الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأثنين المرصود

ياسر العدل

2006 / 3 / 14
كتابات ساخرة


فى يوم الاثنين، تتوقف كثير من المصالح عن تقديم خدماتها لطالبى الخدمة، الحلاقون يغلقون دكاكينهم، بعض الجرائد وشركات الحراسة تقصف أقلام الكتاب وتطرد الموظفين، بعض أعضاء مجالس الكليات ومجالس الجامعات يهتمون بالتوقيع على أوراق يحصلون بسببها على بدلات حضور وسفر وانتقالات، بعض أعضاء مجلس الوزراء ينجح فى توضيب تصريحات إعلامية تهرب بهم من المسئولية، وأنا شخصيا أتجرع الفشل مرات كثيرة حين أحاول التخلص من أعباء يوم الخميس وجعل يوم الاثنين يوما مشهودا فى إصلاح ذات البين مع زوجتى، وتقسم زوجتى برأسى على إعداد طبيخها الماسخ فى كل يوم اثنين.
فى يوم اثنين مرصود، كانت الدلائل تشير إلى أننى مقبل على فرصة مناسبة للتخلص من عنت زوجتى ولبخها فى إعداد الطبيخ، ذلك بأن اجتماع مجلس كليتنا هو الاجتماع الأخير فى دورة ذلك العام الدراسى، ولا بد أن الكلية ستكرم أعضاء مجلسها على ما بذلوه من جهد فى التأييد والصمت والموافقة على قرارات عميد الكلية، وأن بعض أعضاء هيئة التدريس بالكلية فازوا بجوائز أدبية ومادية على مستوى الجامعة، تمنحها الإدارة بغض النظر عن فحوى الأنشطة العلمية، فكثير من الجوائز يفوز بها بعضهم إعمالا لحسابات الميزانية والدعاية والتوازن بين كليات الجامعة، ولابد أن الكلية ستكرم فائزيها، وأن رئيس الجامعة ونوابه سيحضرون لافتتاح مشاريع حديثة بالكلية، ولابد أن الكلية ستكرم ضيوفها، كان الكرم فى نظرى منصبا على دعوتى لحفل غداء أحضره تحقيقا للتواصل مع قياداتى لزوم الترقيات فى عصر تعيينات أهل الثقة، وتواصل مع معدتى لزوم تناول طعام مجانى فى عصر الغلاء الرهيب، وتواصل مع زوجتى لزوم التخلص من عدسها وفومها المخلوط بالتسلّط، هكذا أصبحت جاهزا للتعامل مع وقائع ذلك الحفل الشهى الموعود، بغض النظر عن كونه مشوبا ببرودة العلاقات الوظيفية، ومطعّما بذلك القدر الكافى من النفاق وتسليك المصالح.
فى القاعة الفسيحة بالنادى الاجتماعى المرموق، أقمنا الاحتفال وتبارى الخطباء والعمال وموظفى التشهيلات فى تقديم أفضل ما عندهم، هذا يصف العميد بأنه العالم الفذ ورئيس العمل المتواضع، وذاك يصف رئيس الجامعة برسول العلم والقائد الحكيم، لم استمع كثيرا لما نثر فى القاعة من طنين وأحاديث، وظللت أتابع صور الدجاج المحمر واللحم المشوى والفواكه الغالية تعبر فى سماء تفكيرى طيفا ناعما يمس وجدانى بالرضى وانفى بالروائح الطيبة وتسحب أحلامى إلى قاعة الطعام القريبة.
حين انتهى حفل الكلام تحلق الناس جماعات تتضخم حول أهل الحظوة والقيادات الكبيرة، وقررت التحرك على هامش جماعة تضم العميد ورؤساؤه، بين هذه الجماعة لم أكترث بأن يصافحنى عميد الكلية بين جمع الموظفين، ولماذا اكترث بعد أن نجحت فى مصافحة رئيس ذلك العميد، وبقليل من الجهد صافحت أنا شخصيا نائب رئيس الجامعة، وابتسم لى رئيس العميد فزاد يقينى بدعوتى لحضور حفل الغداء، وحين دخل رئيس الجامعة، اندفعت بجسدى بين جموع المستقبلين تاركا العميد ونائب رئيس الجامعة واحتضنت رئيس الجامعة بود ظاهر، فداعبنى ذلك العظيم بود مسموع، عندها أيقنت أننى سأجلس شخصيا بجوار أكبر راس فى الجامعة وأتناول الغداء على مائدة طعام مخصوصة بالفخار والعظمة.
انتظم جمعنا، أساتذة وموظفين ورجال أمن وموظفات ومصورين، وسرنا خلف رئيس الجامعة والنواب والعمداء، وابتسمت لنا نباتات زينة اشترتها إدارة الكلية خصيصا لتلك المناسبة ونثرت أوعيتها حول السّجاد الأحمر لتحدد طريق مرور العظماء بين منشآت الكلية، وقام موظف مختص ونهر بعض العاملات، فأطلقن زغاريد مبحوحة، وتسرّب بعض الموظفين يحملون أوراقا، يسعون بها لدى رئيس الجامعة لتعيين أبنائهم، وفى نهاية الممر انحشرت عاملة بين زميلات لها، وأعلنت دون حياء، أن كل الناس طيبون، وأن كل الزيارات صالحة، وأنها على استعداد لتملأ الدنيا بهجة وزغاريد، مقابل أن يمنحها رئيس الجامعة مكافأة نصف شهر من راتبها، لكن واحدا من الموظفين لم يرض أن يشارك فى البهجة والزغاريد بأقل من مكافأة شهر كامل.
فى صالة النادى الكبير، احتل الكبار مقاعدهم على مائدة الطعام الكبيرة، وأرسل رئيس الجامعة ونوابه بنظراتهم نحوى، فانتشيت وقررت الجلوس بجوار رئيس الجامعة شخصيا، طامعا فى الطعام والتواصل والترقيات، وحين أكد لى صديق خبير بأننا احتفالنا يخوض بنا فى الأيام الأخيرة لفترة حكم رئيس الجامعة والتابعين، وجدتنى أعانى من انهيار طموحاتى فى التواصل والترقية وهاجمتنى آلام المعدة والضغط والتنفس، ورأيت علاجى لا يتم دون قائمة من الطعام لا يجيد إعدادها غير زوجتى الطيبة فى كل يوم اثنين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غادة عبد الرازق: ليس لي منافس على الساحة الفنية ولا يوجد من


.. غادة عبد الرازق: الساحة الفنية المصرية لم تعد بنفس قوة الماض




.. الفنان درويش صيرفي.. ضيف صباح العربية


.. -بحب الاستعراض من صغري-.. غادة عبد الرازق تتحدث عن تجربتها ف




.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف