الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عفيفٌ يغلي غيظاً .

يوسف حمك

2018 / 3 / 26
الادب والفن


كان الوقت ظهراً ، بعد أن أثقل التعب كاهلي ، و أنا أقوم بجولةٍ في أحد أسواق المدينة تلك .
آثرت الجلوس على مقعدٍ مخصصٍ للاستراحة ، فاسترد قسطاً وفيراً منها .

لم يمض إلا بضع دقائق حتى علا صوتٌ ساخطٌ فيه نبرات الصدق ، و الثقة بالذات .
تجمهر الحاضرون حول الصارخ إلى أن بدا و كأنه مهرجانٌ ، أو احتفالٌ مهيبٌ تعطشوا لإحيائه .

لم أنهض من مقعدي ، فصوته كان يخترق أسماعي بيسرٍ ، ويعشعش في أذني بوضوحٍ .
يبدو أن أحد أدوات الفساد و التجبر و الخداع استفزه إلى حد الغليان ، فتلظى و امتلأ غيظاً ، فانفجر في وجهه يقول :

عالمي نقيضٌ لعالمك تماماً .
أنتمي إلى عالم المهمشين الذين يحلمون بزمن النور ، يتطلعون لإرساء مبادئ النبل و الفضائل .
نذرنا أنفسنا للقيم السامية ، و اقتحمنا دروب الحياة الوعرة ، لتبلغ القامات السمو ، و لترتقي كرامة الجموع الغفيرة .
احترفنا الحياة كداً نزيهاً ، و عطاءً نبيلاً ،
أوقدنا شموع البهجة بالأفكار التي تفتح باب الآمل ،
نحن مثلٌ يحتذى بنا في الخلق القويم ، و لا وجود لنا في مواطن الشبهات و الرذائل .
فوق الشبهات نحن ، صادقون في أحاديثنا ، و العفاف سمةٌ أساسيةٌ لأخلاقنا .
حراسٌ أمناءٌ لمنع هدر كرامتنا ، كما حرصنا للمحافظة على كرامة غيرنا .

لا نعد لأحدٍ وعداً إن لم نستطع الوفاء به ، و إن أحرزنا مركزاً لم نستغل سلطتنا سطوةً ، و لا الدعس على رقاب الآخرين .
الممتلكات العامة أمانةٌ في أعناقنا ، لا نهدرها ، و حرامٌ علينا اختلاسها .
العمل المشروع هو وسيلة عيشنا ، كما المسند الحصين لقاماتنا الإنسانية .
نموت حسرةً لما حل بالوطن ، فنخشى كثيراً من عواقب ما تخبئه الأيام القادة ...

أما عالمك أيها البائس الذليل ، فعالمُ دنسِ أشباه الرجال الذين جعلتهم كوارثُ الوطن و مصائبه حكاماً مستبدين بفضل الصدفة ..
أدوات النصب و التجبر و الفساد أنتم ،
أعداء الوطن و المواطنين الذين دنستم كرامتهم الإنسانية بالرذيلة و الوضاعة ،
و مرغتم جمال الحياة بالخديعة و الفحش و النجاسة ...
رموز الرثاثة من كل القيم و دماثة الخلق ، مروجو الفتن أنتم ، و صانعو ثقافة الكراهية و انحطاط القيم ، و كبار مبدعي التزوير و التضليل ...
و عصاباتٌ منفلتةٌ من عقالها للاستعلاء على الغير ، و الاستيلاء على ذائقتهم ، و التغول عليهم ....
خامدو الضمير أنتم ، ضئيلو الذوق ، مستفزو السلوك ...
مبتزون في التعامل و الطعن من الخلف ، متواطئون مع رجال الأمن ، و مستغلو المناصب في مضايقة العباد و تهديدهم بما يخدم أغراضكم الشخصية الدنيئة بدلاً من فك أزماتهم ....
عالمكم مشينٌ مخجلٌ عابثٌ ماجنٌ ....
و الأنكى أنه لا محاسبة للمتورط منكم كي يصبح عبرةً لغيره في الاختلاس و الفوضى ، و قدوةً للخداع و المحسوبية و الختل ....

موقفه الرافض للقهر و التبعية و التقليد و الكراهية و الفساد انتشلني من التعب و عناء التجوال .
فنهضت من مقعدي خفيف الحركة ، رشيق البدن ، صافي الذهن ....
و انصرفت لاتمام ما كان يجب علي إنجازه .
و هو مازال هائجاً حانقاً يسخط في وجه المرتزق ، و كل من على شاكلته من السفلة الذين جيء بهم القدر الغبي ، ليكتموا أنفاسنا ، و يسدوا علينا فضاءات الحرية ، و أبواب المستقبل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس


.. أحمد فهمي عن عصابة الماكس : بحب نوعية الأفلام دي وزمايلي جام




.. عشر سنوات على مهرجان سينما فلسطين في باريس