الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خذلان وتأملات أمام المشهد البشري في أرض الكنانة

خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)

2018 / 4 / 23
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


"لكنها تدور...."

منذ أن عدت إلى أرض الكنانة بعد سنوات طويلة من الدراسة والعمل في إسبانيا وأنا أتأمل مذهولًا ما يدور حولي من تصرفات بشرية لا تليق بشعب صنع حضارة عظيممة لا تزال شاهدة على عظمته "قبل الزمان بزمان". مساحة الأرض والعقل ضاقت بما يصبو إليه كل نفس خيّرة وشريرة، لكنها تضيق أكثر أمام الأخيار، الباحثين عن يوتوبيا مشروعة رغم طبيعتها، عن مدينة فاضلة يقطنونها في حياة هي قصيرة بطبيعتها.
ضاقت الرقعة الجغرافية الصالحة للزراعة والسكن بعد عقود طويلة من التوالد كالأرانب وكأننا في سباق نحو تهلكة لا مفر منها سوى تحكيم العقل والمنطق لنصل إلى التطهير حسب المأساة عند أرسطو دون حاجة للولوج في رماد العنقاء المصرية.
لقد أصبحت أرض الكنانة كقفص دجاج وحشرنا أنفسنا فيه حشرًا، وأمام ضيقه أخذنا ننتفش ريش بعضنا، فتنزف دمائنا، في محاولة من كل واحد الحفاظ على مساحته المتناهية الصغر، بينما الريبة والتوجس والخوف من الجار، لهذا يسعى للقضاء عليه، متصورًا أن بقاءه لا يستوي إلى جانب الآخر. ومع التكاثر المضطرد ضاق القفص وضغفت النفوس وتردت الأخلاق وأخذت الغالبية تصنع قوانينها الخاصة بها منذ أن تتخطى عتبة البيت مرورًا بمحطات الحياة اليومية حتى العودة إلى المنزل، أي في قيادة السيارة وقضاء المصالح والعمل والتسوق. لم تعد هناك معايير جماعية إيجابية، فالكل يتصرف وكأننا يوم الحشر.
هناك نوع من القوارض يعيش في جزيرة في محيط، تتوالد بسرعة، وتعيش على العشب في تلك الجزيرة، وعندما تشعر بخطر نقص الطعام تُقدِم مجموعة كبيرة منها على الانتحار غرقًا في مياه المحيط، كي توفر العشب لبني جلدتها، دون أن تلجأ إلى التقاتل بينها على ما ضنت به الطبيعة، الغذاء الوفير. الحديث هنا عن حيوانات وليس عن بشر يتمتعون بالعقل والبصيرة، إدراك الخطر قبل حدوثه.
الخلل كبير وجلي يبصره الضرير. الكل ينكل بالكل، يترصد له، يراقبه تفاصيل حياته من منظورات كاذبة: الدين والوطنية والأخلاق، نتيجة إفلاس وخوف من ضياع المتر المربع الذي يسكنه كل فرد، فيعيش متوجسًا من الآخر. نظرة الريبة تعلو وجوه الجميع، لهذا ترتكب الموبقات كلها خفية رغم تشدق الجميع بالوطنية والدين والأخلاق. انتفى هامش الحرية في الحياة اليومية، لهذا سيطرت الإزدواجية، وفي الخفاء تترعرع المثالب.
كل هذا انعكس على أكثر العلاقات الاجتماعية حميميةً، العلاقة الزوجية، وأصبحت هذه الإزدواجية تخيم عليها، بعد احتراف اساءة استخدام وسائل الاتصال الحديثة، وعبرها تُرتكب تصرفات خفية تؤدي في النهاية إلى تمزق الأُسر، لتنخطى حالات الطلاق في الزيجات الجديدة نسبة تقترب من الستين في المائة.
من يريد أن يعرف أحد مطابخ الداء فليقترب من المنظومة التعليمية، فالطالب يصل إلى الجامعة وقد تأصلت فيه الأمراض الإجتماعية والمثالب الأخلاقية التي تلقاها في محيطه العائلي وصقتلها المدرسة التي لم تعد تُربي ولا تُعلم. ويفترض أن أساتذة الجامعة في غالبيتهم صفوة المجتمع ثقافةً وأخلاقًا، إلا أن الواقع أكثر بشاعة، إذ يمثلون استعارة قفص الدجاج السالفة الذكر، ولا يقتصرون بنتفش ريش بعضهم بل تحزبوا وقسموا أنفسهم إلى طوائف تقتل وتغتال معنويًا وعلميًا من يرون فيه منافسًا على المساحة الضيفة في القفص. أصبح هذا الاغتيال سمة شائعة بين من يُفترض أنهم يتبوأون أخر مرحلة في تلقين الطالب القيم والعلم قبل انتقاله إلى الحياة العملية. لقد نقل بعضهم قاعات الدرس للنيل من الزميل الذي يرتباون منه أو لا يشكل جزءًا من عضوية الطائفة.
تتجلى هذه الصراعات أكثر في الجامعات الخاصة، فكل من أشرف على موقع أو لجنة أو تولى منصبًا إداريًا زاد لديه شعور قفص الدجاج. وهنا تطفو الصراعات المضمرة على السطح وتؤثر على مسار العلية التعليمية. لا يدرك الزملاء في الجامعة أنهم أساؤوا إلى أنفسهم في أعين الطلاب فأصبحوا لا يكنون لهم الكثير من الاحترام احترامًا وإن تظاهروا بغير ما يضمرون. واليوم نادرًا ما يتحدث الطالب الجامعي عن أستاذه باجلال كما كان يحدث في الماضي القريب، ففي حواراتهم يتجلى هذا الأمر، ولم يعودوا يسبقون أسماءهم بألقابهم العلمية.
لا الدين ولا الأخلاق ولا الوطنية تحل هذه المشكلات، فالكل يتشدق بهذه العناصر الحيوية، بل الحل في الحرية والديمقراطية فهي القادرة على اصلاح جزء كبير من ضيق قفص الدجاج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بتوع مين؟
ركاش يناه ( 2018 / 4 / 24 - 04:19 )

بتوع مين؟
_____

كلامك استاذنا يُعد ( الطلعة الاولى ) فى مخاطبة هذه الكارثة ( الانفجار السكانى الحَشَرى ) التى سوف تحرق مصر بما فيها و من فيها

التعداد الامثل لمصر هو 15 مليون مواطن ، بمعنى ان تكون هناك مسافة 10 متر على الاقل بين شمسيتك و شمسية جارك على شاطئ الاسكندرية ... تكون لك مساحة من الحرية لتعيش و تعمل و تُنتج و تفرح و تربى عيالك و تمرح و تحس انك انسان .. و ليس فأر او حشرة او عالة

15 مليون مواطن هم من تحتاجهم البلاد للزراعة و الصناعة و الدفاع و تشغيل جميع مرافق الحياة ( تعليم ، صحة ، مواصلات ، امن ... الخ ) و من جهة اخرى تستطيع البلاد ان توفر حياة كريمة ل 15 مليون مواطن فقط

الدليل على هذا انك ان حسبت عدد الناس فى مصر الذين يعملون فعليا فستجدهم مع اسرهم 15 مليون

دليل ثان ، عدد الناس اللى ( عايشين ) فعلا فى مصر هو 15 مليون

دليل ثالث ، هناك دول ناجحة جدا و تعدادها ضئيل ، رغم نفوذ تلك الدول .. الدانمارك مثالا

اى شيطان اوحى لنا نحن المصريين ان نتكاثر الى 100 مليون نسمة؟


....


2 - بتوع مين؟ ( يتبع )
ركاش يناه ( 2018 / 4 / 24 - 04:21 )

بتوع مين؟ ( يتبع )
_____


اى شيطان اوحى لنا نحن المصريين ان نتكاثر الى 100 مليون نسمة؟

من و ماذا شجعنا على ذلك؟

اين كانت قياداتنا من تلك الكارثة منذ 70 سنة ؟

من المسئول عن الفرق بين التعداد الرقمى ( 100 مليون و العدد فى الليمون ) ، و التعداد الامثل ( 15 مليون )

الفرق ، 85 مليون ، احياء ميتين ( Walking dead ) ، مرضى ، جوعى ، بؤساء ، مظلومين ، تباع الفتاة القاصر منهم بالف دولار للموسم للعريس الخليجى ، و يعمل الشاب منهم ب 20 دولار فى الشهر فى السخرة فى عزبة سيادة اللواء

نعم ، هم سيخلقوا الشعور القاتل بالزحام ، والخوف من ضياع المتر المربع الذي يسكنه كل فرد كما تكتب استاذنا

حقيقة : ال 85 مليون الزيادة هم ابرياء
سؤال : طب هم بتوع ( مسؤلية ) مين

شكرا استاذنا ... و رجاءَ ... مزيد من فضلك عن هذا الموضوع ... القنبلة ... المصيبة


...


3 - العالم العربي في حاجة إلى مصر قوية
حصة الخليجية ( 2018 / 4 / 24 - 05:36 )
الكاتب الكريم، صباح الخير
لا أدري لماذا لم تشر إلى أن الانظمة التي حكمت وتحكم مصر هئ المسئولة عن هذا الضياع التي تعاني منه مصر الطيبة. ممن تخاف؟ هذه ليست سياسة، بل مقال اجتماعي يشخص المرض بأعراضه والحل في يد الجميع: وضع حد لمهزلة التكاثر كالقوارض. لقد صرنا كالقوارض نأكل الأخضر واليابس في بر مصر دون أن ندرك كم الأمراض التي تفتك بالشعب بسبب التلوث الناتج عن الكثافة السكانية وندرة الخدمات والمنشآت المتهالكة.
لست من مؤيدي النظام الحالي ولا السابق ولا تجار الدين. إنني مواطنة عربية تحب مصر واعتبر نفسي مصرية فقد درست فيها وعشت فيها سنوات طيبة رغم مشكلاتها.
مصر تحتاج إلى هبة من أبنائها لاصلاحها عبر سبل الديمقراطية والحريات قبل أن تتفاقم المشكلة ويصاب المصريون جميعًا بأمراض ناتجة عن هذا الوضع الكارثي.العالم العربي في حاجة إلى مصر قوية كما كانت في الماضي بوصلته نحو التحرر والتقدم.


4 - تكاثروا و تناسلوا
ماجدة منصور ( 2018 / 4 / 24 - 07:09 )
تكاثروا/ فإني مفاخر بكم الأمم يوم القيامة0
ايه!!! عاوزينهم يكفروا؟؟

اخر الافلام

.. مسيرات اليمين المتطرف في فرنسا لطرد المسلمين


.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع




.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف


.. مظاهرات في العديد من أنحاء فرنسا بدعوة من النقابات واليسار ا




.. خلافات في حزب -فرنسا الأبية-.. ما تأثيرها على تحالف اليسار؟