الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضوء نقدي (( سليل النور )) الشاعرة الفلسطينية: ((ليلى آل حسين))

منير الكلداني

2018 / 4 / 14
الادب والفن


النص : سليل النور

الكاتب : الشاعرة الفلسطينية ليلى ال حسين

ضوء نقدي : منير الكلداني



النص

يسألني رسول الشعر،

كيف الأرواح إذا أحبت

تفوح بطيبها النفوس .!

ومن رحيق اللمى تملأ بالشجن

لوعة الكؤوس

كيف يرسمها الوجد

مشهدا تشكيليا على الصفحات .!

عصفور يتنفس الحب

من قميص أنثى

وملاك تنشر نبضها

بخورا بين الواحات .!

والحبيبة كيف تغدو نبية

يرق قلبها لصبٍ ساجدٍ

بصفاء جوهره لرب العباد !

وكيف ينذر العاشق عمره خشوعا

في محراب معبودة العينينِ .!

طائفا في جلبابِ بتولٍ

هواها في قلبه ايمان راسخ

بلا أوتاد .!



ماذا أقول لوجهٍ كف الله تحرسه

كعذق دواح في الفردوسِ

ونهر يصب سواقيه رينادا في قلبي

ماذا أقوله له لو جاء يسألني

عن صوتي المدوزن

على نغم قصائده،

وكيف يستحيل شعره تسابيح أنبياء

وزغاريد تتهجد في محرابها الاوتار ..!!

عن طيف يزاحم الشرود على وجهي

ينسج الشوق عطشا

يناغي الغيم في الأحداق..!!

عن شعلة بنفسجية معلقة في قرطي

ونفحة هيل تكوثر لهفة الأنفاس

عن سر الابتسامتين المختلفتين

ابتسامة غرور، يرسمها زاهد على ثغري،

وأخرى ذابلة، في خدرها تضم كفه الى كفي ..!!



ماذا أقول له لو جاءني بلهفة

عصفور مشرعا جناحيه ..!!

أأقول لبيك يا شراعا يبحر ملء دمي

وقنديلا يضيء مناسك صلاتي

أأخبرك بعُشيّ الموبوء بالشوق

بين أفنان الحنايا

وحلم مازال أخضر

كعناقيد لوز تتفتح وصالك



هي الأرواح إذا أحبت

يسيل هواها الى خفق الفؤاد

نفحات سكينة وأحلام

تصلي استسقاؤها جفاف المسافات

دموع شوق ونوافل ركعتين

تطير هدهدا أبيضا نحو السماء

تقطف الطل من عناقيد الغيوم

وتأوي الى حقول العشق كبساط أخضر

وشقشقة زهرتين متعانقتين

،

أنا يا سليل النور

في برزخ المحبة

مطوقة بوداعتك

مثخنة بالعفاف

لا يخالطك في وجدي وزرا

نفسي مطمئنة في رحاب الهوى

عاشقة يصطلي شغافي تعبدا وابتهالاً

وقلبك في روضة الرحمن مطمع التجلي

وبوصلة المحبين والعشاق



دالة النص

تتولد الافكار والعواطف في زحمة المتضادات وتنهج نهجا معينا في التعبير والدلالة وكلما كانت تلك العواطف سامية الى حد لا يصدقه احد تكون اللغة الحاضرة هي اللغة (( الكهنوتية )) وذلك لاضفاء البعد القدسي عليها حتى تكون في طور (( التصديق )) (( والمنطقية الشاعرية )) وبالرغم من ان التدفق الخيالي غير محكوم عليه بلغة المنطق الا ان الفرد في محاولة منه لتقريب الواقع ينسج منه نسجا عقلائيا ومن المعلوم ان تلك العاطفة الكهنوتية مع الواقع المنطقي ضدان قد لا يجتمعان الا في عالم غير هذا العالم ، وهو ينحصر قطعا في مخيلة الكاتب وما يحاول الوصول اليه من خلال المضامين المترادفة وهذا ما شاهدناه جليا في نص (( سليل النور )) حيث توغل الكاتب في التشبيه الكهنوتي (( للعشق )) واقرب مصداق عليه هو العشق العذري وليس الافلاطوني وتبدا تلك النقطة الحدثية في قول الكاتب

كيف الارواح اذا احبت ؟

تساؤل من رسول الشعر المشخص ها هنا في صورة مشهدية مع الكاتب حيث يطالبه ذلك الرسول بوصف الحب الروحي (( الكهنوتي )) وهذا التساؤل يجعل الكاتب في معرض الخيال (( الرمز العشقي عنده )) ومن خلاله يحاول ان يجيب وبه يتفرع الى عدة مداليل يراها الكاتب منطوية في ذلك السؤال وبحسب هذا ينقسم النص الى اربعة اقسام رئيسية

القسم الاول : (( رحلة مع رسول الشعر )) تنتهي بالمقطع (( بلا اوتاد ))

القسم الثاني : (( تساؤلات من الكاتب )) تبدا بقوله (( ماذا اقول لوجه كف الله تحرسه )) الى قوله (( كعناقيد لوز تتفتح لوصالك ))

القسم الثالث : (( رؤية الكاتب للحب الروحي )) تنتهي ب (( شقشقة زهرتين متعانقتين ))

القسم الرابع : (( هوية الكاتب )) وما يريد قوله في خضم هذه التساؤلات



يتحرك النص في بعد يخلو من الزمن والمكان في حديث مشهدي مع (( رسول الشعر )) ذلك الحكيم الذي يريد ان يرسم للحب ابعادا تكاد تختفي في وقتنا الحاضر فهو يقول ان الارواح هي التي تحب وليس الاجساد حتى تكون الحبيبة (( نبية )) وهو ايحاء بالتنزيه ونرى هنا تاكيدا من الموروث الديني لتاكيد هذه الحقيقة

(( يتنفس الحب من قميص انثى )) قصة النبي يعقوب والنبي يوسف

ومع ذلك البعد الكهنوتي نرى الكاتب الانثى يجعل من المعشوقة ( اله ) وهو ضدية العدم فعلى العاشق ان (( يعبدها ))

(( في محراب معبودة العينين ))

وحتى هواها هو (( الايمان الراسخ ))

مع ملاحظة ان الضدية هنا تصل الى ذروتها في قوله

يرق قلبها لصبٍ ساجدٍ

بصفاء جوهره لرب العباد

فهنا يكون (( العاشق )) في ضدية الهين ورسولين وعليه ان يعبد الالهين وياخذ من منهج رسول الشعر والنبية (( الهوية ))

وهذا الحدث المشهدي يجعلنا نشعر بالدوامة الايحائية لدى الكاتب وكيف يتعامل مع المضمون بشيء من التشتيت الذي فرضه عليه الرؤية الكهنوتية فمن باب التوحيد الديني يقفز الى قيمة المعشوقة وانها يجب ان تكون اله بحيث لا يوجد لها شريك وكانه ايحاء لرفض فكرة التعدد الانثوي فالعاشق حتى وان كان جوهره لرب العباد فلا يجب ان يطبق أي تعدد واعتبر هذا الضد من الطف الضديات التي وفق فيها الكاتب في الوصول الى مضمونه رغم صعوبته ومع كل تلك المعطيات التركيبية يدخل الكاتب الانثى في حيرة في امره فكيف يمكن ان يجمع العشق بين اله (( الانثى )) و نبي (( الذكر )) وكانه حكاية من اساطير الحضارات السابقة وكيف يمكن ان يعبر مع شخص هو موحد ديني بدلالة قوله

ماذا أقول لوجهٍ كف الله تحرسه

وهو رجوع الى الطبيعة مع حذر في القاء المضمون فكيف يستطيع الكاتب ان يهرب من عشقه لهذا الزاهد الذي يرى فيه الانثى (( الالهة )) وهل تبقى لهذه الانثى مساحات من لغة للجسد فيجب ان يكون جوابها منطبقا مع مضامينها القدسية

كيف يستحيل شعره تسابيح انبياء

صورة اخرى من حيرتها بل هي من اشد مكامن الحيرة لانها تخالف الطبيعة في اللقاء ولهذا نجد الكاتب يحاول تدوير المضمون في دوائر متعددة عله يصل الى اجابة تقطع كل تلك المتهات التي وضعها في طريقه فكيف ستصمد هذه الالهة الانثى وهي

طيف يزاحم الشرود على وجهي

فوجهها الملائكي يبدو عليه الشرود وهي تستعد لهذا اللقاء وانى لها الصبر في اخفاء ما تشعر به تجاه (( الرمز )) فماذا سيقول له عن

(( الشوق الضامئ )) و (( القرط المشتعل بالبنفسج )) (( ونفحة الهيل التي تكوثر الانفاس )) وتلك الابتسامة التي يرسمها الزاهد على ثغره

وهي كلها ايحاءات الشوق الجسدي فضلا عن الروحي القدسي الذي يصرخ به مكررا فالجو المشحون بهذه الطاقات يجعل من الامر مستحيلا بين الهة ونبي هذه كلها اذا جاءها الرمز (( متسائلا )) فكيف اذا جاءها

ماذا أقول له لو جاءني بلهفة

وهذا الالتفاف الدقيق يعطي للنص بعدا اعمق في العشق القدسي الذي يكاد يكون مهددا بالخطر نتيجة كل هذه المشاعر التي تجيش في الكاتب وتكاد ان تاخذه الى حيث تريد من فك العنان واطلاقها حرة لا تابى لصدى الكهنوت ولعل اهم مضمون ما نشاهده بحركة الضدية هو تحول العاشق الى (( اله )) والمعشوقة الى عابدة منادي اياه

لبيك يا شراعا يبحر ملء دمي

فها هو الكاتب يعكس الادوار في دقة غاية في الدهشة متنقلا بين الصور بسرعة مضمونية عالية تجعل المتلقي يبحر في المعنى فكانها تريد ان تقول كلما اقترب (( الرمز )) منك جعل الامور تاخذ مسارا اخر ففي البعد يكون الاله غيره في القرب بل ولا ضير في ذلك ما داما يحبان بعضهما وكانه رضا بكل شيء قد يحدث فهناك تختفي الالهة والعابدين ولا يبقى شيء سوى الحب بمفهومه المقدس وبذلك ينقلنا الكاتب الى ذلك الحب الذي يجعل من الصعاب شيء ممكن حيث يقول



هي الأرواح إذا أحبت

يسيل هواها الى خفق الفؤاد

حيث يكون مرجعها الفؤاد ولا علاقة للامر بالسماء ولا بالموروث الديني بل يبقى ذلك الموروث مجرد وسيلة للفهم ما دام المجتمع لم يفهم من حضا رته سوى تلك المفاهيم التي علقت في ذهنه لقرون عديدة وكيف يمكن ان يوصل الكاتب فهمه للحب اذا لم يستعن بالمورث الديني وهو ما يتضح بقوة في كثير من فقرات النص ويكررها حتى تصل بكامل مضمونها

(( تصلي ، نوافل ، قصة النبي سليمان والهدهد – ايحاء لقصته مع بلقيس - )) كل هذا تذكره لتركيز ما تريده

وتتضح هوية الكاتب في القسم الرابع مؤكدا لما تم ذكره فهي تخاطب (( الرمز – المعشوق ))

أنا يا سليل النور

فهي تقول له (( يا ابن النور ))

نفسي مطمئنة في رحاب الهوى

وهو اعتماد الموروث في التدوير المكرر لما تعتقده هي في (( الحب ))



دالة اللغة :

1 – جاءت اللغة بسيطة غير معقدة ولم تستخدم لفظ غريب سوى اللفظ الاعجمي (( ريناد )) وهو ما يشير في بلاد الشام الى نوع من العطر .

2 – استخدمت الكاتبة التركيب الصوري البلاغي بالتكرار الذي تراه مناسبا لتوظيف فكرتها بما يناسب ومعتقدها في الامور القلبية والمشاعرية

3 – استخدمت الكاتبة التركيب الجملي الانشائي وهو ما يناسب الموضوع



دالة خارجية

في ظل ما يواجهه المجتمع من ضياع للقيم الشعورية بسبب اهمالها والاكتفاء بالرغبات الوقتية وانصياع الشباب العربي لمفاهيم غريبة لا تنسجم ومعرفة المبدا الشعوري فاصبح الكذب جائزا في الايقاع بالشعور متناسين ابسط القيم الانسانية جاءت الشاعرة لترجع تلك القيم مكررة عليها بما يلاءم حجم ذلك الضياع وهي رسالة ايحائية لكل شخص يفهم الحب بمعناه الصحيح

ان الشاعرة المتالقة ليلى ال حسين

تأوي الى حقول العشق كبساط أخضر

بمفرداتها الانيقة ومضمونها الاصيل لتصل بنا الى ابداع لا حدود له

لكم المجد مرفلا

















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن