الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأرض تمدح نفسها

محمد علاء الدين عبد المولى

2006 / 3 / 16
الادب والفن


لم نأتِ من قصبٍ لنسكن في قصبْ
ظهروا من الفوضى علينا
فاختفينا في حصى الأنهارِ
ضاعفْنا هشاشتنا
وأجّلنا مساءلةَ العنبْ
قلنا جميعَ اليأسِ في هجراتنا
فرغتْ جرارُ القولِ من أصدائنا
لم نُبقِ ليلاً في أصابعنا ولم نرفع له قمراً
ولم نُسدل على جبلٍ سحاباً خائنا
فبأيّ فجرٍ غادر المطرُ الحدائقَ وانسحبْ ؟
وإلى متى نحمي مخيّمَ روحنا
من ذكرياتِ خوائنا ؟
ولنا فضاءٌ من مديحِ طفولةٍ
هرمت على مهدِ الحجرْ
ولنا مناديلٌ تلوح وراء جنّازٍ
لنا نسلٌ تشظّى في سديمٍ وانتشرْ
دفعوا إلينا ماضياً يمضي وقالوا: لا تبالوا
لسنا خرافتنا لتنقلنا إلى الوهمِ الجِمالُ
نحن انفجارُ الأرض من ماءٍ
وآدم كان يطعمنا ويسقينا هنا
وإذا بردنا كان يشعل فوقنا أسماءه
ويعودُ نحو النبعِ
يكمل سيرةً بدأت ويحرس صوته
فإذا أفقنا فجأةً أومى إلينا أن تعالوا
وخذوا نصيب الروح من كلأ وماءٍ
وامكثوا قرب التراب إلى نهايات الترابِ
فمنه ثالوث المدى:
الحقّ والخير المجنّح والجمالُ...
لم نأت من قصبٍ... رَعَينا
إبلاً على هذي الصحارى, واكتشفنا حولنا
حجرين للشّرر المقدّس, وانتمينا
لحليبِ ماعزِنا وقرنِ غزالنا, وهنا اشتهينا
ما طابَ من عطرٍ يسيل إذا اشتكى نهدٌ
إلى نهدٍ بأنّا لم نكن من ذاكريهِ
إذا انتشينا...
وهنا أصاب مولّهٌ شطحاته
وانهال فوق ظلاله
ليمدّها حقلاً تهبّ عليه أنفاس الربيع
هنا تبارى الأنبياء على الظهورِ من السّديم
ليصقلوا فينا مزاياهم
ويختبروا حدوسَ الشرقِ فينا
صدّقينا يا سفينةُ واحملينا في متاعكْ
أمماً تلوذُ بعشبها الواهي
ويا ربّ الرياحِ أطِلَّ فينا من قلاعكْ
واجمع دموع عجائزٍ في جرّةٍ
يُسقى بها شجرٌ سينبتُ من ذراعكْ
واسحب سيوفَ الأهلِ من أهدابنا الزرقاء
ما حسنٌ بأن نبقى هنا صرعى صراعكْ...
لم نأت من صُلبِ الشتاتْ
للأرضِ أنظمةُ النباتِ
وسلطةُ الأنهارِ
عرش البرتقالِ
وصولجان اللوزِ
للأرضِ التّفتّحُ في مرايا البرقِ
يصعد من منازلها كلامٌ لا يقالُ
يا من رأى الجنّاتِ تجلس في حكايا الأمهاتِ
ومن رأى جبلاً يمارسه الرجالُ
وهم يردّون المكانَ إلى بكارته
ويلتذّون من صيد الّلآلىءْ
في قاع سيدة البحارِ, كأنهم يرثون كلّ الآلهاتِ
من البعيدِ... ويسردون على الشعوبِ مغامراتِ لهاثهم
خلف الخلودِ ويتركون على الموانىء
أدواتِ رحلتهم ليدركهم ظلامُ الخمرِ في حانات فتنتهم,
سيختارون أشهى مريمٍ
لتعيدَ رقصتها الأثيرةَ
بينما هم يصعدون ويصعدونْ
حتى يفيض اللهُ من أعماقهم وطناً حنونْ...
يا مريمَ الميلاد أتعبْنا صغيركِ في قصائدنا
وحمّلناه وِزْرَ خريفنا الأزليّ
لم نتقن قيامته
ولم نحفظ مكانهْ
نتناول الأسرارُ في قدّاسه
نتلو على تاجِ العروسِ قشورَ حكمته
ونهجر فقره
نلقي بمزوده على سفح الثلوج
دماهُ في أعناقنا
ورغيفُه مرّ لأنّا من فطيرِ الحرب صغناهُ
نسيناه يصيد لنا الحقيقة
وانشغلنا بالسمكْ
سرنا وراء العرسِ في قانا
وقبّلنا أصابعه لتنتعش الخمورُ
وظلّ يعصرُ خمره حتى هلكْ
كانت يداه طريق آلامٍ
وعيناه تدلاّن الجموعَ على مكانِ الجندِ
كي ينجوا بقمحهم وحملِ نسائهم
لم ننتبه إلاّ ووحشُ الموتِ ينفخ فوق ملجئنا قنابله...
صرخنا... يا أبانا
لم يكتمل عرسُ الجليل ولم تضىء بالحب قانا
... يا مريمَ الميلاد فينا, يا حنونةُ,
باركي الأرضَ التي صلّى الغمامُ على معابدها
ونامت في أواني الزهر أجيالاً
تبعنا صوتها حتى نردّدها إذا اكتمل الصدى
قلنا لها قولاً كريماً
واحتملنا نأيها عنّا
وحُمِّلنا أمانتها... فهل كنا سدى
شهداءَ حنطتها؟
لها ذهبُ البلاغةِ فوق مسرحنا
لها تراجيديا أجدادنا
ولها بطولةُ لهونا فوق الحبالِ
لها مناماتُ الدّلالِ
لها الخليج لها المحيطُ
الأرضُ تمدحُ نفسها
فتقيمُ أعراسَ البحار كما تشاءُ
وتستعينُ بموجِه إنْ مدّ أذرعَه إليها أخطبوطُ
هي تكتفي بخلودها
فلتُسقطوا عنها فراعنةً يؤبّدهم حنوطُ
الأرض تخرجُ من جنازتها
تحوّل نعشها زيتونةً
ليدوّن العشاقُ في أغصانها أسماءهم
وتكون خضراءً أناشيدُ الإناثِ
الأرضُ أجملُ ما تكون بلا مراثِ
والأرض أوسعُ ما تكونُ
سبعاً طباقاً لا تحيط بها العيونُ
والأرض أوعى ما تكونُ
إذا تركتَ لها العنانَ
يقود موكبَها الجنونُ...
*
لم نأت من قصبٍ إذاً
فإذا انكسرنا حسبُنا أنّا مررنا من هنا
فاخضرّ من خطواتنا قمر الأبدْ
لتكون هذي الأرضُ سيدةً علينا, لا أحدْ
يقوى على نسيانها... لا, لا أحدْ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان