الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من دفع َ للزمّار ...

حازم العظمة

2006 / 3 / 13
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


ما يحزن في الثقافة العربية أ كثر من غيره هو حالة الإستلاب التام أمام النفوذ ، الشهرة ، المحافل ، " العالمية" ، الأسماء اللامعة ، النجوم ، الشيوخ ، البطاركة ، الخواجات *...
، يكفي تكرار إسم ما عدداً كافياً من المرات أمام المتخلف ، على أن يكون هذا التكرار بالتبجيل الكافي، و على أن يكون التبجيل مدعوماً بالثروة و النفوذ ، حتى يعتبره البدوي ، بمثابة " شيخ" من الشيوخ ، و يتمنى التقرب منه .. ، و لينخرط بعد قليل في مديحه ... ( على طريقة - شيخ شعرائنا- المتنبي ).

نيتشة الألماني ، مثلاً ، تجري إعادة ترويجه بطريقة تستغرب من أين أتت ، و لكن إذا تابعت مراكز ترويج " الثقافة " باللغة العربية و وكلائها ، لوجدت في النهاية أن خيوط الترويج تنتهي على الأغلب إلى مراكز معينة في أوربا ، و غالباً إلى مراكز " إرشادية" أو " استشارية " في أمريكا ... ، أعني أمريكا بوش و المكارثية – الجديدة - و صِدام الحضارات ....

و بصورة مستقلة عن الشعر الثقيل و الكئيب الذي لنيتشة ( هذا سيعتبره الآن شيوخ الثقافة الموهومة تجديفاً ما بعده تجديف .. ) , هذا الشعر الفارغ إلا من حكم بطريركية ، و " تأملات" و جودية من النوع الأشد إبتذالاً ، نيتشة هذا هو في أساس العنصرية الألمانية ، و كل عنصرية أخرى بطبيعة الحال ، و هو الذي يمثل ، أحسن ما يمثل تيار الفلسفة الألمانية الذي كان جزءً من التيار النازي ، و " الدليل" النظري للذين ، في الثقافة ، مهدوا لصعود الهتلرية ..
و مع هذا ، و رغم هذا، ستظل تظهر في صحافتنا الثقافية المقالات إثر المقالات و الدراسات بعد الدراسات في شرح و إعادة شرح هذا الشيخ الجليل ...

إلا أن الإتجاهات الأمريكية الأشد محافظة هي ، في الأصل ، من يروج لنيتشة الآن ، و نحن كالببغوات نهز رؤوسنا ، مدعين الفهم و " الإطلاع " ، تماماً مثل الشيوخ في المجالس البدوية حين شيخهم يسرد لهم " سالفة" ما أو حكمة ما فيهزون رؤوسهم .. طويلاً

قبل هذا ألم نعجب – يُعجبوا - أيما إعجاب بـ " لورنس العرب" ، بإعتبار" حكمته" ... و نصّبناه - نصّبوه –
" شيخاً "كبيرًا ... ، و ليس لمجرد أنه كان يوزع الدراهم و الأسلحة بكرم عظيم...
بل أنه أخذ يتصرف ، إمعاناً في الهزء و في العنجهية ، على أنه فعلاً شيخ بدوي ... ،كأن يلطم قفاه كل قليل في المجلس كما يفعل " الشيوخ" و يتظاهر بأنه أمسك قملة هناك في نقرته ... فيفركها و يرميها أمامه في المجلس ...

ثمة أسماء بعينها ، تكتب في الصحافة العربية الثقافية ، هي التي تلتقط هذه الخيوط ( خيوط الترويج للثقافة الأمريكية ، ثقافة الرأسمالية في مرحلة الإمبراطورية تحديداً )، و هذه هي التي تروج بطريقة تبدو منهجية لاتجاهات بعينها و لأسماء بعينها ... ، لن أذكر إسماً محدداً ، ولو كمثال ،لأن الموضوع لا يتعلق حقاً بأشخاص ، ما أتناوله هو الظاهرة ... ، أحد هؤلاء يبدو لك و كأن لديه قائمة طويلة و تنتظر النشر بالتسلسل ( و كأنه يغرف من ملف معد سلفاً )، للشعراء الذين كانوا أو ما زالوا ، معادين لليسار و للشيوعية ، القيمة الشعرية لهؤلاء ملتبسة غالباً ، إلا أن أجهزة الدعاية التابعة للإستخبارات الأمريكية روجت لهم بكثافة ، قبل و بعد سقوط الأنظمة المسماة " شيوعية" في أوربا الشرقية و روسيا ، و في كل مرة ، من خلال التقديم ، الذي يبدو و كأنه بإهتمام أدبي و ثقافي فحسب ، تجري إعادة تذكيرنا بالأ نظمة الساقطة هذه و تجري إعادة تعليمنا أبجديات المفاهيم الأمريكية عن " العالم الحر " و " الديموقراطية" الأمريكية ...و حتى عن التجارة " الحرة" ...
سولجنستين مثلاً جرى التطبيل له على نطاق غير مسبوق حين كان " منشقاً " ، و إستخدم هكذا أداة في الحرب الباردة ، بعد إنهيار النظام السوفييتي لا يكاد أحد يذكر اسمه الآن من الأوساط التي أعتبرته في وقت ما عبقرية لن تتكرر ، السبب أنه الآن يصرح بوضوح بأن أسوأ ما حدث لروسيا كان انهيار الإ تحاد السوفييتي ...
و أن الحضارة الرأسمالية الأمريكية متوحشة و معادية للإنسانية ...

من لديه شك في دور الإستخبارات الأمريكية في الثقافة عليه أن يراجع كتاب الباحثة الانجليزية فرانسيس ستونر سوندرز ، صدر سنة 2002 بعنوان " من الذي دفع للزمّار " و هو يتحدث عن إنخراط وكالةالمخابرات المركزية الأمريكية في تمويل الثقافة في فترة ما يسمى بـ "الحرب الباردة " ، و عن دور الإستخبارات في إشهار أسماء بعينها و إتجاهات ثقافية و تيارات ، و مجلات ثقافية و معارض تشكيلية ، و الميزانيات التي خصصت لذلك لا تصدق : مئات ملايين الدولارات
المخابرات المركزية الأمريكية أسست عشرات المجلات الثقافية ومن بينها مجلة " حوار "، ( الشقيقة الصغرى لمجلة إنكاونتر ) التي كانت تصدر في لبنان واستكتبت المجلة عددا هائلا من " كتاب النخبة " بسبب سخاء مكافأتها، ومن المعروف ان يوسف ادريس أثار ضجة هائلة بسبب رفضه لجائزة المجلة والتي كانت تعني مبلغا محترما للغاية ....
مجلة " حوار ليست الوحيدة – في حينه- و هي ليست الوحيدة الآن خاصة ً...

نحن لا نفهم العصر و لا نفهم الحضارة ، ، و مصابون بعقدة " الدْونية " ، مثلاً لا نفهم لماذا كُـتابنا مغمورون هكذا في العالم ، فيما لا نعترف بهم ( إلا بعد أن يعترف بهم الغرب )، بل و نحط من شأنهم لهذا أو لذاك من الأسباب ...

، لا نستطيع أن نواجه أنفسنا بطريقة واقعية ، و نشك بجدارتنا بكل شيء ، نشك بعدالة و جودنا إطلاقاً و إذا قال عنا " الأجانب" شيئاً نكاد نصدقه و لا نصدق أنفسنا ... لأن " الأجانب "لم يقولوا ... أو لم يوافقوا ... ، و نطير فرحاً إن أعجبهم شيء لنا .... الوجه الآخر لهذه العملة – شكلها الثاني- هو " النكوص" و هذا يعني أن صدمة الحضارة و صدمة الحداثة أصابتنا بالإنسحاب ... و التقوقع ، أي أننا في هذه الحالة نغمض أعيننا ، و نغلق النوافذ و الأبواب ، لا نرى إلا " تراثنا" – دينياً أو قومياً لا فرق كبير – و نردد أننا " خير أمة أخرجت للناس " و غير ذلك ... و نرفض المدنية و نرفض العصر و نرتد إلى الماضي و هو ماض على الأغلب موجود في رؤوسنا – أو هكذا رأيناه- حسب ُ...



* قبل أن يحوز نجيب محفوظ عل " نوبل" بالكاد إكترث له ، بهذا الإهتمام ، أحد كل هؤلاء " النقاد" الذين الآن لا يكادوا يتوقفون في مديحه و إعادة مديحه ..
نفس الظاهرة تجدها في ما يتعلق بأدونيس ( الذي بفارغ الصبر ينتظر الجائزة نفسها)، فالإهتمام بأدونيس لم يبتدء على نطاق واسع إلا بعد أن أصبحت واضحة " أهميته" لدى بعض الأوربيين و خاصة بعض الفرنسيين الذين ترجموه و من ثم وجدوه " يحقق" الـ " نمط" المكرس عن " الشرق" الذي لم يتخلص منذ ما قبل القرن التاسع عشر من سحر " ألف ليلة و ليلة " و التي أصبحت بدورها نمطاً " كولونيالياً " عن كيف تفكر بالشرق –أعني كيف تفكر "استشراقيا"َ بالشرق - مخلوطاً بالغموض التهويمي ... و الماورائية ، و بالجنس بمفهومه " الحريمي " و بألغاز الكتب الباطنية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية