الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قواعد النّقد السياسي-4
محمد ابداح
2018 / 3 / 31مواضيع وابحاث سياسية
لقد تنبّه الإستعمار الغربي إلى حقيقة أصابت الوطن العربي في مقتل، ألا وهي تعطش العرب لعودة الخلافة الإسلامية، فقامت بريطانيا في أوائل القرن العشرين وفور سقوط الخلافة العثمانية بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وقدمت لها كافة التسهيلات المادية واللوجستية في سبيل نشر فكرها المتطرّف في كافة الدول العربية والإسلامية، ولمن لم يتنبه لحقيقة أهداف جماعة الإخوان المسلمين فيكفى قراءة بعض ملاحظات مؤسسها حسن البنا مثل (فدعوتكم – الاخوان المسلمون – أحق ان يأتيها الناس ولا تأتي أحداً، اذ هي جماع كل خير، وغيرها لايسلم من النقص)، وكذلك د.صلاح الصاوي وهو يتحدث عن الانتماء لجماعة الإخوان (ومن تخلف عن الانضمام لمثل هذه الجماعة فانه يأثم كإثمه عن ترك أي فرض أو تكليف شرعي!)، وعليه فمن الواضح قيام جماعة الإخوان بدغدغة عواطف العرب بعودة الخلافة الإسلامية رغم أن هدف الجماعة الحقيقي هو أبعد ما يكون عن تحقيق الوحدة العربية، بل على العكس تماما، فهدفها هو تدمير الوحدة العربية وخلق الفتن والتوتر في المجتمع المدني، فحسن البنا يملك الحكم المسبق على أي أداء حكومي حيث يقول: (وكلمة لابد ان نقولها وهي ان الاخوان المسلمين لم يروا في حكومة من الحكومات من ينهض بهذا العبء، وكلمة ثانية أنه ليس أعم في الخطأ ظن بعض الناس ان الاخوان المسلمين كانوا في أي عهد من عهود دعوتهم مطية لحكومة من الحكومات أو منفذين لغاية غير غايتهم، أو عاملين على منهاج غير منهاجهم)، وهذا قول خاطىء جملة وتفصيلا فالاخوان المسلمون من الناحية الشرعية ليسوا أصحاب ولاية، ولا يجوز لهم طلب بيعة ولا عهد، بل هم مجرد حزب دعوي باطني يُظهر عكس ما يُخفي، جماهة منغلقة على نفسها، تمارس سياسة الإغتيالات واذكاء التطرف والتكفير ولطالما تربصوا بالحكم وانفردو به مستغلين عواطف الشعب العربي وعقيدته، فتم خلعهم ممّن هو ليس بأفضل منهم.
إن الدين كسلك الكهرباء إن تعرى يُصبح خطرا قاتلا لكل من يغامر بلمسه، لذى فهو دائما محاط بغلاف عازل بين الحقيقة والوهم، وفي نظر المؤمن كل من يفصل ابريز الدين (المعرفة) فهو همجي مستبدٌ وضال، لكن الحقيقة إن أصول الدين تعرت حتى جذورها، ولو فصلنا كل قواطع وأباريز الدين نسنبقى في مساكننا آمنين ننعم بالكهرباء صامدين سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. تحدّث الدين عن الحقيقة فشوهها بالخرافات والأوهام، وتحدث عن السياسة فاحتكرها بيد الخليفة، وتحدث عن الإقتصاد فافسد البلاد والعباد، وتحدث عن حقوق الإنسان فكرّس فكرة العبودية والسبايا وتجارة الرقيق والجواري، وجعل المرأة أرخص من أي سلعة في السوق قد يشتريها الرجل، وتحدث عن العلم فبتنا في أقصى حافة الكون من شدة التخلف، وأما عمّا أتحفتنا به وزارات التعليم والمناهج الدراسية زورا وكذبا حول فطاحلة وعلماء العصر الذهبي الإسلامي كالرّازي وابن رشد وابن سينا والخوارزمي وابن خلدون فجلّهم ماتو في السجون او تحت التعذيب نتيجة فتاوي ابن تيمية والغزالي وأمثالهم، لان تلك النخبة من العلماء طعنوا بمعجزات النبوة، وتم حرق معظم كتبهم التي تدور حول تفسير الدين بشكل عقلاني، ولمحاولتهم الجادة بتحرير العقل من مهاترات الدين وخرافات النبوة.
