الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انطباعات أهل المدينة الغامضة

سعيدي المولودي

2018 / 4 / 21
الادب والفن


انطباعات أهل المدينة الغامضة
* انطباعات "سِيدِي بُويْغْصَانْ":
تأتي هذه السنون، صورة لقيامات صغيرة تمشي على الريق. سرير واحد يعيش ظلامه في رصيفها الجريح، لا يقودني إلى الصحوة الأولى. جاء حارس الغابة وانتهر الجبال وأمسك بمفاتيح العشب وصرخة الطير. قال لا تنطقُ هذه الأحجار عن الهوى. أشدُّ قسوة من السيل.
أفْلَتَ الهواء من فخ الهبوب، يا سيد الجسد الراسي لماذا تبكي عرصات الغياب، وتجعل من رمادها مغنما. يستعصي هذا الوقت على الفهم، على افتراض أن المدينة تدك نبوءاتها في الجدار، وبقاياها الشاردة تردد حكايات غامضة تسكن فراغها القادم، تحكي عن خيول جامحة تتقاطر في فجوة صباح من معدن رخيص.
الشجرة تُقاسمني وجهي.
لولا سرُّها بين يدي، خرجتُ من بين عناكب الشهوة، واقترنتُ بالجنية الخرساء التي تراودني كالموجة.أقول لها : يا أمي الطاعنة في الشكل، إني أنهض عاريا من مصبك كي تستحم أقدامي أو تستريح على ذكريات الدوم البلدي ، النخيل الزاحف المكتنز باليقظة الزرقاء.
اشتهيت جذوري الهاربة، الموروثة كالفخار، أنا من اكتشفت خوفا عريقا يجتاح عظامي ويناديني: توغَّلْ في طواف الجهات حارسا ينابيعها، لن تكون هناك أرض ، لن تكون هناك سماء، لن يكون هناك ليل أو نهار، لن يكون هناك موت أو حياة، لن يكون هناك قبلٌ أو بعدٌ، ستهتف القبائل باسمك البائس ، الواقف كبقايا رميم عظام حزينة.

* انطباعات الراعي الأول:
يلقاني نهر هذا القطيع، ما يزال أنسي، أسافر في مداه الملقى، يدخل هذه الأزمنة المهجورة، ولا ماء يعلو، يتصاعد الحنق اليابس ويملأ نسيج العثرات، تتنكَّسُ الأهواء المسدودة في هاتيك الليالي الموقدة ولا يد تلوِّح على الضفاف. نامت الجسور على برودة النبال. وخرجت أنا لهذه الحياة الغريبة، أسأل المعابر الطويلة والمطر المهشَّم والربوات الراكدة. حيث القوافل العمياء تمر تباعا، محملة بالعطور والأرياح والسياسات الصدئة التي تقطف شهوة الأرض.
إني الراعي الوحيد، في هذه التخوم، أسكن هذا الليل المقمر، تكسوني أسواره وتجري مواسمي لمستَغِلٍّ لها، حيث تسقط مدائح البحر وتخذلني هذه الديموقراطية التي تصلني باللحطات المريبة، وتجعل الكون هادئا كالأعصاب أو الأنصاب.
قابلْتُ السماء، خوذةَ الأجداد، وكانت النجوم هاربة من حضنها. سمعت صوتها يناديني: أيها الراعي المتشابك الخطوات، كُلُّ ملامحك تتجمع على حافة القطيع، أنت الساعي، وكل ساع مسؤول عن سعايته.

* انطباعات المقاتل:
أحمل هذا الجرح الغامض، والموت الفائض، تجاورني الصدفة أو الضرورة، ولا يرتبك حد السيف في جلدي، على مبعدة من الصمت أعانق اللون الأخير، الرمق الأخير، الغيم الأخير في اتجاه الشرق العاطل، وأقرأ العالم في قبضتي ليكون مأواي في متاهة المطاف. أنا في داخلي أصرخ في وجه الكهف، وأغرف من سواقي السواد، هل أنا أسود لهذه الدرجة من البياض؟.
أعبر سرب هذه الفلوات العشر، حيث تتراص بيوت الأعداء، وأكلمهم واحدا واحدا، أعرف أنهم سيموتون كأعشاب الخطيئة، ولكنني أخاف ظلالهم، لذلك غير ما مرة أردت أن أكون القاتل، المقاتل، وفارس الأساطير القديمة.

* انطباعات "سِيدِي بُوثــْزْڴـَّاغْثْ":
خذ خيطا من هذه الغابة، واغزل بها قارة من الأحلام، قليلا من الشبة والحرمل، وامزج الخليط بين راحتيك، ستسمع صهيل الصيادين ورفرفة الأحزاب البرية والبحرية، وسترى كل شيء يتغير بإذن الغبار،حيث يمضي الأقوياء إلى مزارع البهاء، والأغنياء إلى الحسابات الثخينة، وتنتشي الخرائط بريشها، ويهرب الفقراء للمفازة. وسترى أن المقابر بوسعها المضي بعيدا حتى آخر الصوت، وأن القلوب القاسية ستربح النزال، وتتوعدنا بصناديق الاقتراع.حيث تقام الصلوات الحمراء على الغائب.
أنا واثق من هذه الطبول، من هذه السنابك، وضيعات الحشائش والبخور العنيدة.من هذه الكرامات أضحى العبيد أسياد الوقت والطريق، وليس كمثلها شيء.
مطر أحمر يسقط على المدينة. وأهلها الغرباء أشد اشتعالا. لا نراه، ولا يرانا، في هذا الضريح المطفأ يلزمنا الكثير من الضلال كي ندرك معنى المدينة.
خذ شعرة من هذه العانة البلاد، واغرس تفاصيلها في الجمر، سترى رياحين اللذة في تكة الروح، قل الروح تجاورها الطرائد، ثمة ستلقى قلب امرأة، باقة حبر قانٍ، وسنديانة من هذيان تضج بأحلام غريبة، ودعاة الفتنة يمشون على الماء. ولا أحد يبالي.

* انطباعات الأرملة:
أيها الرمل البارد. لماذا تتلبَّس بالصحراء، وتخفي وجهك في لوعة السراب.

* انطباعات "الفلاح وأعوانه":
يسألني الحقل عن خاصرة الخصب، عابرا ليله متدفقا يواصل خط الماء، الْيَسْرِي في ملامحه بالغ الدقة.. ريما الآن فقط عرفت المدينة، صلصالها ومرعاها، ونهرها الذي يولد فيها. لا تعدو أن تكون جبلا صغيرا، وجد على هذا النحو: أبواب موصدة، معابر مثقوبة، حدائق كئيبة.. كنا نمشي لها صغارا، حفاة، ويلقانا الملح والهواء المستعار.
أنا مستاء ،
وعندي دمعة،
سأسقي بها أرخبيل الصمت البور، وأستبدل الخوف بالخوف، أيا كان ما سأجنيه من الحقل حبة خردل أو صاعا أو ذراعا من شعير.
يا إلهي، لماذا هذه المدينة لا تفضي للحقل.

* انطباعات " سِيدِي بُولُوحُوشْ":
يا أشياء الله الحسنى، تقدمي خطوة، ضعي يديك على صدري أو قبري، اقتربي قليلا من نافذتي لتعرفي الطريق للخراب. أنا مملكة جدباء تأخذ بخناقي، أحزاني المؤجلة مخبوءة في كف عفريت، تأتيني الوحوش في موعدها، موسم التوارد، يتضاعف هلعي وأنا أبحث عن المفتاح السري لهذه المدينة حيث النساء حبلى بالغموض، والطرقات مأهولة بالغموض، والرمان يخرج من دورة الغموض.
يا أشياء الله الحسنى، تطاردني الوحوش، كأني سيدها، شديد السطوة، أشد تاريخي بعمامة فوق السرج، إذ لا يمكنني الخروج من الخوف. والنساء البدويات الجميلات يصعدن قمتي، أنا الجبل العتيد، يتوسلن النسل البعيد، ويدخلن الغابة الغامضة حيث الزلازل ترقب خيط الحسم.. لكن السوق كاسدة والوحوش غاضبة تهدد في كل لحظة بالهجرة نحو الأكمة البعيدة قبل صلاة الفجر.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنا والست والجيران?? علاقة ممتعة بين مزاج صلاح عبدالله وصوت


.. كل الزوايا - الفنان أيمن الشيوي مدير المسرح القومي يوضح استع




.. كل الزوايا - هل الاقبال على المسرح بيكون كبير ولا متوسط؟ الف


.. كل الزوايا - بأسعار رمزية .. سينما الشعب تعرض 4 أفلام في موس




.. رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة يوضح الاستعدادات لعرض افلام