الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموقف القانوني من الانفصال احادي الجانب واعادة الانتشار لقوات الاحتلال الاسرائيلي في قطاع غزة وشمال الضفة

صلاح عبد العاطي

2006 / 3 / 16
القضية الفلسطينية


ورقة بعنوان
" الموقف القانوني من خطة الانفصال أحادي الجانب وإعادة الانتشار لقوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة وشمال الضفة"
تمهيد :-
في شهر ديسمبر 2003 أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن "خطة انفصال" مقترحة عن قطاع غزة، وإجراءات ذات صلة في الضفة الغربية كإجراء أحادي الجانب يتم خارج أي تسوية تفاوضية من الجانب الفلسطيني. والخطة هي في حد ذاتها إستراتيجية سياسية وعسكرية ذات تبعات خطيرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للشعب الفلسطيني. ويجب على الجميع قوي وأحزاب وسلطة ومنظمات أهلية أن يأخذ في الاعتبار المظاهر القانونية والسياسية العسكرية لهذه الخطة كجزء من إستراتيجيتها للسعي بشكل فعال إلى تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أن "خطة الانفصال" هي في الواقع وسيلة تحقق من خلالها الحكومة الإسرائيلية إستراتيجية تتبناها تهدف إلى:

1. قطع الطريق على إقامة دولة فلسطينية، وهو ما عبّر عنه مدير مكتب شارون (دوف نايسجلاس) لصحيفة (هآرتس) قائلاً: "إن الهدف من خطة فك الارتباط هو قطع الطريق على إقامة دولة فلسطينية". التخلص من غزة بصفتها تمثل عبئاً أمنياً وسكانياً على إسرائيل، وهو أمر معروف في الدوائر السياسيّة الإسرائيليّة منذ رابين الذي كان يحلم بإلقاء غزة في البحر، أو يصحو من النوم يوماً ولا يجد هذا القطاع موجوداً.
2. حرف الأنظار عن أوضاع حقوق الإنسان المتدهورة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تتسم بتزايد حوادث قتل مدنيين، وهدم المنازل، والإعدامات خارج نطاق القضاء، وغيرها.
3. إلغاء دور منظمة التحرير الفلسطينية في المفاوضات حول وضع فلسطين في المستقبل.
4. مواصلة الخنق الاقتصادي والاجتماعي لقطاع غزة وبالتالي مواصلة الاحتلال الحربي.
5. وقف الجدل حول تطبيق الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل العليا فيما يتعلق بجدار الضم، الذي يهدف إلى ضم نحو 58% من أراضي الضفة الغربية، وهو ما سيعطي إسرائيل فرصة أكبر لتسريع البناء وتنفيذ إستراتيجية الأمر الواقع التي تتبناها، والتي تهدف في نهاية المطاف إلى جعل إقامة دولة فلسطينية أمراً مستحيلاً.
6. نقل المسئولية عن الوضع الأمني في قطاع غزة إلى الحكومة المصرية، بينما يسمح لقوات الاحتلال الإسرائيلي بالتوغل في غزة. كما إن الاستمرار في البقاء في المستوطنات في غزة، لا يتفق مع الحائط الأمني الذي أقامته إسرائيل والذي استهدفت منه وضع سياج أمني حول كل السكان والمدن والقرى الصهيونية، ومنع تسلل الفدائيين بالتالي؛ وبديهي أن مسار الجدار لا يمكنه أن يحيط بالمستعمرات في غزة
7. تسهيل التوسيع المتسارع للمستوطنات الإسرائيلية، التي تعتبر غير شرعية وفقاً للقانون الدولي الإنساني، في الضفة الغربية والقدس ودعم تهويد مدينة القدس بكاملها، وهو ما حدث قبل وأثناء وبعد خطة فك الارتباط،حيث يقول وزير الحرب الصهيوني موفاز: "إن خطة فك الارتباط تستهدف إحداث طفرة هائلة في المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية".