يقول جان جاك روسو مؤسس علوم الإنسان، إذا أردت دراسة الناس فأمعن النظر فيهم عن قرب، وإذا أردت دراسة الإنسان فسرّح نظرك بعيدا لتعرف الفرق، فكان أن سرّحت نظري بعيدا لفهم معضلة الفشل العربي الحضاري بشكل أدق وأعمق، فأتاحت لي تلك الرحلة ملاحظة الفروق وفق نظرية الثابت والمتغيّر، فالثابت في الإنسان الفطرة ( أي الإيمان بالله وفق فقهاء الدين) والمتغيّر هويته (الدين شاملا للعبادات والمعاملات)، والإنسان مابين الفطرة والهوية؛ امتهن الهيمنة، فمهنة المرء هويّته والهيمنة فطرته، وبما أن العقيدة هويّة الإنسان فهو - أي الدين- متغيّر وليس ثابت، وأما الإيمان فقد جعله فقهاء الدين زورا وكذبا فطرة، ولو كان الإيمان بالله فطرة لما كان ثمة حاجة للأنبياء والرُسل إلا إن كانت الديانات الرئيسية الثلاث والمعروفة لدينا ليست سماوية أصلا، فضلا عن أنها ليست بدين واحد كما جاء في القرآن الكريم ( إن الدين عند الله الإسلام)، وعليه فسواء شئنا أم أبينا فالدين ليس ثابتا بل متغير، وهو مهنة وأداة للهيمنة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
كثيرا ما يحل المرء العديد من المشاكل من خلال رفض مواجهتها بنفسه آملا اختفاءها بمرور الوقت، وقد تختفي المشكلة فعلا لكن من مخيّلته فقط وليس في واقعه الذي اعتاد تراكم الشكاوي المبيّتة، والتي لا تؤدي الغرض، فلِمَ قد تؤدي الشكوي المبيّتة الغرض من حل مشكلة ما؛ لطالما تمنى المرء حلها نظريا فقط رغم حمىّ أعراضها؟ والأدهى أن يسأل المرء نفسه إن كان قد أحرز تقدما أثناء تقهقره المريع هذا. ذلك هو واقع الوطن العربي، ولسبب وجيه أقول بأن أكثر ما يهزني لدرجة الرغبة في الضحك باستهزاء هي مناوشات النقاد السياسيين والمثقفين العرب على جاني نهر الحقيقة وإسالتهم للكثير من الحبر ببلاغتهم المتصنّعة وفي الإحتفالية الإلهية ذاتها؛ حول كلمة مكونة من ثلاثة مقاطع (عبادة)، ورغم رغبتي باستبعادها في إيماءة من الغيظ إلا أنه أتيح لها أن تسترعي انتباهي لشدة خطورتها، وتعلقها في الدفاع عن تراب الوطن، أفلهذه الدرجة قد تعرّت الحقيقة لتصرف أنظار الهواة والمحترفين؟ ففي الوقت الذي يقوم به عملاء الموساد بزراعة شبكات الألياف الضوئية في شوارع وطرقات العراق والأردن للتجسس على كل شاردة وواردة من مصر حتى تركيا يقوم قرويٌ عراقي بقطع مسافة الف وثلاثمائة ميل - جزء منها مشيا على الاقدام- فقط لزيارة قبر الصحابي جعفر الطيار في شمال جنوب الأردن، فهذا الصحابي الشهيد وفق الأنثربولوجيا الدينية يطير بجناحية في الجنة وعلى الأرض تطير رؤوس وأشلاء المواطن العربي. تلك حبة رمل من ذاتنا الإدراكية وهي كانت والحق يقال من عجائب الهذيان الديني في مجتمعاتنا العربية.
يُتبع...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تعيين رئيس وزراء.. هل يجد الرئيس ماكرون الوصفة السحرية اليوم
.. المعارضة السورية تعلن سيطرتها على دير الزور وريفها وتتفق مع
.. مراسلة CNN توثق لحظة صادمة للعثور على معتقل محتجز بسجن سري ف
.. كاتس يؤكد أن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح جميع الم
.. قوات الاحتلال تنكل بجثمان شهيد وتحتجزه بعد اغتياله في مدينة