الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعرة اسماء صقر القاسمي، بين التراث ومحاكمة الذات ..!

وجدان عبدالعزيز

2018 / 4 / 30
الادب والفن


ارادت الشاعرة اسماء القاسمي في قصيدتها (قميص جوبيتر)، ان تثبت ان الشعر ليس فسحة في عالم اللغة فحسب، انما الشعر محاكمة افتراضية للحياة، وان التراث بقيمه الثقافية والاجتماعية مصدرا تربويا علميا وفنيا، ويالتالي فإن تراكم الخبرات يكون الحضارة وتراكم المعلومات يشكل الذاكرة، وهذه الذاكرة بدورها تمكننا من فهم العالم فهما سليما، وأن نربط بين خبرتنا الراهنة ومعارفنا السابقة عن العالم وكيف يعمل؟، ولهذه الذاكرة والتراث الثقافي علاقة طردية مع الإبداع لدى الأفراد والشعوب، ومن هنا لابد من استثمار خبرات مَنْ سبقونا وتجاربهم، والاستفادة منها، بل واستلال الدروس منها، وبالتالي فان هذا المنحى يؤكد ان الشعر وعي، رغم انه يعيش عالم اللحظة، وتوهج الفكرة .. هذا المعطى يجعلنا ان نتساءل .. لماذا الشاعرة القاسمي ذكرت جوبيتر او(يوبيتر) في قصيدتها ؟ فما المغزى من هذا ؟ .. اول المعطيات من هذا، هو على الشاعر ان يتسلح بثقافة الاطلاع على تراث الانسانية بصورة عامة، وعلى تراث امته بصورة خاصة، لتكون طروحاته من العمق بمكان في غزو افكار الاخر واحتلال المكانة اللائقة لها في التراث الثقافي الشعري .. وثاني هذه المعطيات يتعلق بجعل عوالم الشعر الحلمية تعانق عوالم الواقع .. فجوبيتر كان حامياً لمدينة روما عند تأسيسها على يد رومولوس، وبقي إله روما الأعظم منذ أن أُنشئ معبده الكبير على الكابيتول، وازدادت أهميته القومية والسياسية مع اتساع الامبراطورية الرومانية وعظمتها، وأصبح يعبد بوصفه الأفضل والأعظم، حيث دُشن معبده مع قيام الجمهورية الرومانية عام 509ق.م، وصار مركزاً للنشاط السياسي فيها، إذ كان القنصلان المنتخبان يصعدان إليه مع بداية حكمهما لتقديم آيات الشكر لجوبيتر على حمايته الشعب الروماني، وكان القائد المنتصر يتشبه بالإله جوبيتر، ويصعد إلى الكابيتول مكللاً بالغار على رأس موكب كبير ليضع إكليل الغار بين يديه، ويقدم له أفضل الغنائم والأسلاب شكراً وتعظيماً على أنه وهب الرومان الفوز والنصر على أعدائهم، فقصيدة (قميص جوبيتر)، رغم ان مضمونها موضوعي رمزها جوبيتر، الا ان الشاعرة القاسمي عاشت فيها تساؤلات الذات، وقد يؤدي بها الى تساؤلاتها عن كنه الحياة وكنه وجود الانسان في هذا الكون المضطرب المتلاطم، فهل الحياة مرحلة عمرية تبدأ بولادة الإنسان وتنتهي بموته، او انها يتصل نبضها بالمشاعر والأحاسيس؛ فيشعر الإنسان أنّه حيّ أي ممتلئ بالنشاط والحيوية، ويمارس نشاطه الإنساني بشكلٍ طبيعي، اوأنها القدرة على العيش بسلام وأمان داخليين؛ وهذا ما يُطلق البعض عليه اسم الراحة النفسيّة أو الشعوريّة التي يُختزل تعريف الحياة بها، فماذا تكون الحياة ؟؟ ، تقول الشاعرة القاسمي :
(لا املك وجها رومانيا
كي ارسم طيرا واحلق
جوبتير
يقرأ فنجاني
في كأس مثقوب الرائحة
يخبرني أن الأرض تخبىء احلامي في زهرة توليب
وان الايام القادمة تحيك من الغيمات عقود الفل)
وتبدى لنا ان الشاعرة تقوم هنا بعقد جلسة محاكمة للزمن، وما يتركه على ذات الانسان، وعلى علاقاته بالاخر، اي محاكمة ذاتية موضوعية، سالكة صراعا تصاعديا من تجارب التراث الانساني الى تجارب الذات وصراعاتها في تأسيس منظومة لاجوبة افتراضية، كون الشعر عالم افتراضي، الى اجوبة تعوم حول قضايا الواقع، فلماذا تخبيء احلامها في زهرة توليب؟ فزهرة التوليب، هي من الأزهار التي تتمتع بشكل جمال يجذب الجميع و تتميز هذه الزهرة بأنها تظل فترة طويلة نضره و جميلة ولا تذبل ألا بعد مدة طويلة … اذن يبقى حلم القاسمي يتبرعم ويستمر في معانقة الحياة، كما هي زهرة التوليب..!! رغم (ان الايام القادمة تحيك من الغيمات عقود الفل)، والفل نوع نباتي يتبع الفصيلة الزيتونية ويطلق عليه أيضا ياسمين عربي هو نوع من أنواع الياسمين وهو نبات شجيري عادي ومتسلق دائم الخضرة، هذه الابعاد القيمة، التي وضعتها الشاعرة بقصدية من التراث، كما في "جوبيتر" الى اختيار نباتات ذات ميزة معينة، كعينة من الواقع، فكانت القصدية واضحة المعالم .. في ان الشعر رغم انه مشروع لايتكامل واحتمالي، الا انه يصلح ان يكون رؤية قابلة للنقاش والمحاكمة في طروحات الموقف في الالتزام واحترام الذات الشخصية والذات الموضوعية، كما في احترام التراث .. تقول الشاعرة القاسمي في موضعٍ اخر من قصيدتها :
(فأعاود للتو ممارسة الغليان
لا تسبق افكارك في لغة العابر للمجهول
لوحة في منتصف طريقي
وبعض وصايا سفر كلواصق ادعية فوق زجاج الذاكرة
انزع قميص جوبتير
ينطفىء الحظ العاثر
فأزاول عمل الأثير في بستان ابي
واعلق اسمي في اول وردة تزف خبر انتقالي الى قنينة عطر اخرى)
وهنا تعاود المحاكمة في نزع قميص جوبتير، اي بمعنى تترك اضاءة جوبتير كونه تراث انساني، وتزاول العمل في بستان ابيها، خالقة معادلة تضامنية بين جوانب التراث الانساني، وتراث امتها الزاخر بما هو مشرق ويستحق الاستثمار .. فتقول : (واعلق اسمي في اول وردة تزف خبر انتقالي الى قنينة عطر اخرى)، فالتراث عطر الماضي الثابت بوقائع تفيد مسيرة الانسان في تنمية التجربة، ومليء الذاكرة بالامثلة الانسانية الخالدة ويجدر بالذكر أن الإنسان كائنٌ اجتماعيٌ بطبعه، ويتميّز بحسّه الجماليِّ وتذوق الجمال، وهو ما يبعث به إلى الإبداع الثقافي في مجالات الفن والأدب والموسيقى، فهو الذي يخلق التراث والحضارة ..

قصيدة (قميص جوبيتر) للشاعرة اسماء القاسمي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش


.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان




.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص