الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اطروحات حول المسألة الطائفية في العراق

عواد احمد صالح

2006 / 3 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


1. لابد ان نعترف بان الطائفية في العراق –بعد الاحداث التي اعقبت تفجير قبة مرقد سامراء – أصبحت "مسألة" اشكالية ومعضلة خطيرة ومعقدة تنذر بعلائم حرب اهلية شاملة .
2. ينبغي ان تطرح المسألة الطائفية على صعيد تاريخي – اجتماعي – سياسي .
3. تاريخيا ، ولدت الطائفية من رحم الصراع السياسي على السلطة منذ العهود الأسلامية الأولى والذي تولد عنه بناء فكري ومذهبي نشأ على اساسه صراع بين مختلف الفرق والجماعات الاسلامية ادى الى تقسيم المجتمع الى شيع ومجموعات موالية لهذا الطرف او ذاك . ذلك هو السبب الرئيسي لنمو الطائفية المذهبية والدينية والتي توطدت ملامحها فيما بعد نتيجة لقمع الانظمة الحاكمة ومراحل التسلط والأكراه والتي ادت الى تحجيم والغاء العقل والوعي لدى عامة الناس وتكريس الولاء المذهبي والتعصب والتخلف .
4. من ابرز ملامح الطائفية في العراق " الخاصية الثقافية " للطائفة الشيعية فكرا وسلوكا وممارسة والى حد ما خاصية الموقع الجغرافي .
5. هناك نوع من الأصرار التاريخي على تكريس فكرة "المظلومية " وعقدة الاضطهاد التي انتجتها وروجتها المؤسسة الدينية الشيعية والتي ترتب عليها نوع من الأنعزالية ورفض الاندماج في المجتمع العراقي ثقافيا وسياسيا . ومما عزز التمسك بالهوية الطائفية الالحاح دائما على البعد التاريخي الذي يتمثل في :
- التركيز على مظلومية "آل البيت" وخصوصا اغتصاب الخلافة من علي بن أبى طالب وفيما بعد الموقف المأساوي لمقتل ولده الحسين الذي سعى الى استعادتها .
- احتكار السلطة من قبل المذهب السني الذي تحول الى مذهب الدولة الرسمي طيلة حقب مديدة .
6- وبمرور الوقت تحول المذهب الشيعي الى مؤسسة ايديولوجية اجتماعية سياسية ذات بنية طبقية رأسمالية يشكل فيها رجال الدين شريحة أرستقراطية تتمتع بأموال الخمس المفروضة على فقراء الشيعة وأغنيائهم وتمتلك فيها المرجعية الدينية السلطة الروحية والزمنية بواسطة احتكار العلم والعصمة في الاجتهاد والسيطرة على الجماهير بواسطة الشعائر والطقوس .

7- بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 لم تستطع الحكومات العراقية المتعاقبة الأقطاعية – العشائرية ، والبرجوازية القومية ترسيخ ثقافة وطنية وانسانية وتقليص النزوع الطائفي بسبب سعي رجال الدين الشيعة للمحافظة على الخصوصية المذهبية خوفا من فقدان امتيازاتهم المادية وسلطانهم الروحي من جهة ومن جهة اخرى بسبب السياسات القمعية وعدم تطوير البنية الاقتصادية والاجتماعية والحروب التي خاضتها ، في الداخل والخارج وابرزها حروب نظام صدام ..ومع ذلك فقد شهدت حقبة السبعينات 1970 –1980 انضمام كثير من ابناء الشيعة الى حزب البعث الحاكم حيث كان 68% من اعضاء الحزب من الشيعة وفقا لأحصائيات دقيقة ..اما تمزق النسيج الأجتماعي فقد حصل في فترة الحصار الاقتصادي وبعد حرب الخليج الثانية بسبب تدني المستوى الاقتصادي والاجتماعي والإفقار العام ونتيجة السياسات الخاطئة والمتطرفة لنظام صدام مما تسبب في اضعاف الوعي الوطني والإنساني وتحوله الى مجموعة ولاءات قومية عشائرية مناطقية طائفية .

8- ادى الفراغ والكبت السياسي الذي حصل في عهد صدام الديكتاتوري وبعد تصفية جميع الاحزاب والقوى السياسية اليسارية والقومية والديمقراطية ، وفي ظل أجواء الحروب والقمع والحصار الاقتصادي وهيمنة الحزب الواحد الى لجوء معظم الناس الى الدين والقدريات كتعبير عن النكوص والانهزام والإحباط والبحث عن العزاء في مواجهة عسف الديكتاتورية وحروبها الكارثية بمعنى ادق لجوء الفرد الى المذهب والعشيرة والمنطقة في محاولة للتخلص من أزماته الاجتماعية والنفسية وضعفه أمام جبروت النظام الحاكم ،لقد ساعدت سياسة النظام السابق وتقلباته في مختلف المراحل على تصدع بنية المجتمع العراقي لصالح تكريس الانقسام الطائفي والعرقي والمناطقي والعشائري .
9- تراجع حركة التحرر الوطني العربية والثورة الفلسطينية بعد مشاريع التسوية مع اسرائيل التي اعقبت حرب اكتوبر عام 1973 وصعود الفكر الديني المسلح منذ عام 1979 وهو عام قيام "الثورة الأسلامية " في ايران حيث مارس الخطاب الأيديولوجي الديني المزوق بعبارات الثورية التي سرقها من خطاب اليسار مارس دورا بالغا في تصعيد موجة المد الطائفي الديماغوجي في المنطقة العربية والعراق خاصة واعادة نفخ الروح في ضمور الفكر الديني السلفي ... وقد ترافق ذلك مع الضعف والشلل والوهن الذي اصاب التيارات والأحزاب الديمقراطية واليسارية والعلمانية والقومية بعد انحسار البعد القومي للقضية الفلسطينية اثر تنصل الحكومات العربية البرجوازية والملكية العاجزة عن التزاماتها القومية .. اذ تحولت الى قضية قطرية "فلسطينية محضة" وبعد موجة الأحداث والحروب التي ضربت المنطقة : الحرب العراقية الأيرانية ، غزو اسرائيل للبنان لضرب الثورة الفلسطينية عام 1983 ثم حرب افغانستان وظهور بوادر تفكك الأتحاد السوفييتي منذ عام 1986 وانسحابه من افغانستان ، كل ذلك كان بمثابة اكسير الحياة للتيارات الدينية السياسية ، وقد بلغت ذروة المد الديني عقب احداث 11 سبتمبر عام 2001 في الولايات المتحدة ، كل هذه الأحداث والتطورات شكلت الأطار المحلي والعالمي لما يسمى الأنبعاث والصحوة الأسلامية التي دعمتها وعززتها المخابرات الأمريكية منذ عام1987 (يذكر فهمي هويدي وهو كاتب اسلامي مصري ان المخابرات الأمريكية مولت 120 مؤتمرا عن الصحوة الأسلامية شارك هو في 15 منها دون ان يعلم ) وقد اعطت تلك الصحوة دفعا هائلا لنمو الميول المذهبية والطائفية الضيقة .سواء في العراق او بقية دول المنطقة .

10- كان انهيار الاتحاد السوفييتي في كانون الأول 1991 بمثابة فشل للمشروع الاشتراكي الأممي كما شكل انكفاء دور ما يعرف بالأنظمة القومية العربية التقدمية وتحول معظمها الى أنظمة ديكتاتورية مغلقة غارقة في هموم ومشاكل قطرية ..بمثابة فشل للمشروع القومي العربي الوحدوي مما حفز التيارات الدينية السياسية والمذهبية لطرح نفسها كبديل سياسي في المرحلة الراهنة .
11- " الحملة الأيمانية " التي قادها نظام صدام خلال سنوات الحصار الاقتصادي في التسعينات ساهمت بشكل فاعل في اعادة رسم صورة "الأيمان الديني" في اذهان شرائح واسعة من المجتمع العراقي والتي رافقها تضييق الحريات العامة وحرية المرأة ومنع وسائل الترفيه واللهو ومحاربة الفكر العقلاني والتقدمي في سياق احادية فكرية كان يمثلها صدام ، وتوسيع دور الشيوخ ورجال الدين وزيادة عدد المدارس والمعاهد الدينية ، كل هذا ادى الى بعث الدين بأشكاله الطائفية والمذهبية في الاتجاهين السني والشيعي .

12- بعد الأحتلال الأمريكي البريطاني عام 2003 تعمقت هوة الطائفية واتسع نطاقها في الممارسة السياسية العملية بشكل لم يسبق له مثيل وذلك بدفع من سلطة الأحتلال التي قامت بتقسيم العراق على اسس طائفية ومناطقية وتشكل مجلس الحكم في عهد بريمر على اساس المحاصصة الطائفية والقومية والعرقية وتم ذلك وفق سياسة "فرق" تسد الأستعمارية القديمة ، ومع تقدم مايسمى بالعملية السياسية في مراحلها المختلفة تعمق النزوع والتقسيم الطائفي بسبب وجود احزاب وقوى ومنظمات دينية تمثل الطائفتين وتتبنى الخيار الطائفي بشكل واضح وصريح ، وقامت تلك الأحزاب الدينية في معمعان الصراع على السلطة وفي ظل اجواء تنامي الأرهاب التكفيري السلفي وبمباركة قوى الأحتلال باضعاف وتحجيم دور القوى الديمقراطية الليبرالية واليسارية التي تتبنى المشروع الوطني اثناء العملية الأنتخابية الأخيرة التي جرت في منتصف كانون الأول 2005 هذا اضافة الى جوانب القصور الذاتي التي تعاني منها القوى الديمقراطية والوطنية وعدم قدرتها على تقديم برنامج وطني مشترك مناهض للأحتلال والطائفية مدعوم بارادة شعبية واسعة .
13- من الأسباب المهمة لتنامي الطائفية بروز دور رجال الدين السنة والشيعة وتدخلهم في السياسة بناء على فتاوى وآراء قطعية مما ساهم في تعقيد الوضع السياسي والأمني وادخل الغالبية غير الواعية سياسيا من الشعب العراقي في بلبلة فكرية وحيرة مزمنة في ادراك أي المواقف اصح واحسن وتنسجم مع الشرع !! ...وليس مع متطلبات الظرف المحلي والدولي وقد تم اخضاع الواقع المتحرك لثوابت الدين وغاب دور السياسة والمرونة خاصة في الجانب السني .
14- لعب الأرهاب السلفي التكفيري الوافد من دول الجوار والذي استند الى قواعد تتركز في المناطق السنية دورا اساسيا في تعميق الهوة الطائفية وقد تركزت نشاطاته وافعاله على قتل العراقيين العزل والأبرياء .. مستخدما سياسة التخوين والتكفير وقد ادى ذلك الى الفرز والاحتقان الطائفي الشديد واتهام الشيعة للسنة باحتضانه ودعمه ..مما عمق اجواء الريبة والشك وعدم الثقة بين الجانبين .
15 – تدخل دول الجوار السافر في شؤون العراق وخاصة ايران التي تدفع باتجاة إدامة الاضطراب والتوتر في العراق عموما لأسباب متعددة وخاصة في المناطق السنية بهدف إبعادها عن العملية السياسية وتركها تغرق في مستنقعات العنف والفوضى ، ودعم نزوع الشيعة وطموحهم الشديد للأنفراد بالحكم تحت ذريعة الأغلبية والاستحقاق الانتخابي وعن طريق الدعم الأمني والعسكري .
16- لعب الأعلام العربي دورا سلبيا في تقسيم الشعب العراقي الى طوائف ومذاهب واثنيات اثناء تغطيته للأحداث السياسية وعمليات العنف والأرهاب الدائرة في العراق حاليا ..وقد لعبت الفضائيات العربية دورا مكملا لما فعله المحتل بتأكيدها على الخصوصيات المذهبية والعرقية والقومية .

نقد الطائفية في العراق

1- نشأت الطائفية نتيجة للتخلف الاقتصادي والوعي الاجتماعي الساذج والبدائي في المراحل التاريخية الماقبل حضارية ، البطريركية والعشائرية والإقطاعية وفي ظل سيطرة انظمة دينية اوتوقراطية تستند الى السلطة المطلقة للفرد بموجب تفويض الهي واتخذت طابعا سياسيا نتيجة الصراع على سدة الحكم .
2- تفسر " الأيديولوجيا" الطائفية وقائع الحياة والطبيعة والمجتمع تفسيرا زائفا ومغرضا ومجافيا للمنطق العلمي ، وتدعي انها تحوز على الحقائق المطلقة والعلم الكلي والعصمة الفكرية والاجتماعية.
3- تركز اهتمامها على مشاكل المجموعة البشرية التي تمثل "الطائفة " في معظم الأحيان على حساب مصالح المكونات والمجموعات البشرية الأخرى وتعايشها الإنساني . أي على حساب مجموع الشعب ككل .
4- تنمو في البيئات الاجتماعية الأكثر بدائية وتخلفا حيث يسيطر الجهل والأمية والأنماط الحياتية البدائية وتنتشر في أوساط الشرائح الدنيا من المجتمع .
5- تحاول المجاميع والمليشيات المسلحة الطائفية فرض اجندتها وافكارها بالقوة والعنف وهي غير معنية اصلا باحترام خيارات الآخرين وانتماءاتهم الفكرية والمذهبية والسياسية وهي تمارس اساليب الضغط والأكراه والقتل لفرض تلك المعتقدات المغلقة والمتعصبة مما يتسبب بالحروب والنزاعات الاهلية المسلحة التي يذهب ضحيتها مئات الأبرياء ممن هم خارج دائرة الصراع السياسي والتي يرافقها دائما عمليات ترحيل وتطهير طائفي ومذهبي وعرقي .وكثير مما حدث ويحدث في العراق اليوم ينطبق عليه هذا التوصيف .
6- "تعتبر الطائفية اكثر اشكال الوعي الأجتماعي تخلفا " على حد تعبير دقيق وصائب للكاتب فاخر جاسم وهي تؤدي الى افدح الأضرار بمصالح النضال الطبقي والوطني الديمقراطي ، لحركة الطبقة العاملة واليسار عموما وتنحرف به وتحيله الى اشكال بدائية ساذجة ومتخلفة مناهضة لحركة التطور التاريخي وللبعدين الأنساني والوطني .
7- ان التجليات والنزعات الطائفية من أي طرف جاءت مدانة ومرفوضة لأنها تقسم المجتمع الى طوائف متعارضة ومتصارعة وتقسم الوطن الواحد الى جغرافيات "فيدرالية " تكون مختلفة الأهداف والمصالح وتؤدي الى تغليب الهويات الجزئية المحلية على الهوية الأنسانية والوطنية الشاملة . والتنظيمات السياسية الطائفية التي تمثلها تيارات الأسلام السياسي اليوم تحت مختلف العناوين والأشكال .. تتصارع وتتنابذ من اجل مصالح سياسية وسلطوية ضيقة وهي غير معنية باستقلال الوطن ووحدته وطرد الاحتلال .. بل هي تترك الشعب المسكين يغرق في مستنقعات العنف والفوضي وانعدام الخدمات والأمان .. يواجه اقداره التعيسة بضعف واستكانة .
8- ان البديل السياسي الوطني للطائفية هو اتحاد جميع القوى التقدمية والديمقراطية على برنامج قواسم مشتركة في اطار مشروع وطني عراقي يتبنى الثوابت الوطنية العراقية وهي وحدة العراق ارضا وشعبا ، المواطنة هي الأساس والبديل للهويات الفرعية الطائفية والعرقية والدينية ،جدول زمني لخروج قوات الاحتلال ، تعديل الدستور وتأكيد طابعه المدني والعلماني ، فصل الدين عن الدولة ، الفيدرالية لكردستان فقط ، لافيدرالية في الوسط والجنوب ، حكومة مركزية قوية ، بناء الجيش العراقي والقوات الأمنية على اساس المواطنة والوحدة الوطنية خارج الانتماءات السياسية والحزبية والولاءات الطائفية ، المساواة التامة للمرأة مع الرجل في جميع الحقوق ، دعم تطلعات الشبيبة والنساء الحضارية والديمقراطية ، لا مكان للمليشيات الحزبية والطائفية وتطبيق سلطة القانون على الجميع .

9-3- 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -