الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراقيون في كتابات العقاد

مهدي شاكر العبيدي

2018 / 4 / 23
الادب والفن


عراقيون في كتابات العقاد
مهدي شاكر العبيدي
اوستن-تكساس

ولا أعني هنا بالتعريج على المساجلة الحادَّة التي جرَتْ قديما ً بين العقاد ومصطفى جواد بشأن مسألة لغوية عويصة خال كلُّ منهما نظيره مخطئا ً فيها ، ونجمَتْ عنها ضروب من القدح والزِّراية بالآخر وظلتْ لحدِّ الآن مثلا ً لإيغال حتى الكـُتـَّاب المجتهدينَ في التخلي عن تماسكهم ورصانتهم ، وبقيَتْ حديثا ً متناولا ً في المحافل والأسمار ، ولا على الحديث عن ذلك المواطن العراقي القاطن في العشرينيات من القرن الفائت بالقرب من سوق الصَّدرية ، والذي أفضى إلى العقاد بحيرته بين أنْ يؤثر القديم أو الجديد من مصنفات الأدب ليتقوى إمكانه على الكتابة ويسلس له البيان ، حتى ولا أعطف الحديث وأجعل مداره على الزهاوي في مُخاصِمِه القديم بصدد الجاذبية وما في السَّماء من شهب ومجرَّات ، بل انزع إلى التنويه السَّريع بنخبة من الأدباء المحدثين ممَّن بهرهم العقاد بسعة معارفه وغزارة نتاجه ، فضلا ً عن رصانة تعبيره واكتناز جمله بمحصلات من المعاني والتأمُّلات والأفكار ، على ما قيل بصدد لغته وطريقته في الأداء كونها عسرة جافة وعادمة للرواء والخلابة ، ومتوخية فرض حججها في أسانيدها عليك فرضا ً بلا أدنى اعتراض وتردُّد في قبولها ، فراموه بأسئلتهم واستفساراتهم مسترشدينَ ومستأنسينَ بآرائه وتوجُّهاته بصدد مسائل شتى شاغلة لوجدان عموم المثقفينَ والمستنيرين .

ولعلَّ أقدمهم جعفر آل ياسين ( الدكتور ) الذي انتظم في عداد الدَّارسين الفلسفيينَ ، فقد وافاه برسالته المحرَّرة في 16 / أبريل / عام 1945م ، مستفهما ً عن ماهيَّة الرَّمزية في الأدب وهل يترتب على شيوعها نتائج مضرَّة بمستقبل الآداب ، فيردُّ عليه ردا ً مطولا ً لا يخلو من الاستقصاء الفلسفي في تبيان دوافعها وغاياتها ، ناعيا ً عليها دعوتها العوجاء لإنكار الوضوح لأنـَّه وضوح وكفى ، وإشادتها بالتعمية لأنـَّها تعمية وكفى أيضا ً ، ومسجِّلا ً للأدباء الفرنسيينَ سبقهم إلى هذا المنحى في التأليف والكتابة المستوحية للوعي الباطن الذي اكتنهه علماء النفس في الزَّمن الأخير .

ويستهدفه ألفريد سمعان من ثانوية البصرة في أمس ِ البعيد بسؤاله حول جواز الاقتصار على مطالعة كتب المحدثينَ دون مجاوزتها إلى المصادر المتوارثة عن العصور الماضية ، وجوابه عليه أنَّ سؤاله مفيد ، وأنَّ الاكتفاء بأدب العصر الحاضر مستطاع ولكن ليس بأفضل الحالات ، لأنَّ في النتاجات الفكرية والأدبية المأثورة توسيعا ً للمدارك وغنىً للأفهام ، فضلا ً عمَّا يستتبع ذلك من معاونة الأديب الناشئ أو المتمرِّس معا ً على تعرُّف الصِّلات الرَّابطة بين العصور المختلفة والأقطار المتباينة التي يزدهر فيها أدب أمَّة من الأمم الحيَّة .

وثمَّة صنف ثان ٍ من الأدباء العراقيين ترد أسماؤهم في كثير من مقالات العقاد معرفا ً بمؤلف لأحدهم وداحضا ً لرأي يرتئيه ووجهة نظر يعتنقها بصدد واقعةٍٍ تاريخية أو حادث سياسي ، ودور الأفراد فيه وتكييفه وفق شاكلة معيَّنة ، يتصدَّرهم هلال ناجي بمناسبة صدور كتابه ( الزهاوي وديوانه المفقود ) بالقاهرة بداية السِّتينيات من القرن الماضي ، مثنيا ً عليه من ناحية توسعه في أبوابه وتناوله مباحث شتى عن الشَّاعر الفيلسوف أو المنتحل للفلسفة وما كتب عنه غير ديوان ( النزغات ) وهو الديوان المفقود ، ولا يفوت القارئ ملاحظة مدى الاحترام والمهابة معا ً ممَّا يخصُّ به المؤلف ، لأنـَّه بعث الحياة في أثر إبداعي يكاد يكون منسيا ً ويجري وراءه الدَّارسون والباحثون فلا يعثرون عليه ويتخالفون على حائزه المؤتمن بعد أنْ أرسله ناظمه إلى القاهرة لطباعته ، فانتهى إلى سلامة موسى واستقرَّ بأمريكا لدى الشَّاعر المهاجر احمد زكي أبي شادي ، وما يتحرَّاه مجتهدة القلم في هذا الأثر النفيس ليس الصِّياغات والقوالب الشِّعرية ، فالرَّأي الرَّاجح عن شعر الزهاوي من القطع بتقريريته وتجرُّده من الفنِّ بات مترسِّخا ً ملحوظا ً حتى في وجدان الناشئة والمبتدئين كلفا ً وهياما ً بالمجاوزة والتخطي أو تماديا ً في الإنكار والجحود ، إنـَّما يسترعي أنظار الجميع تلك المنطلقات الفلسفية والآراء المجافية للشَّائع المألوف ممَّا أعلنه وجاهر به ذات يوم ، وطاله مزيد من اللوم والتعنيف ، وهي قوام ما اشتمل عليه الديوان المفقود .

وحصل مرَّة أنْ كتب حارث طه الرَّاوي في مجلة الهلال مقالة بخصوص ما تعرَّض له زكي مبارك من غبن وإجحاف وإبعاد عن المراتب المرموقة المناسبة لمؤهلاته وكفاياته ، فاستتبع ذلك أنْ يطغى العنصر الوجداني الذاتي في كتاباته متحديا ً نظراءه وأنداده أنْ يجاروه في تآليفه الرَّصينة في موضوعات النثر الفني والتصوف الإسلامي وغيرها ، فأنصف نفسه أو انتصف لها من الشَّنأ والحقد ، فردَّ عليه العقاد ردا ً متشنجا ً بعض الشَّيء ، ناقضا ً لما سرده من بعض الرِّوايات المتصلة بمسالك بعض السَّاسة وتصرُّفاتهم في الزَّمن الماضي ممَّا ورد بلسان زكي مبارك وضمَّنه مقالاته ، وجنح الباحث العراقي للاستئناس به دليلا ً على الجهل والعماية والتخبُّط واختلال المقاييس .

يبقى أمامنا اعتراضه على ما استبان في مقالة محيي الدِّين إسماعيل في إحدى الصُّحف المصرية من وجهات نظر مختلفة وذات علاقة بمسائل الفكر والاجتماع مستهلا ً مداخلته بالإشارة إلى أحد أحياء القاهرة الذي يقطنه الكاتب العراقي ويوافي منه صحفها ودوريَّاتها ببحوثه ونتاجاته ، وكأنـَّه كلُّ شيءٍ في المسألة وما يهم القرَّاء معرفته ، وليلاحظ القرَّاء أنـِّي أتهرَّب من ذكر العنوان لأكتوبة العقاد والتفصيل في محتواها ومضمونها ، لأنَّ مراجعي بهذا الشَّأن ليسَتْ بين يدي ، فقد بعْتُ بعضا ً من كتبي في ظروف خاصة ، حاسبا ً أنـِّي لا احتاج إليها البتة .

وبعد فقد كان عباس محمود العقاد في مسيرته الفكرية بمثابة موسوعة غزيرة أو مكتبة متكاملة تسع الجوانب المعرفية من أدب وسياسة وفلسفة وتاريخ واجتماع ، وغيرها من أغراض وشؤون ، واستطاع بدأبه وفتاء جهده ومضاء عزمه أنْ يصير الأدب ونشره في الصُّحف والمجلات حرفة ومهنة مجزية بعوائدها تماما ً شأنها في ذلك شأن المحاماة أو الطب كما يستجلي مريده القديم الرَّاحل لويس عوض ، وخلص إلى أنْ يجعل للأديب المواصل شأوا ً لا يرقى إليه أولاء المتشدِّقون بتحصيلهم المدرسي ، فلا غرو أنْ يزدهي الباحث المعروف بحدود بيئته ومحيطه ، والمتداول نتاجه بين أهله وعشيره أنْ استلفتَ نظر الكاتب المصري الكبير ، وانبرى لمشايعته أو تفنيد ذرائعه ومسلماته ، وهو في كلا حاليه راض ٍ ومغتبط كلَّ الرِّضا والاغتباط .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب