الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


– الفقد – في ( بيجمان) الذي رأى نصف وجهها ، للأديبة بلقيس الملحم

صباح محسن جاسم

2018 / 4 / 2
الادب والفن


عن الدار العربية للعلوم ناشرون- بيروت 2015 م ، صدر للروائية بلقيس الملحم روايتها – بيجمان – " الذي رأى نصف وجهها ".
صمم الغلاف الفنان (علي القهوجي) بخلفية قاتمة وتشكيلٍ ذكي الدلالة .
تتلخص ثيمة الرواية في الكشف عن جرائم ارتكبت ضد الأنسانية خلال الحرب على البوسنة تسعينيات القرن الماضي بشلالات من الدم، وترحيل مليون ونصف مليون بوسني. " في عملية تطهير عرقي لأقامة دولة صربية على حساب البوسنة " مشاهد التمثيل بالجثث والرؤوس التي " كان الجيش الصربي يلعب بها كرة القدم على مرأى من العالم الخارجي "
تأتي الرواية على توثيق سردي لأشكالية الفقد التي ترتكب بحق البراءة، حالٌ شدّ ما تعاني منها شعوبٌ ادخلت دائرة صراعات شركات دول الرأسمال العالمي في محنة الإبادة العرقية والتطهير الذي طال شعب البوسنة على ايدي الصرب الذين كانوا " يحصدون قتلاهم بأسم الرب"- ص200.
رواية تعتمد اللغة الشعرية النافذة برؤية فلسفية تجترح الأيمان بالحب وسيلة لبلوغ الحقيقة.من على لسان صحفي أيراني سجين ، تردد الكاتبة رسالتها وتختصر فيها رحلة العذاب بالبحث عن الشخصية – سابينا – التي تمثل براءة الصرب.
في دهاليز السرد
تستهل الكاتبة روايتها بسلسلة من الأستذكارات تدور حول المتخيّل لحدث في الماضي القريب ، عبر خمسة اجزاء بمدخل استفزازي .
رواية تسجيلية لآلام شعب من الشعوب بفضل الجهل والتطرّف الديني تذكّر بإسلوب ( عشرة أيام هزّت العالم ) للصحفي الأمريكي جون ريد الذي وثّق لثورة اكتوبر.فالكاتبة جوّابة آفاق تنكش الآلام بغية اجتثاثها فتتابع بمبضعها حيث يتوارى الألم المتناسل.
تجمع الوثائق والأخبار، وتدونها على دفتر جيب الشخصية الثانية – بيجمان - التي تدور على لسانها الأحداث.
تبدأ الأحداث بمحاولة انتحار الصحفي. واستذكار حبه الأول للفاتنة – سابينا – طالبة الكلية التي لم يبق منها سوى " مشطها وقرطها" لدى اختها أمينة و " رائحتها" لدى حبيبها (بيجمان).
تقدم الكاتبة لروايتها باسلوب الخبير ، منوهة " ... أرسم في مخيلتي بطلة لقصة قد اكتبها غدا " ولا تجد مناصا من بري قلمها امام فوبيا الرعب والصراخ من داخل سراديب السجون " صراخ الرضيع الذي ولد في مرحاض السجن... وقهقهة العساكر أمام الديدان التي اضطر بعضنا لأكلها" ص 81
" سابينا " المفقودة منذ عام 1993 ، زميلة الدراسة الأولى، " هي وبقية من صورتها الجانبية حيث " نصف وجهها الخجول" والتأسيس لنصف الوجه – في عنوان الرواية – نتلمسه من خلال السرد " فالشاب الثلاثيني الذي كان يغني للعاشقين " وُجد .. مشطوراً بالطول"." كم كنت غبيا حين نظرت إلى نصف وجهه ، ...". من ثم مشهد سابينا عند شباك زنزانة – بيجمان - ،" تغطي نصف وجهها بجناح" ، شابة لمع خيالها في الظلام خاتمة الرواية بشالها الذي يغطي نصف وجهها الأبيض.
يأخذ الوصف مداه حين تضع الكاتبة واحدة من صورها المتناقضة المتقابلة " في دار المسنين .... أرواح من كانوا ينتظرون الموت. دون أن تهز توسلاتهم شفقة المدفعية الصربية!" والحديقة ما عادت تضم أشجارها بل صارت " حديقة الموت" .مثلما تلهب الذاكرة صور الأستعارة " وفي الأوقات الهادئة نضطر أن نصادق المعاول والحديد." واخرى " لكني اكتشفت أنه ما كان ينبغي أن أثق بالشجرة العاقر لأحكي لها قصتي، ولا بالنهر اليابس" ص25.
للأنسان بقية داخل رحم الأرض
رواية تمثلت في البحث عن بقايا انسان، ومن خلال شبح (سابينا) تنبثق الأحداث ومعها تتداعى وقصص الحب التي تختنق ثيماتها من موقع لآخر.
تستخدم الروائية شخصيات فيها الكثير من ملامحها ، تلك الباحثة بقلق عن (فقد) شخص عزيز.. شخص بريء في جوهره ، فشاعرة مثلها تتمتع بحساسية بالغة أزاء ايقاع ما تدونه، مدونةً منطقةً تعاني من أسر التطرّف والعنصرية.
تقدم الكاتبة الأحداث بدقّة ، تستدعي الأنتباه إلى الأسلوبية في الأنتقال من حدث لآخر بوقائع متضادة متداخلة. كما يتحرك السرد من خلال بعض العناوين. احساس يتناغم بين السارد للأحداث والبطل، بذلك تؤكد الكاتبة عن ادراك مبكر بشروط ومتطلبات الميتا- سردي. اذ شكلت مواضيع الأستهتار بحياة الناس غالبية محطات السرد. احالة غير مباشرة الى واقع ما تعانيه المرأة.
ولتلخص الكاتبة رسالتها " الحرب لم تقتلنا سيدتي، لكنها أماتت فينا أجمل ما نملك وطعنت إيماننا بالحياة!".
البيئة الأدبية وموسيقى الضد
وأمام كل القوى الضاغطة تستعين الكاتبة باغنية " آه لو تكرّمت" وتتيح للسارد استئذان جسد سراييفو المطوق بجبال الألب الدينارية، لإلقاء جسده في النهر فيعوم وسط احلام تثلم فيها الأسماك فيمتد الخطر إلى انتشار الأرهاب عبر التصفية الجينوسية والتشرّد.
اسلوب نادر عبر توظيف عنصر الموسيقى الذهنية في استجلاء وسائل الشفاء وسط مشاغل البحث عن معنى للحرب مقابل المعنى الإلق للحياة.
من ثم تعود لتحدثنا أن الشابّة التي افلتت من براثن الموت عادت اليوم إلى قريتها زارعةً " البصل والسبانخ وبعض الزهور" ص 134 ، لكنها ليست ( سابينا) بل مَن تمثلت فيها " سابينا الحياة ".
البيئة الفنية
تكبر الأشياء عبر موسيقى الطبيعة وتشرع العيون تميّز " بريق الذهب ودماء الختان " فيما تزوغ ذائبة في " الحمامات ذات البخار الفاضح" مثلما تتابع حاسة السمع " الأنّات " و نقيق الضفادع، والشم وهي تتعقب " رسالة سابينا الأولى " .وحاسة اللمس وهي تغطس " في اريكة ملئت بالوسائد الناعمة ".
وإذ تنقلنا الأحداث في معمعة الإيغال في امتهان الإنسان لأخيه تتلألأ موسيقى الحب بخيطها اللئلائي لتقول ما تقول من أن الحرب هي سوأة الفعل الأولى منذ فعل قابيل.
انشطارات صوب نصف الوجه
تستأنف عملية السرد رصدها لمرتكزات البراءة فتحيل المدرسة إلى وجه ملائكي رقيق سرعان ما يذبل حين يأمر الصرب من في الفصل من التلاميذ " بالخروج إلى الساحة ثم أطلقوا النار على الجميع .. " وحيث تتضرج دماء الطفلة ومدرّسة الموسيقى في مجزرة المدرسة.
وهو يستذكر الشارع يوم خروجه من السجن يلوم بيجمان طهران التي غدرت به "... لا احد يسمع قشعريرتي" ص90 انهم الغزاة الجدد الذين استحوذوا على كل شيء بتدبير.
خاتمة
شعشعة الحب لم تقتصر على ) الفقد) فحسب بل الكيفية التي ينبض فيها الحب ودوام دفقه وإن غُيبت عناصر معادلته.
أرواح المغدورين تستعيد كياناتها أخيرا عبر قلق البطل المعادل مقابل " سابينا" الحاضرة والمؤثرة دون أن تنطق كلمة واحدة، وهو ما يحسب لصالح الاسلوبية.
استكانت الرواية الى مبدأ الانتقام من المجرمين دون السقوط في آلية التقليدي ، فختم فصل (الجزاء) ليضيء ما خلف كواليس المحاكم الدولية من انحيازيات " لأوثق بعض الجراح وبعض العجز" بيجمان ص210 .
أما – نصف وجهها – الآخر فيتحقق خاتمة الرواية عبر تماهي المحب – بيجمان – بذكرى حبيبته.
وكما توحي العبارة الأخيرة " لم ينتهِ كل شيء " فسيبقى حضور الكاتبة الشفاف مفتوحاً خلل تلافيف الدماغ السردي وتخوم شغاف القص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنانة الراحلة ذكرى تعود من جديد بتقنية -اله


.. مواجهة وتلاسن بكلمات نابية بين الممثل روبرتو دي نيرو وأنصار




.. المختصة في علم النفس جيهان مرابط: العنف في الأفلام والدراما


.. منزل فيلم home alone الشهير معروض للبيع بـ 5.25 مليون دولار




.. إقبال كبير على تعلم اللغة العربية في الجامعات الصينية | #مرا