الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قواعد النّقد السياسي-5
محمد ابداح
2018 / 4 / 4مواضيع وابحاث سياسية
كثيرا ما يحل المرء العديد من المشاكل من خلال رفض مواجهتها بنفسه آملا اختفاءها بمرور الوقت، وقد تختفي المشكلة فعلا لكن من مخيّلته فقط وليس في واقعه الذي اعتاد تراكم الشكاوي المبيّتة، والتي لا تؤدي الغرض، فلِمَ قد تؤدي الشكوي المبيّتة الغرض من حل مشكلة ما؛ لطالما تمنى المرء حلها نظريا فقط رغم حمىّ أعراضها؟ والأدهى أن يسأل المرء نفسه إن كان قد أحرز تقدما أثناء تقهقره المريع هذا. ذلك هو واقع الوطن العربي، ولسبب وجيه أقول بأن أكثر ما يهزني لدرجة الرغبة في الضحك باستهزاء هي مناوشات النقاد السياسيين والمثقفين العرب على جانبي نهر الحقيقة وإسالتهم للكثير من الحبر ببلاغتهم المتصنّعة وفي الإحتفالية الإلهية ذاتها؛ حول كلمة مكونة من ثلاثة مقاطع (عبادة)، ورغم رغبتي باستبعادها في إيماءة من الغيظ إلا أنه أتيح لها أن تسترعي الإنتباه لشدة خطورتها، وتعلقها في الدفاع عن تراب الوطن، ألهذه الدرجة قد تعرّت الحقيقة لتصرف أنظار الهواة والمحترفين؟ ففي الوقت الذي يقوم به عملاء الموساد بزراعة شبكات الألياف الضوئية في شوارع وطرقات العراق والأردن للتجسس على كل شاردة وواردة من مصر حتى تركيا يقوم قرويٌ عراقي بقطع مسافة الف وثلاثمائة ميل - جزء منها مشيا على الاقدام- فقط لزيارة قبر الصحابي جعفر الطيار في شمال جنوب الأردن، فهذا الصحابي الشهيد وفق الأنثربولوجيا الدينية يطير بجناحية في الجنة وعلى الأرض تطير رؤوس وأشلاء المواطن العربي. تلك حبة رمل من ذاتنا الإدراكية وهي كانت والحق يقال من عجائب الهذيان الديني في مجتمعاتنا العربية.
وفي سياق الحديث عن وظيفة الناقد السّياسي فقد لا يعصمه انفعاله من القصور أثناء بوحه في حرفة توقع صاحبها دوما في الأحابيل، وتفرض عليه خلطا تأباه تلك الحرفة، وأحيانا تُجبره على الإستدارة أو الإنعطاف، وربما التوقف أمام مفترق لايجوز التوقف عنده. إن قضية النقد السياسي ليست وسيلة للظهور أو لفت الإنتباه وإنما ببساطة هو إبلاغ عن مراد، وإذا كان هذا العمل من تدبير العقل والخبرة والمعرفة؛ فإن الإهتداء إلى المراد لا يتأتى من خلال الصدفة، وإنما سلسلة من الأسباب، كما أن المفاجأة لاتصنع الخبر وإنما الخبر بحد ذاته قد يحمل في طياته مفاجآت قد يستفيد منها الخصم إن أحسن إستغلالها، فالولايات المتحدة مثلا تواجه وبشدة خطر الإنهيار الإقتصادي منذ أكثر من ثلاثة عقود متواصلة، وقد أنقذها لفترة النفط العراقي والأفيون الإفغاني، غير أنها كانت آنذك تملك القدرة على تمرير المسوّغ القانوني لاجتياح العراق وإفعانستان نتيجة غياب الدور الروسي عن الساحة الدولية، وبما أن الولايات المتحدة تستلهك المزيد من النفط والموارد بسبب توسّع نفوذها العسكري حول العالم وازدياد نفقاتها داخليا وخارجيا، فكان لابد من البحث عن مصادر جديدة تستوجب خلق ذرائع أخرى غير مباشرة لاجتياح دولة نفطية أخرى، فكان الخيار إسقاط نظام الحكم في تركيا كونها حليف استراتيجي لقطر، ثم لاحقا اسقاط النظام الحاكم في قطر وضمان النفط والغاز القطري، لكن لم تفلح الخطة، فتركيا لم تسقط وبدورها أنقذت قطر من السقوط ، مما وضع الولايات المتحدة أمام خيار أخير من أجل إنقاذ إقتصادها من الإنهيار، وهو السعودية، فكان الخبر عن أعلان صفقات أسلحة بالمليارات، إن السعودية وبلا أدنى شك ليست بحاجة إلى كل تلك الأسلحة وربما لم لن تستلمها أصلا وإنما هي مساعدات مالية عاجلة كان لابد من تقديمها رغم أنف حكام السعودية لإنقاذ الإقتصاد الأمريكي من الإنهيار.
إن ترسانة الخبرة المعرفية التي تكونت لدى الإنسان يجب أن تخبره بأن أي نتيجة من النتائج ستكون مبهمة طالما بُحث عنها بمعزل عن أصل تكوّنها، ولكي أكون ملتزما باللياقة النقدية التي تحدثت عنها أوائل سلسلة قواعد النقد السياسي أقول: نحن كعرب نستطيع أن نتقدم نحو نقطة البداية والتي تجاوزتها باقي الأمم ولم نصل إليها بعد؛ فقط حين نمضي بعكس مجرى النهر، فقد مضت عقود ونحن نسبح مع تيّار الفشل الذي قُدّر لنا والحق يقال أن نمضي فيه باسم ثوابت دينية صاغتها أدمغة باردة منذ القرن الأول للهجرة ثم استنسختها جماعة أطلق عليها زورا مرحلة نخبة الصحوة والعقلانية أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، جماعة لم تأتي إلا بما يمكنها استبداله من الأصنام التي كانت ومازالت تقدم لها النذور والقرابين ليومنا هذا، من أمثال حكام السعودية والخليج والمغرب العربي، وبما أن الأمر قد نُقش بهذا المعنى في الذاكرة العربية؛ فإلى أي منطق بعد ذلك كله قد يستجيب وفاءنا لتيّار نهر ملوّث من الثوابت والمسلّمات الكاذبة؟ وفاءا لهذا السؤال الذي لايزال يعترض طريق فهمنا لما يدور من حولنا، ولحساب الزمن الذي يتقدّم وقارا وخبرة وحكمة لدى الأمم الأخرى سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ونحن فيه مجرد أرقام؛ فإذا كان زمن الله في ثوابتنا هو فقط الذي لايمرّ فإننا على الأقل نكون قد تعلمنا لماذا يتثائب التاريخ في وجهنا منذ أن استسلمنا للقضاء والقدر وانتظرنا صرخة يوم القيامة، ومنذ أن أصبح زمن الله الذي لا يمر في ثوابتنا الدينية هو ذاته الزمن السياسي لحكم الخليفة أو الحاكم العربي والذي لا يمر ولا يمضي أبدا.
إن المجتمعات التي تسود فيها كتل الثوابت والمسلمات الدينية تستورد المعرفة العلمية ولا تُنتجها، فالبوذي مهما بلغ من التأمل والحكمة لن يصنع طائرة أو جهاز حاسوب أو دواءا كالبنسلين، ورغم أن حكمة قد ينطق بها البوذي عن الحياة أو الكون تعادل كل كتب الغزالي أو ابن تيمية المتطرفة، إلى أن ذلك البوذي ومنذ ألاف السنين لازال يقبع في كهوف ومعابد جبلية ويمضغ الأعشاب لتسكين ألمه ثم يموت في سلام، وأما العرب فيقبعون في كهوف الثوابت والمسلمات الدينية، ويمضغون الحسرة والألم ولا يموتون بسلام.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. كامالا هاريس أم دونالد ترامب.. لمن سيمنح الأمريكيون مفاتيح ا
.. أبرز تكريم أدبي فرانكفوني... منح جائزة غونكور للجزائري الفرن
.. كلمة الفصل.. مصير أميركا والعالم تحدده 7 ولايات حاسمة. فمن ي
.. آثار قصف مطعم في بعلبك شرقي لبنان جراء غارة إسرائيلية
.. أسامة حمدان: مفتاح التوصل لاتفاق ينهي الحرب هو العودة لاتفاق