الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذكرى الأربعين لـ - طوارئ البعث- والخامسة والأربعين لـ - طوارئ الوحدة الناصرية

المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير

2003 / 3 / 10
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


بيان صحفي
 
دمشق في 8 آذار / مارس 2003
الوجه القبيح ترعبه المرآة !
بيان من
المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير ـ فرع سورية
في الذكرى الأربعين لـ " طوارئ البعث" والخامسة والأربعين لـ " طوارئ الوحدة الناصرية "

    في الثامن من آذار / مارس 1963 , وبعد عام وشهرين على إقصاء التيار الديمقراطي في حزب البعث العربي الاشتراكي ممثلا بالسيد أكرم الحوراني من قبل المؤتمر القومي الخامس للحزب , استولى التنظيم العسكري شبه الفاشي في الحزب(الذي لم يكن يتجاوز عدد أعضائه 270 عضوا )على مقاليد السلطة في دمشق  مدعوما من قبل مخابرات عبد الناصر وانقلابيي البعث في العراق الذين كانوا قد استولوا على السلطة في بغداد قبل شهر واحد من ذلك التاريخ. وقد عمد عسكر دمشق منذ الأيام الأولى لانقلابهم إلى تجديد العمل بقانون الطوارئ واعتقال مناوئيهم وممارسة العزل السياسي على المئات من المعارضين الديمقراطيين ورجال الأحزاب السياسية والعديد من رجال الاقتصاد والموظفين. كما رصدت جوائز مالية لمن يساعد على اعتقال المتوارين عن الأنظار , وفي مقدمتهم أكرم الحوراني ـ أحد أكبر رموز الكفاح الديمقراطي في سورية خلال القرن العشرين  . ومن أجل تثبيت دعائم الانقلاب الذي افتقد للقاعدة الشعبية  , أصدر " المجلس الوطني لقيادة الثورة " قرارا في الخامس عشر من الشهر نفسه يقضي  بتشكيل " الحرس القومي" كمنظمة فاشية مسلحة مهمتها الأساسية ممارسة العنف والإرهاب وكم الأفواه بذريعة الدفاع عن " الثورة " . وكانت  ميليشيا "القمصان البنية " التي شكلتها الفاشية الإيطالية بقيادة موسوليني " الملهم التنظيمي والأيديولوجي " لهذا الحرس القومي في سورية ولنظيره الآخر في العراق . ولئن كانت حالة الطوارئ قد أعلنت في الثامن من آذار / مارس 1963 , فإنها في حقيقة الأمر سارية المفعول في سورية منذ 22 شباط / فبراير 1958 حين أقدمت الدكتاتورية الناصرية على تطبيق قوانين الطوارئ المصرية على " الإقليم السوري " بعد الوحدة , باستثناء رفعها لحوالي ثلاثة أشهر  من قبل حكومة خالد العظم نهاية 1962 وبداية1963 تمهيدا لإصدار قانون لتنظيم الأحزاب والصحافة وإجراء انتخابات تشريعية  في حزيران / يونيو1963 تعيد الحياة البرلمانية الديمقراطية إلى البلاد. الأمر الذي قطع عليه الطريق انقلاب " البعث " في 8 آذار / مارس , فضلا عن تآمر مخابرات ديكتاتورية عبد الناصر والقوى الناصرية التي كانت ترفض إجراء انتخابات ديمقراطية في سورية! وبهذا يكون قد مر اليوم  على سريان حالة الطوارئ والقوانين العرفية أكثر من خمسة وأربعين عاما , وليس أربعون عاما وحسب . الأمر الذي لم ينتبه إليه أحد من قبل في بلادنا . وبهذا أيضا  تكون حالة الطوارئ  والعمل بالقوانين والأوامر العرفية  أقدم حالة  في العالم لا تزال سارية المفعول حتى الآن !
 
   وإذا كنا ـ كمنظمة ـ معنيين أساسا بقضية حرية الصحافة والتعبير , ينبغي أن نشير إلى أن " المجلس الوطني لقيادة الثورة " قد أصدر ـ في سياق حملته القمعية المسعورة ـ مرسوما يقضي بإغلاق جميع الصحف السورية (16 صحيفة) ومصادرة مطابعها وموجوداتها , فضلا عن وضع الأموال المنقولة وغير المنقولة لأصحابها وزوجاتهم وأبنائهم تحت الحراسة القضائية. الأمر الذي لما يزل ساريا حتى اليوم . ولم يسلم من هذا الإجراء القمعي سوى  صحيفة " البعث" التي كان امتيازها باسم رئيس وزراء الانقلابيين صلاح الدين البيطار , وصحيفة " اللواء" لسان حال الإخوان المسلمين . علما بأن زعماء الانقلاب قد سمحوا بصدور صحيفة " الوحدة" لصاحبها نزيه الحكيم , و " بردى" الناطقة باسم الناصريين وفلول الإرهابي الدموي عبد الحميد السراج , و " الرأي" لسان حال القوميين العرب . وهي صحف لم تتوان عن دعم الانقلابيين وإجراءاتهم القمعية والترويج لها والمساهمة في الإساءة لسمعة رموز الحركة الديمقراطية وهتك أعراضهم السياسية والتحريض عليهم , فضلا عن الترويج لفكر عنصري شوفيني شبيه بالفكر الصهيوني  ونزعة نازية هتلرية  نصت عليه المادة 11 من دستور حزب البعث قبل تعديلها في المؤتمر القومي السادس , و قالت بوجوب ترحيل وإجلاء أي شخص عن أراضي الوطن العربي يدعو إلى " تكتل عنصري" أو يناهض العرب ! 
  وبعد أن كان " المجلس الوطني لقيادة الثورة " قد منح نفسه حق ممارسة السلطات التأسيسية والتشريعية والتنفيذية , وفي خطوة منه لقوننة القمع , أصدر رئيسه الجنرال الديكتاتور أمين الحافظ المرسوم 6 للعام 1965 الذي جسّد منذ ذلك التاريخ وإلى الآن , وبصورة لا حدود لوضوحها,  نظام الدولة الشمولية التي لا تعترف بأي سلطة قانونية خارج إطار سلطة القوانين الاستثنائية المعبرة عن مطامح ومطامع نظام عسكري إنكشاري , والإصرار على ممارسة الحكم بالقوة المسلحة العارية أو المستترة والحفاظ على امتيازات أصحابه وأزلامهم ومحاسيبهم . وقد نظرت أوساط حقوقية واسعة إلى هذا المرسوم ـ القانون  بوصفه واحدا من أغرب وأخطر " القوانين" القمعية المقيدة للحرية التي عرفها العالم خلال القرن العشرين , والذي يمكن مطّه وتأويله بأشكال لا حصر لها , ويمكن استخدامه من قبل أي نظام ديكتاتوري مهما اختلفت أيديولوجيته أو هوية القائمين عليه . وأكبر مثال على ذلك أن الرئيس حافظ الأسد , ورغم صراعه الشخصي والسياسي مع رفاقه الذين وضعوا هذا القانون , قد استخدمه لاعتقال و/أو إعدام الآلاف من معارضيه والتنكيل بهم , على اختلاف انتماءاتهم الحزبية والأيديولوجية خلال سنوات حكمه الثلاثين . فقد نص المرسوم في الفقرة الأولى من مادته الثالثة, مثلا , على المحاكمة العسكرية الاستثنائية لكل من يدان بأفعال " تعتبر مخالفة لتطبيق النظام الاشتراكي في الدولة , سواء وقعت بالفعل أم بالقول أم بالكتابة أم بأية وسيلة من وسائل التعبير والنشر" , أو ـ طبقا للفقرة هـ ـ بأفعال من شأنها " مناهضة تحقيق الوحدة بين الأقطار العربية , أو مناهضة أي هدف من أهداف الثورة أو عرقلتها, سواء أكان ذلك عن طريق القيام بالتظاهرات أم بالتجمعات أم بأعمال الشغب أم بالتحريض عليها أم بنشر الأخبار الكاذبة بقصد البلبلة وزعزعة ثقة الجماهير بأهداف الثورة " . وقد نص المرسوم على الحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة , مع جواز التشديد إلى الإعدام , على من يدان بمنطوق الفقرة (أ) , وبالأشغال الشاقة المؤقتة( دون تحديد المدة ) على من يدان بمنطوق الفقرة (هـ) ! وحين أصدر الرئيس بشار الأسد قانون المطبوعات رقم 50 في أيلول/سبتمبر من العام 2001 , وهو أسوأ قانون مطبوعات يعرفه العالم العربي منذ فرمان المطبوعات الذي أصدره السلطان العثماني    عبد الحميد في العام 1876 , عمد إلى إدخال معظم فقرات ومواد مرسوم أمين الحافظ رقم 6  في قانونه هذا , فضلا عن قوانين استثنائية أخرى , عسكرية وشبه عسكرية , كانت قد صدرت في مراحل مختلفة من حكم "البعث" العسكري .
  لقد نظر الكثيرون إلى صدور " الدستور الدائم" في العام 1973 , ورغم أنه فصّل على مقاس ديكتاتورية الرئيس حافظ الأسد الذي استولى على السلطة في انقلاب 16 تشرين الثاني / نوفمبر 1970 , بوصفه " خطوة هامة " على طريق إرساء دولة القانون والمؤسسات والخلاص من مرحلة الأوامر والقوانين العرفية . غير أن السنوات القليلة اللاحقة أثبتت أن هذه النظرة لم تكن إلا ضربا من الوهم وخداع الذات . ذلك لأن الدكتاتورية الجديدة سرعان ما ضربت  عرض الحائط حتى بالدستور البائس الذي فصلته على مقاس زعيمها, حين أخرجت من جعبتها جميع قوانين الطوارئ والأوامر العرفية الصادرة في المراحل السابقة من عهد " البعث" , وفي مقدمتها المرسوم الهستيري رقم 6 , وأعملتها سيوفا في رقاب الآلاف من المعارضين على اختلاف مشاربهم السياسية والأيديولوجية , من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار, مرورا بالمستقلين الذين لم يعرف الكثير منهم في حياته أي شكل من أشكال الانتماء الحزبي. وذلك لمجرد الدعوة إلى الديمقراطية أو إبدائهم وجهات نظر تختلف بهذا القدر و ذاك عن آراء النظام ومع سياساته. وكان الرئيس حافظ الأسد شخصيا المنتهك الأول والطليعي للدستور قبل أي شخص آخر , حين راح يصدر قوانين ومراسيم يشير فيها صراحة إلى عدم جواز الطعن في بعض الأحكام ( انظر مثلا مرسومه القاضي بتعديل قانون الاستثمار رقم 10 ) , الأمر الذي ينتهك بمنتهى الفجاجة والاحتقار منطوق الفقرة الثالثة من المادة 28 في الدستور, الذي وضعه هو شخصيا , والتي تكفل سبل الطعن في الأحكام القضائية إلى أن تكتسب الدرجة القطعية . هذا ناهيك عن قرارات محكمة أمن الدولة العليا والمحاكم العسكرية الميدانية السرية التي لا تقبل أي شكل من أشكال الطعن حتى وإن كانت تقضي بالإعدام.
  لقد شكل استمرار العمل بقوانين الطوارئ والأوامر العرفية , رغم صدور " دستور دائم " للبلاد , برهانا ساطعا وقاطعا على أن حكم " البعث" , بعهوده الثلاثة التي انصرمت , وعهده الرابع الذي بدأ مع وراثة الرئيس بشار الأسد سلطات أبيه الراحل , لم تكن في واقع الأمر إلا وجوها متعددة لمشروع واحد جوهره نظام شمولي شبه فاشي من المستحيل أن تزول حالة الطوارئ والقوانين العرفية إلا بزواله معها , لأن وجوده واستمراريته رهن بوجودها واستمراريتها . وكل مطالب  يدعو اليوم إلى إلغاء حالة الطوارئ والقوانين العرفية دون أن يكون تفكيك الدولة الشمولية والخلاص منها ومن إرثها ورموزها الشخصية والمؤسساتية في رأس أولويات برنامجه, لا يعدو أن يكون أحد أولئك المؤمنين بإمكانية تربيع الدائرة ممن يمارسون خداع الذات والآخرين , ويمارسون الاحتيال والنصب السياسي و " الفكري" والفهلوية على الناس والتاريخ !  فما من حالة طوارئ أعلنت عبر التاريخ , وما من قوانين وأوامر عرفية جرى سنها والعمل بها إلا بهدف الإبقاء عليها من أجل ستر الوجه القبيح للديكتاتورية في مواجهة مرآة حرية التعبير التي من المحال أن يتجرأ صاحبه على الوقوف أمامها , فـ  " الوجه القبيح لا ترعبه إلا المرآة " كما قال  ذات يوم شاعر الشام شفيق جبري !
   








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح