الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جولة في الرحلة الأبهى لمحمود شقير

نزهة الرملاوي

2018 / 3 / 29
الادب والفن


جولة في الرحلة الأبهى لمحمود شقير
نزهة الرملاوي
قرأت كتابه ذات مساء، ومضيت متنقلة في مسارات هذه الرحلة بشغف، فكل طريق تحرر قيود فكري، وتثير عاطفتي، وتطرح الأسئلة حول سنديانة فلسطين، فكانت رحلتها الجبلية ورحلتها الصعبة، وكيف وجد الكاتب من انطوائها على نفسها وحزنها إشراقا ومنهج إصرار على تقدمها وايجادا لذاتها وصقلا لمواهبها، وإبداعا في شعرها، فكانت الرحلة الأبهى.
رأيتها تقف على الجسر تستجدي العبور، فعبرت قلوب الملايين من عشاق شعرها البهي. وجدت نفسي أفرح لسعادتها وهي تقتنص فرص التعلم من هنا وهناك، وتغزل من جراحها فستانا للاجئة في العيد، وتقف على أبواب يافا بين حطام الدور لتعلن البقاء رغم التهجير، وجدت نفسي مع فدوى أعتلي أراجيح العيد، وأجلس في صندوق كبير، يعترينا الخجل والغياب والفقد والتذمر والانقياد، ثم نعلو للسماء فيأخذنا الفرح لأشياء أخرى حتى تنصفنا الحياة..
استوقفني الكاتب بين السطور وسألني: ما الذي قرأته في الرحلة الأبهى؟
قرأت الأحزان والتهجير والتهويد بمعالم مدينتنا، واسوداد التاريخ وظلم الساسة، وتبجح القيادات، قرأت الثورة وأطفال الحجارة والتحديات، قرأت الارستقراطية، والاشتراكية، والمحافظين والعلمانيين والصوفية وأولياء الله الصالحين، قرأت في تقاسيم وجهها الألم، ورأيت في مفرق شعرها طريقا طويلا من التحديات، وفي خطاها ثباتا واعتزازا، في قلمها وحدة وحزنا وأمنيات حياة، وجدت في لمعان عينيها القدس التي عشقت، كيف لا وقد تهادت قدماها على الأرصفة بدلال.. وطبعت شفتاها على كأس قهوة مقدسي ارتشفت منه القليل وغادرت باب الواد.
هي الحب في زمن الجفاء، الثائرة على التبعية والانهزامية، وهي الشفافة الرقيقة، مكسورة الجناح من رحيل الأحبة، وقد كانوا لها الحضن الدافئ.. والقلب الوفي، كانوا الأمان والراحة، للغزالة الشاردة من ظلم المجتمع المتنامي في بيتها القديم.
هناك في حارة الياسمين، حيث اجتمع التناقض في القديم الموروث والحداثة الداخلة على مجتمع ذكوري متعصب.
ها أنا أقرأ تأجج الأشواق بداخلها.. لصبي راسل قلبها بلا استئذان، وراح يستظل تحت أفياء عينيها، ينتظرها على عتبات النهار في الذهاب والإياب.
نظر إليّ الكاتب وأنا أبكي وسألني: وما الذي يبكيك؟
-آه يا محمود.. أبكتني الكلمات في قصائد الفقد والغياب فاحترقت ألما كما احترق قلبها الصغير على أخويها ابراهيم العزيز ونمر الغالي، أبكاني انكسار قلبها ودمع عينيها الذي ما جف للحظات، وجرحها النازف بلا توقف، حين جاءها خبر وفاة الغالي دون أن يودعها أميرها الجميل، ولم تطبع على جبينه وخديه قبل الوداع الأخير، ولم تحمل نظرة في طريق الفراق الموحش الطويل.
وتسألني لِمَ البكاء وقد أثارت في داخلي مرارة فقد أخي الغالي، وفقد الوطن الغالي. كيف لا وقد كنا أحباءها.. مصابيح الدجى ولا زلنا.. أخوانا في الجرح، وسر الخميرة في بذار القمح كنا ولا زلنا.
أحرقتني نظرات حبها الخائف من وهج النهار وانبعاث الشمس بعد طول غياب، أبكاني ابتعادها عن مقاعد الدراسة وقد كانت لها أملا وهروبا من التسلط وسواد الموروث من العادات والتقاليد.
استوقف الكاتب كلماتي وسألني: ماذا ترين في كاتب الرحلة؟
لقد جئتنا بشاعرة أنيقة، ورسمت ملامحها ومجتمعها بكل شفافية ووضوح، رسمتها بلون الحب والأمل والشموخ كما يجب هي أن تكون، تألقت في رحلتها الأبهى، فرأيتها تمشي في الأسواق، وتنتقل بين المدن والعواصم بعد أن غير التاريخ وجه بلادنا، وتلتقي الأحبة والأدباء والشعراء، تعزف لهم لحن الاحترام، فيتغنون بشخصها وتقديرها، وذوقها وإبداعها في نظم الأشعار وسلاسة في النصوص.
في الرحلة الأبهى، رقي في الطرح وإثارة وتشويق في السرد، ذكاء في المعالجة وسلاسة وترتيب في الأفكار، تتابع مدروس وموزون في السيرة الذاتية والأحداث التاريخية في حياة الشاعرة، مع دمج محكم ما بين تحركات الشاعرة في الأماكن ومدينة القدس خاصة، ليعرفنا على بعض معالمها، فقد استطاع الكاتب تقريب المسافات في الرحلة، واستقطب في مراحل عمرها لكثير من المنعطفات التاريخية والسياسية الهامة، التي لا مناص من ذكرها وتوثيقها في السيرة، وإضاءات اجتماعية وأدبية عولجت ودمجت بفطنة وذكاء في أسلوب كاتب يشهد له في الإبداع.
تبسم الكاتب شاكرا وقال: هل من شيء تقولينه لها قبل أن نعود أدراجنا؟
- يا أميرتي المتربعة في عرش القلوب.. استيقظي وكلميني، حدثيني.. كيف مرت بك الأيام بلا أمل.. ممنوعة من الأحلام؟
- يا صغيرتي النائمة في حضن الوحدة والاكتئاب، كيف سلبوا منك العلم والحب المدفون وأنت لا زلت برعما يكاد ينجو من تسابق الرياح.
- يا أيقونة المجد على جبين جرزيم العالي، وابتسامة الشمس على أسوار القدس الحزينة.. آن لك أن تتنفسي الحياة .. فقد كنت قدوة المقاومين.. المثقفين المتألقين.. المبدعين المحلقين في سماء الحرية..
آه يا محمود.. لو يعود الزمن ونلتقي فدوى.. هل ستكسر كل حواجز الصمت وتمضي بلا انكسار؟
هل ستعبر مع آلاف المحبين.. وستطعم كل فقراء الدنيا من شعرها الشهي؟
هل سترسل ريحانة للصبي المنتظر في مدخل الحارة وتبوح بكل ألم أوجع دواخلها دون كتم ودون خجل؟
هل ستعيد اللاجئين وتحرر الأسرى وتلغي تاريخ العبودية من سجلات الكرامة؟
هل ستلقي تحية الوداع للفجر الذي رحل بغتة عن سمائها وتبتسم؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري