزمن.
لقد حاول هوكنك كتابة مؤلفاته ونشرها على أوسع شرائح المجتمع ما أمكنه ذلك , فسعى لتحقيق هذا الغرض من خلال تبسيط طروحاته الفيزيائية وجعلها مفهومة من لدن جمهور عريض منهم ,إذ حاول شرح المواضيع تلك بعيداً عن المعادلات المعقدة , كما حاول أيضاً الإجابة عن أسئلة الناس فيما يخص علوم الفيزياء الحديثة مثل :- كيف بدأ الكون ؟ كيف سينتهي؟ ما تفسير الأحداث الكونية ؟ وغير ذلك. وهذا هو السر في نفاد كتبه من المكتبات, ومما شجع الآخرين على ترجمتها إلى كثير من لغات العالم. ولعل أشهر كتبه هي:- موجز تاريخ الزمن من الانفجار العظيم إلى الثقوب السوداء ,الثقوب السوداء والكون الوليد , الكون في قشرة جوز, الوقوف على أكتاف العمالقة, ألله خلق الأرقام, التصميم العظيم, تاريخي الموجز, فيزياء العقل البشري, العالم من منظورين.
يعتقد هوكنك أن وجود الإله غير ضروري لتفسير نشوء الكون. وأن الانفجار العظيم حدث نتيجة لقوانين فيزيائية , أي أن نشأة الكون ما هي إلا نتيجة للعلم فقط وليس لمشيئة أحد. وأن تلك الأحداث لا تحتاج إلى إله لحصولها, وأن استعمال الفلسفة فيما سبق كانت الوسيلة الأفضل للحصول على المعرفة وفهم محدود لما يحيطنا . لكنها أصبحت الآن ميتة بعد أن قام العلم بإنهاء الحاجة لها. فلم تعد هناك حاجة ,ولا ضرورة لوجود إله,إذ من الممكن تفسير كل الأحداث من خلال العلم ,ولا بد من وجود مسبب لكل حادث أو فعل فيزيائي . فنحن مثلاً يمكننا التنبؤ بأحداث فلكية مهمة وبدقة زمانية ومكانية غير مسبوقة, كما في الخسوف والكسوف ,وتحديد منازل الكواكب ,والظهور الدوري للمذنبات وغيرها من الظواهر. في حين أن وجود الخالق لا يستوجب قوانين , بل يمكن أن يتصرف بالكون بمشيئات ومعجزات.
يقول هوكنك :- وكما فسر دارون في كتابه (أصل الأنواع) من أن التصاميم المعقدة المظهر في الكائنات الحية من الممكن حدوثها من دون تدخل قوة عظمى,فإن مبدأ الأكوان المتعددة التي أورده هوكنك في كتابه (التصميم العظيم) والذي يفترض فيه وجود عدد كبير من الأكوان العشوائية والتي تولد بالصدفة .وأن كوننا تميز بالدقة المتناهية من بين تلكم الأكوان, من الممكن أن يفسر دقة القوانين الفيزيائية دون الحاجة لوجود خالق يسخر الكون,إذ أن الكون يمكن أن يُخلق من العدم, فالخلق الذاتي يفسر لنا وجود الكون. وإننا جميعاً نمتلك حرية الاعتقاد بما نرغب. فلا أحد خلق الكون ,ولا يوجد من يوجه مصيرنا. كما أنه لا توجد جنة ولا آخرة. وما هذا سوى خرافة يصنعها من يخشون الظلام.(ورد هذا في مقابلة مع صحيفة الغارديان اللندنية). كما تكلم بنفس الموضوع في إطلالة له من على شاشة قناة دسكفري عام 2011. وبهذه الآراء والتصريحات فقد طرد هوكنك الإله من خلال الفيزياء بمثل ما طرد دارون الإله من البايولوجيا.
آراء هوكينك هذه وغيرها سببت له إنتقادات ومشاكل كثيرة وبالأخص من لدن بعض العلماء اللذين يفكرون بطريقة مختلفة .

لنستعرض باختصار معاناة هوكنك مع المرض.ففي عام 1963 ظهرت عليه أعراض الإصابة بالشلل (التصلب العضلي الجانبي) والتي أخذت تتصاعد تدريجياً على مدى عقود من الزمان عاشها في معاناة وأوجاع. وقد تنبأ الأطباء بأنه سوف لا يعيش لأكثر من ثلاث سنوات قادمة. ومع ذلك فقد عاش بقية حياته صبوراً صلباً متحدياً الموت عن طريق مقاومته للمرض .ولعل إنجازاته العظيمة في مجال العلم أعطته دفعة للبقاء وطاقة إيجابية للتغلب على تدهوره الصحي. وبعد أن استفحل عليه المرض وانهارت صحته البدنية إضطر إلى استعمال العكاز في تحركاته,ثم أصبح عاجزاً عن الكتابة , فقام العبقري (والت ولتوز) خبير الكومبيوتر بوضع برنامجاً ذكياً يتيح لهوكنك اختيار الكلمات وتدوينها على وفق برنامج يعتمد حركة العين والرأس والخد . وبمجرد حركة هذه الأجزاء يمكن التحكم بجهاز يوضع على تلكم المناطق , وعندما ينتهي من جملة يرسلها إلى الحاسوب الذي سيحولها إلى كلمات مكتوبة. وقد بلغ عدد الكلمات التي يصنعها بهذه الحركات ( 15 كلمة في الدقيقة ) , لكن العدد تضاءل بمرور الزمن. ولقد تم تثبيت الجهاز على كرسيه المتحرك الذي يعينه على إرسال ما يرغب به بحرية أكبر.ومع تدهور حالته الصحية أكثر كان لا بد من إجراء تطوير على تقنيات الإنتاج الالكتروني للكلام الذي قدم له خدمة كبيرة خاصة بعد عام 1985 عندما فقد القدرة على الكلام على إثر إصابته بالالتهاب الرئوي في أعقاب زياراته لمسرع الجزيئات بمركز سيرن للأبحاث في جنيف. وقد نجح الأطباء البريطانيون في احتواء الإصابة ومساعدته على التنفس وذلك بإحداث فتحة في عنقه أوصلوها بأنبوب أفقدته القدرة على الكلام.
وعلى الرغم مما كان يعانيه هوكنك من مرض إلا أنه كانت له حظوظاً في حياته . فهو من أبوين تميزا بذكاء حاد , وزوجة رائعة لازمته في كل مصائبه الصحية. وقد استطاع تحقيق كل ما كان يطمح له كعالم فذ ,وكاتب في مجال العلوم الشعبية واستطاعة ومقدرة في تقديم العلوم الفلكية الصعبة بطريقة سهلت على الناس فهمها . لقد عاش إنساناً رائعاً إذ مارس خلال حياته نشاطات إجتماعية متنوعة تجلىت بمشاركته بالاحتجاجات ضد الحرب في فيتنام عام 1968 ,وفي إعلانه رفض عملية غزو العراق عام 2003 إذ عدها جريمة حرب. أما في عام 2013 فقد قاطع مؤتمراً دعته إليه إسرائيل رافضاً السياسات التي تنتهجها ضد الشعب الفلسطيني. كما شارك في حملة تدعو لنزع الأسلحة النووية.
لقد عاش ستيفن هوكنك صبوراً متحدياً المرض القاتل,ومات عظيماً حزن لفقدانه كل من عرفه من شعوب العالم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص