الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمل الإبداعي وآلياته

صاحب الربيعي

2006 / 3 / 16
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


الإبداع ملكة خاصة في ذات المبدع لكنها غير قادرة لوحدها على خلق معرفة جديدة دون مساهمة العقل في بناء الكائن الإبداعي، والعقل ذاته يفتقد لآلية المساهمة دون العمل على برمجته بالعلوم والمعرفة المكتسبة لرفع مستوى أداءه وفعاليته. وتشتغل منظومتي القلب والعقل معا لخلق كائن معرفي جديد، فمنظومة القلب هي مصدر الإبداع لما تمتلكه من خاصية التواصل مع العوالم الكونية لتفعيل ملكة الإبداع الذاتية لتنهل الآليات والصياغات اللازمة لبناء الكائن المعرفي الجديد. وهذا الخلق والبناء الجديد يتم تشكيله في منظومة العقل حيث يتزاوج مع غيره من المكتسبات المعرفية التي يختزنها العقل لإعادة صياغتها وبناءها على شكل كائن معرفي حي له القدرة على التفاعل مع الكائنات المعرفية الأخرى في الحياة.
تسند عملية الخلق المعرفي على ثلاثة أبصار في الكيان الإنساني هي: العقل والنفس والجسد وتعطل أحداهما يسفر عن خلق كائن مشوه غير مكتمل النمو تتنازعه فسحة الموت والحياة فيتعطل دوره وفعاليته في الحياة.
يشرح ((أفلاطون)) دور الإبصار في عملية الإبداع قائلاً:"أن الإبصار ثلاثة: بصر العقل الكامن في الفكر، وبصر النفس الكامن في القلب وبصر الجسد الكامن في العين. وبصر العقل والنفس قائمان بذاتهما وبصر العين لايقوم إلا بأحدهما".
إن العقل البشري بحالته الفطرية أداة عديم التحكم بسلوك وممارسة الفرد لكن عند تفعيله بالاكتساب المعرفي تتفعل أداته التحكمية فكلما زاد الاكتساب المعرفي، كلما زادت قدرته على التحكم بالسلوكيات والممارسات اليومية للفرد.
ويختلف حجم التحكم باختلاف الاكتساب المعرفي للأفراد، وتتعدد مهام العقل عند ارتقائه لمراتب أعلى ليزيد حجم التحكم والتوظيف للاكتساب المعرفي لإنتاج معارف جديدة التي تسهم في رفد الحضارة الإنسانية. وتلك الخاصية تتعدى حالة الوعي للذات لتشترك معها حالة اللاوعي...وبهذا يختلف منتج المعرفة عن أقرانه من البشر لقدرته على التعاطي مع منظومتي وعيه ولا وعيه لخلق معرفة جديدة.
يتحدث ((أرنست همنغواي)) عن العقل البشري قائلاً:"أنه يحمل في داخله أداة تدمير نفسه، بل هو أيضاً غبي وجاهل بطبيعته. وأشد الناس جهلاً في هذا العالم هو الذي لايؤمن بشيء لايراه أو يشعر به أو يذوقه لأنه عديم الرؤى والخيال والإيمان".
إن المبدع يسكنه الشيطان أو الملاك الذي يملي عليه الصياغات والآليات اللازمة لخلق الكائن الإبداعي الجديد، فمهمته تقتصر على تدوين صياغات وأفكار ورؤى تنساب عبر قلمه إلى الورق الأبيض دون أن يعي آليات الاشتغال لمنظومة عقله الظاهر والباطن. ولايمكن للمبدع أن يقسر ذاته على الكتابة دون أن تتهيأ له الشروط النفسية والحياتية، إنها عملية مخاض وتفاعل بين الذات الواعية للمهام والذات الكامنة الموكلة إليها آلية المهام وإنجازها.
إن تشتغل منظومة الوعي لوحدها في الكتابة، يعني الانصياع لآلياته تحكمها المشترطة لشكل ومكونات الخلق المعرفي الجديد الذي غالباً ما يكون خالياً من الإبداع لأنه اشتراطي ومحدد التوجه. في حين أن منظومة اللاوعي غير اشتراطية، لاتخضع لآلية التحكم لأنها من خاصة العالم الكوني المتعدد التوجهات الذي ينهل آليات الإبداع من خارج سلطة التحكم لتتزاوج مع آليات المكتسبات المعرفية في سلطة التحكم للعقل لإنتاج كائن معرفي جديد يحمل مورثات إبداعية كونية جديدة ومورثات إبداعية مكتسبة فهي ثنائية المصدر في الخلق والنمو.
يعبر عنها ((توفيق الحكيم)) قائلاً:"لو علم رجل الفن خطر مهمته، لفكر دهراً قبل أن يخط سطراً ولكن الوحي يهبط عليه فيسعفه ومعنى هبوط الوحي أن شيئاً ينزل عليه من أعلى، شأنه في ذلك شأن المصطفين من أهل الدين! وهل يمكن أن يهبط من أعلى إلا كل مرتفع نبيا؟ للدين والفن....السماء هي المنبع".
يختلف حجم الإبداع باختلاف وتعدد آلياته في منظومة الوعي واللاوعي، فكلما زاد حجم الاكتساب المعرفي لمنظومة الوعي كلما تعددت آليات التزاوج والبناء للكائن المعرفي الجديد. وكلما كانت منظومة اللاوعي (الملكة) عالية الحساسية ولها القدرة على التقاط الإشارات والترددات من العالم الكوني، كلما نهلت من الصياغات والمكونات الكونية أكثر لخلق الكائن المعرفي الجديد الخالد والمساهم أبداً في مسيرة الحضارة الإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستارمر يتولى رئاسة وزراء بريطاينا بعد 14 عاما من حكم المحافظ


.. اشتعال النيران في منزل بكريات شمونة شمال إسرائيل إثر سقوط صو




.. ما دلالات تقدم المرشح الإصلاحي بزشكيان على منافسه المحافظ جل


.. هل يرغب نتيناهو بالتوصل لاتفاق بشأن وقف الحرب على غزة؟




.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