الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلبجة الشهيدة عروسة الحجل الحزين

مسعود عكو

2006 / 3 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


أبت أيادي الطغمة البعثية الصدامية, أن ينقضي ذلك اليوم كسائر أيام هذه الحياة البائسة, على سكان قرية صغيرة احتضنتها جبال كردستان كمأوى لها, من بطش, وظلمات الدكتاتورية الجبانة. التي لم يشأ جلاوزتها أن ينعم سكانها بقليل من الفرح الممزوج بالحزن الكردي الأبدي, ووأد عنوة أحلام صغيرة كانت تملئ السماء بهجة, وضياء متمنية في نوروزها الجديد يوماً أخر قد تنقضي سنين الظلام إلى غير رجعة, ولكن أبى القدر ذلك.

أكانت رجفة الجنس, أم متعة الخمر حين تكالبت عليها كل الوحوش الضارية, وغرست أنيابها في جسدها الفتي, فقطعت أوصال دنياها عن أوصال دنيانا, لتزيد يوماً أخر من الحزن, والكآبة في روزنامة آذارنا الكردي البائس, ومنحت على طبق من ذهب للحجل الحزين, عيداً للحزن, ويوماً أخر للشقاء, والأنين, والدمع, واهدت للكرد مدينة شهيدة يضمها إلى قافلة شهداءها.

ثمانية عشر ربيعاً مر على موت ربيع جميل, كانت نجومه تتلئلئ في سماء كئيبة, وأزهاراً بدأت للتو بالتفتح, وورد تحبو نحو الولادة ليشتم منها رائحة عطر الربيع القادم مع نوروزنا الحزين, ولم يشأ الطغاة أن يمر هذا العام بوئام, وخير رغم أنه لم يسجل في تاريخنا الكردي عام فرح, ولكن ذلك العام كان كغيره من سنين الحزن الكردي فاغرزوا مديتهم الثلمة في قلب قد أنهكته الأيام من الحزن, والدمع, والدم.

الآلاف استشهدوا ضحية عقلية همجية دكتاتورية عفلقية نتنة, وعشرات الآلاف لا يزالون يحتضنون الحزن في صدورهم, ويتجرعون الدموع على عزيز قد استشهد, أو فقد أو تشوه من جراء تلك الحرب الجينوسايدية, والتي وقف الكثير من دعاة الحرية, والديمقراطية, والأخوة الإنسانية, والإسلامية عليها موقفاً هزلياً, ومتشفياً حتى استرسل أحد المسؤولين العرب يتفاخر بجريمة الدكتاتور صدام حسين, وبلهجة بدوية " شمستنين من صدام يرش عليكم... مي ورد؟" ولكنه نادم أكيد على تلك المقولة لأنه ذاق ما ذاق ذلك الحجل الكردي من سموم الطاغية, وتجرع لمرة في حياته مأساة الملايين من البائسين العراقيين, وعلى الخصوص الكرد منهم.

لم تكن توصف فرحة ذلك الطفل الكردي, وهو يستنشق رائحة التفاح المسموم, وما كان يدري بأنه غاز قاتل فتاك كل شهيق منه تقتل آلاف الخلايا من جسده الناعم, ولكنه استمر في استنشاقها لأنه كان يظن أنها تفاحة يستطيع أن يشتمها لأنه كان محروماً حتى من رؤيتها يوماً ما, واستمر استنشاقه لرائحة التفاح حتى فجأة رأى نفسه يعلو إلى السماء باتجاه النجوم, والغيوم ففرح أكثر لأنه سيلعب هناك مع الملائكة كما كان يحلم باللعب معهم دائماً.

لم تكن تدري الحيوانات الموجودة في المدينة بأنها ستكون ضحية عقلية أكثر حيوانية منها, وهمجية أكثر من وحوش البرية بل أحياناً تأخذ الرأفة قلب وحش عندما يرى فريسته ترتعد, وترتجف خوفاً منه فيتركها في حالها, ويذهب لفريسة أخرى أكثر جرأة. لكن! هؤلاء الطغاة خنقوا الحيوانات قبل البشر, واعدموا العصافير قبل الأطفال, ووأدوا الغزلان قبل الفتيات, وقتلوا كل ما كان يدب على أرض تلك البائسة.

حتى بيوت الله لم تسلم من قنابل طائراتهم, ولم تسلم المساجد من قذائفهم, وكانت منارات الجوامع تتألم أكثر من روح إنسان يختنق بفعل غاز الخردل, والسيانيد والأعصاب فبكيت الملائكة حزناً على حلبجة قبل أن تذرف دموع البشرية, والتي رفض الكثير منهم أن يذرفوا, ولو عبرة واحدة إجلالاً لفظاعة ذلك الموت الأسود.

حلبجة الشهيدة يا عروسة حجلنا الحزين اذرفي الدموع كثيراً اليوم, لا حزناً على خمسة آلاف شهيد, وعشرات الآلاف من الجرحى, والمشوهين, ولا على آلاف الأطفال الذين يولدون اليوم مشوهين. بل أبكي على قرب عرسك الذين كنت تنتظرينه بفارغ الصبر فها هم جلادوك يحاكمون أمام كل من كان يناصرونه يوماً ما, وسيؤخذ حقك من أعينهم, وافرحي كثيراً حتى الثمالة فلك اليوم نوروز جديد يطيب الخاطر, ويحاول أن يداوي جراحاً ملتهبة ظلت مفتوحة عشرات السنين, وأبت أيامك أن تشفيها لكن جاء اليوم الذي يعقد الحجل قرانه على الفرح, ولتذهب سنين الظلام إننا نعشق الحرية التي نتوق إليها, ونرديها لنا, ولغيرنا ولكل من تمناها يوماً, ولم يجدها فافرحي يا عروسة الجبال, افرحي يا حلبجة الشهيدة يا عروسة حجلنا الحزين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السنوار لا يعرف بدقة أعداد ومواقع المحتجزين .. هل تواجه حماس


.. بوتين يضع شرطين لوقف الحرب.. ويكشف سبب -الزحف نحو كييف- | #ر




.. اتفاقية أمنية أميركية أوكرانية ردًا على التهديد الروسي باستخ


.. توقعات #اليورو_2024: #إنجلترا، #فرنسا، #إيطاليا، #إسبانيا، و




.. إلى متى ستبقى الساحة الأوكرانية حربا بالوكالة بين روسيا والغ