8. منع عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما يعتبر حقاً مشروعاً لهم حسب القانون الدولي.
9. وضع حد لمطالب المجتمع الدولي التي تظهر في صورة قرارات صادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
وهكذا فإن الانسحاب الصهيوني من غزة، يستهدف تحقيق أقصى قدر من الأمن لليهود في فلسطين المحتلة، أي أن له أسباباً أمنية أساساً، ويستهدف أيضاً القضاء على أي أمل فلسطيني في تحقيق دولة أو سلام منقوص أو جزئي.
وهنا نؤكد بأن الخطة، التي تقضي بإعادة نشر القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، تعني استمرار الاحتلال العسكري الإسرائيلي، كما أن استمرار التواجد العسكري لقوة الاحتلال لا يتضمن نقل السيادة إلى دولة فلسطينية. إن هذا الأمر يوضح حقيقة أن الخطة الإسرائيلية هي وسيلة لتدمير آفاق وقدرة الشعب الفلسطيني على إقامة دولة مستقلة، بينما تخلق وهماً بشأن إنهاء الاحتلال.
من هنا تضح حقيقة وإبعاد الخطة وتبعات تنفيذها:إذا بدأنا من حقيقة بديهية في علم السياسة ـ وكل العلوم والخبرات -هي أن أحداً لا يعطي شيئاً بدون مقابل، وإذا أعطى شيئاً فلابد أن وراءه أهدافاً غير معلنة، علينا البحث عنها وفهمها وإدراكها، وهكذا فإن الانسحاب الإسرائيلي، أو ما يُسمّى بخطة فك الارتباط من طرف واحد، أو خطة شارون للانسحاب من غزة هو انسحاب لمصلحة إسرائيل أولاً وأخيراً، ولا يستهدف أي مصلحة فلسطينية أولاً، وليس من باب الإيمان المفاجئ بالسلام أو نوع من إظهار حسن النية تجاه الفلسطينيين أو حتى استجابة لنوع من الضغوط العربية من الدول ذات العلاقة الحسنة به، أو نوع من الاستجابة لضغط أمريكي يهدف إلى حلحلة المسائل في الشرق الأوسط، حتى لا تبدو أمريكا دائماً في وضع المعادي للعرب، كل هذه الأمور غير واردة على الإطلاق؛ فالولايات المتحدة الأمريكية أولاً لا تضغط على إسرائيل خاصة منذ صعود اليمين الأمريكي الذي يرى قطاع منه أن دعم إسرائيل واجب ديني مسيحي "المسيحيّة الإنجيليّة الأصوليّة أو ما يسمى بالمسيحية الصهيونية"، ثم إن الولايات المتحدة قدمت خارطة الطريق، ورغم كل عيوب هذه الخارطة فإن فكرة الانسحاب أُحادي الجانب ينسف خارطة الطريق نسفاً، حيث إن هذا "الانسحاب" يتم بدون التنسيق مع أي طرف فلسطيني؛ بل إن محمود عباس "أبو مازن" عندما اجتمع "برئيس الوزراء الإسرائيلي أريل شارون "مؤخراً كان الفشل الذريع والمشاورات الكلامية هي عنوان اللقاء وهي نتيجته، وبديهي أن تجاهل وجود طرف فلسطيني معني بالأمر، أي التعامل مع المسألة كما لو أن الشعب الفلسطيني غير موجود وليس له قيادة يُعتدّ بها إسرائيلياً هو أحد أهداف شارون وأحد أهداف خطة فك الارتباط. أما الحديث عن وجود ضغط عربي على الولايات المتحدة، أو ضغط عربي على إسرائيل فإن أحداً لا يكترث بمثل هذا الكلام، الحديث إذن عن نوايا إسرائيلية حسنة أو رغبة إسرائيلية في دعم مسيرة السلام المزعومة لا وجود له، بل إن شارون صرح للقناة الثانية في (التليفزيون) الإسرائيلي: "إن فك الارتباط يعني وضع مشروع التسوية على الرف لعدة عقود من الزمن، لا يوجد لدينا أي إمكانية للتنازل عن شبر من الأرض في الضفة الغربية وغور الأردن" . ومع كل ذلك يمكن ألقول بأنة لولا نضالات الشعب الفلسطيني، لما فكر الإسرائيليون أصلاً في مثل هذه الخطوة.

الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية
تخضع الأراضي الفلسطنية منذ عام 1967 " قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية " لاحتلال عسكري متواصل من قبل إسرائيل. لذا فإن أحكام القانون الدولي الإنساني وخاصة اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين زمن الحرب وتحت الاحتلال لعام 1949 - هما الإطار القانوني الأساسي المنطبق على الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وقد أكّد المجتمع الدولي مراراً، ممثلاً بهيئات الأمم المتحدة والحكومات، ومحكمة العدل الدولية والمنظمات الدولية الحقوقية، على الانطباق القانوني لهذه الاتفاقية على الأراضي الفلسطينية المحتلة. مع ذلك تصر إسرائيل على عدم اعترافها بالانطباق القانوني لأحكام القانون الدولي الإنساني، ولا يغيّر موقف دولة إسرائيل من الانطباق القانوني لاتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة ،فققد أكّد المجتمع الدولي بشكل متكرر، بما في ذلك أجسام الأمم المتحدة، والحكومات، ومحكمة العدل الدولية، والمنظمات الدولية، على الانطباق القانوني لهذه الاتفاقية على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وإسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تعترف بالانطباق القانوني للاتفاقية.
جدير بالذكر أن القانون الدولي الإنساني وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة يهدفان لتوفير الحماية لضحايا الحروب وتحديداً للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة، وتؤكد الاتفاقية على أن دولة الاحتلال ليست مطلقة اليدين في استخدام ما تشاء من القوة أو الإجراءات أو السياسات في إدارتها للأراضي المحتلة، ويجب على الدوام أن تراعي إلى أقصى حد حياة ومصالح السكان المدنيين وحماية ممتلكاتهم، وألا تغير من الوضع القانوني لتلك الأراضي.
منذ العام 1967 تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بالانتهاك المنظم لأحكام الاتفاقيات الدولية ومجمل قواعد القانون الدولي في إدارتها للأراضي الفلسطينية المحتلة وعلاقتها بالسكان المدنيين.
تجدر الإشارة إلى أن حالة الحرب أو الاحتلال لا تعفي الدولة المحتلة من التزاماتها الدولية، ومسئوليتها تجاه احترام حقوق الإنسان في الأراضي التي تحتلها، لاسيما إذا كانت تلك الدولة طرفاً تعاقدياً في اتفاقات حقوق الإنسان، وبما أن دولة الاحتلال الإسرائيلية طرفاً تعاقدياً في العهدين، الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والخاص بالحقوق المدنية والسياسية فهي ملزمة باحترام ما ورد فيهما.
ويؤكد العهدان على ضرورة ضمان، حق الشعوب في تقرير مصيرها والسيطرة علي مواردها، وعلي حقوق الإنسان " كالحق في الحياة، الحق في العمل، وحرية السفر والتنقل، وحقه في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، وحقه في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه، وحقه في التربية والتعليم، ويحظر إخضاع أحد للتعذيب أو للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطّة بالكرامة وكافة الحقوق الواردة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
تبلغ مساحة قطاع غزة 365 كيلومتراً مربعاً، وله حدود مع مصر يبلغ طولها 11 كيلومتراً، وحدود مع إسرائيل يبلغ طولها 51 كيلومتراً. وتسيطر إسرائيل على هذه الحدود وعلى شاطئ البحر الذي يبلغ طوله 45 كيلومتراً. وقد أقام الجيش الإسرائيلي سياجاً الكترونياً حول الحدود البرية لقطاع غزة، ويواصل توسيع منطقة عازلة من الأراضي المجرفة بين السياج والمناطق الفلسطينية. ويعيش في قطاع غزة أكثر من 1.3 مليون فلسطيني، معظمهم من لاجئي عام 1948. ومنذ توقيع اتفاقيات أوسلو، تسيطر إسرائيل بشكل مباشر على أكثر من 58% من مساحة قطاع غزة لاستخدام الجيش والمستوطنين بصورة مطلقة، بما في ذلك المستوطنات، والمواقع العسكرية، والطرق، والمناطق العازلة المقامة من أجل حماية المستوطنات. يعيش نحو 6000 مستوطن حالياً في 19 مستوطنة في قطاع غزة. وبينما تتواصل سياسة تجريف ومصادرة الأراضي التي ينتهجها الجيش الإسرائيلي، تزداد مساحة الأراضي التي تخضع للسيطرة الفعلية الإسرائيلية. يقوم الجيش الإسرائيلي باستمرار بتقسيم قطاع غزة إلى ثلاث مناطق منفصلة مستعيناً بالحواجز العسكرية لإغلاق الطرق في شمال ووسط وجنوب القطاع، وهذا يعني بأن الجيش يتحكم فعلياً بتحرك كافة السكان المدنيين في قطاع غزة. إلى جانب ذلك، فإن عدداً من المناطق، بما فيها المواصي والسيفا، معزولة بشكل كامل عن باقي أنحاء قطاع غزة، وتتحكم نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية في الوصول إلى هذه المناطق.
على الرغم من وجود سياج الكتروني حول قطاع غزة إلا أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة تصاعدت منذ شهر سبتمبر 2000 وتميزت بالتوغلات والهجمات الجوية على المناطق السكانية في شمل ووسط وجنوب قطاع غزة. ويستخدم هذا السياج الالكتروني كنموذج لتبرير بناء جدار الضم في الضفة الغربية، مع ذلك، فإن التصعيد في التوغلات في المناطق السكانية في قطاع غزة يدلل بوضوح على فشل هذا النموذج "الأمني." علاوة على نواياها بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، ستتمكن السلطات الإسرائيلية من فرض نظام الخنق الاقتصادي والاجتماعي نفسه على الضفة الغربية تحت ذريعة "المخاوف الأمنية."

سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي
من الواضح من التفاصيل التي وردت في الخطة والتي نرها اليوم علي الأرض ، أن قطاع غزة من الناحية الفعلية تحت السيطرة الاقتصادية والاجتماعية لإسرائيل، بما في ذلك من خلال التواجد المستمر في داخل القطاع وعلى طول المناطق الحدودية.
تنص الخطة بشكل محدد على أن إسرائيل "ستنقل المواقع العسكرية وكافة القرى والبلدات الإسرائيلية في قطاع غزة إلى مواقع أخرى ، وبذلك تحتفظ بمواقع وقواعد عسكرية داخلية.
ويرد في الخطة بشكل واضح أن إسرائيل ستحتفظ بالسيطرة على المجال الجوي، والبحر، وكافة الحدود البرية، حيث تذكر رسالة الرئيس الأمريكي حول الخطة ما يلي:

"... بعد أن تنسحب إسرائيل من غزة و/أو أجزاء من الضفة الغربية، وبانتظار التوصل إلى اتفاقيات حول ترتيبات أخرى، ستستمر الترتيبات الحالية فيما يتعلق بالسيطرة على المجال الجوي، والمياه الإقليمية، والمعابر البرية للضفة الغربية وغزة.

قرار السلطات الإسرائيلية بمنع إعادة فتح مطار رفح الدولي هو مؤشر على نواياها لمنع حرية حركة الأشخاص والخدمات والبضائع من وإلى قطاع غزة. وعلاوة على ذلك، لن يسمح للصيادين الفلسطينيين بالإبحار خارج منطقة تمتد 8-10 كيلومترات من شاطئ غزة، والتي تقوم فيها البحرية الإسرائيلية بأعمال الدورية. ويمنع الصيادون أيضاً من الإبحار إلى مسافة تزيد عن نصف امتداد المياه الإقليمية لقطاع غزة، وهذا أيضاً يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى مصادر الغاز الطبيعي في مياههم الإقليمية. لنربط ذلك مع تدمير الميناء الدولي في غزة (ورفض المطلب المصري للسماح بإعادة بنائه)، فيصبح من الواضح أن دولة الاحتلال ستزيد مستوى الخنق للحياة الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة.

في موازاة "خطة الانفصال"، تقدمت إسرائيل بطلب إلى البنك الدولي لنقل معبر رفح الدولي إلى المناطق الإسرائيلية. على الرغم من معارضة المصريين للخطة، الذين هنالك حاجة إلى موافقتهم، إلا أن هدف إسرائيل هو ممارسة السيطرة القانونية والعسكرية الكاملة على مرور الفلسطينيين وبضائعهم. إذا نجحت هذه الإستراتيجية، فإن الاغلاقات والقيود والإهانات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ستكون تحت سيادة إسرائيل ولن تخضع لمراقبة المجتمع الدولي. من الناحية الفعلية، سيشكل نقل معبر رفح المرحلة الأخيرة في عملية عزل قطاع غزة عن بقية أنحاء العالم.

وستزداد القيود المشددة على تصدير المنتجات الزراعية والمنتجات الأخرى من غزة، لأن قوات الاحتلال ستحتفظ بالسيطرة على الحدود والمعابر. علاوة على ذلك، ألزمت إسرائيل نفسها بإنهاء توجه العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل بحلول عام 2008. مع ذلك، فالإغلاق المشدد لحاجز إيرز في شمال غزة يعني أصلاً بأن هؤلاء العمال ممنوعون من الوصول إلى أماكن عملهم بشكل يومي. إن الخنق المتواصل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة سيتصاعد في حال تطبيق الخطة المقترحة.

قطاع غزة هو منطقة محتلة معزولة، تتم معاملاتها التجارية في أحسن الظروف، من خلال ميناء بور سعيد ومطار القاهرة في مصر. سيصبح ذلك حسب "خطة الانفصال" أكثر صعوبة خاصة إذا تم نقل معبر رفح. ومن شأن هذا الخنق الاقتصادي المتصاعد أن يؤدي إلى زيادة معاناة الفلسطينيين بينما يتم الترويج لوهم الانسحاب لدى المجتمع الدولي، وسيكون لهذه المعاناة الاقتصادية المتزايدة تأثيرات متعددة، فهي بالدرجة الأولى ستدفع مئات آلاف الفلسطينيين إلى مغادرة قطاع غزة بصورة دائمة. ثانياً، بالنسبة للفلسطينيين الذين سيبقون في غزة، ستصبح الحياة لا تطاق، وسيدفع هذا المستوى من المعاناة بعض العناصر في المجتمع الفلسطيني إلى رد فعل سياسي، والأهم رد فعل عسكري، لا مفر منه، وسيشكل رد الفعل هذا مبرراً إضافياً لإسرائيل لكي تصعّد أنشطتها العسكرية (والتي تظهر في أشكال متعددة من المخالفات للقانون الإنساني: العقاب الجماعي، والإعدامات خارج نطاق القضاء، والهجمات غير المتناسبة والعشوائية على المدنيين). وتذكر الخطة هذا الاحتمال عندما تحدّد بأن إسرائيل ستحتفظ بالحق في القيام بإجراءات عسكرية في قطاع غزة:

"تحتفظ إسرائيل لنفسها بالحق الأساسي في الدفاع عن النفس، بما في ذلك اتخاذ خطوات وقائية والرد باستخدام القوة ضد التهديدات التي ستنطلق من قطاع غزة."

من الناحية الفعلية، وحسب الخطة كما نشرت حتى الآن، فإن وضع قطاع غزة كأرض محتلة لن يتغير، فالمادة 42 من اتفاقية لاهاي الرابعة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب على الأرض لعام 1907 تنص على أن:

"المنطقة تعتبر محتلة عندما تكون من الناحية الفعلية خاضعة لسلطة جيش معادٍ، ويشمل الاحتلال فقط المناطق التي تنشأ وتمارس فيها تلك السلطة."

تجادل إسرائيل بأن هذه الخطة ستعمل على "تبديد الادّعاءات بشأن مسئولية إسرائيل عن الفلسطينيين في قطاع غزة." وتظهر السياسات والممارسات الإسرائيلية بأن إسرائيل تحتفظ حالياُ بالسلطة الفعلية في قطاع غزة، وتشير تفاصيل الخطة بشكل قوي إلى أن من غير المرجح أن تزول هذه السلطة بل إنها ستتعزز. بالتالي فإن احتلال قطاع غزة سيتواصل حتى في حال تنفيذ هذه الخطة وستظل اتفاقية جنيف الرابعة منطبقة، حيث تنص المادة السادسة من الاتفاقية على أن قوة الاحتلال ملزمة بالاتفاقية إلى أن يأتي الوقت وينتهي الاحتلال.

حتى في حال تنفيذ هذه الخطة، ستبقى إسرائيل قوة احتلال عليها التزامات واضحة وكثيرة تجاه السكان المدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي سيظلون أشخاصاً محميين وفقاً للمادة 4 من اتفاقية جنيف الرابعة:

"الأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية هم أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل كان، في حالة قيام نزاع أو احتلال، تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه، أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها."
الضم غير المشروع للأراضي المحتلة
إن برنامج الاستيطان الإسرائيلي، الذي يشمل المستوطنات، والمواقع الاستيطانية، والبنية التحتية الاستيطانية، بما في ذلك المواقع العسكرية، يشكّل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني، فنقل جزء من سكان قوة الاحتلال إلى المنطقة التي تحتلها هو مخالفة جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة، وبمثابة جريمة حرب حسب المادة 85 من البرتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف. وتخالف المستوطنات مبدأ عاماً في القانون الدولي وهو أن قوة الاحتلال لا يمكنها تغيير طبيعة المنطقة التي تحتلها باستثناء الضرورة العسكرية، وفي حال أن تلك التغييرات من شأنها أن تفيد السكان الواقعين تحت الاحتلال.
إن برنامج إسرائيل الاستيطاني، بما في ذلك السياسات والممارسات المطبقة من أجل استمراريته، لا يفيد السكان الفلسطينيين، ولا يمكن اعتباره ضرورة عسكرية. وقد أكدت الأجسام الدولية والأجسام البين-حكومية، بما فيها الأمم المتحدة، بشكل متكرر بأن المستوطنات تشكل مخالفة جسيمة للقانون الدولي الإنساني وجريمة حرب.
مع ذلك، تؤكد "خطة الانفصال" بوضوح نوايا الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالضم غير المشروع للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية:
"من الواضح بأن هنالك مناطق في الضفة الغربية ستكون جزءاً من "دولة إسرائيل"، بما في ذلك مدن، وبلدات، وقرى، ومناطق ومواقع أمنية، وأماكن أخرى فيها مصلحة خاصة لإسرائيل.
ولقي هذا التعبير الأخير عن أهداف الضم الإسرائيلية تأييداً في تصريح أدلى به الرئيس الأمريكي:
"في ضوء الحقائق الجديدة على الأرض، بما في ذلك المراكز السكانية الرئيسية الموجودة أصلاً، فإن من غير الواقعي أن نتوقع بأن نتيجة مفاوضات الوضع النهائي ستكون عودة كاملة إلى خطوط الهدنة لعام 1949."

إن "جدار الضم" الذي تقوم إسرائيل ببنائه حالياً هو التعبير الأبرز عن سياسة الضم التي تتبناها إسرائيل. وقد صرح مقرر الأمم المتحدة الخاص للأراضي الفلسطينية المحتلة جون دوغارد بأن "الهدف الرئيسي من الجدار هو ضم، وإن كان بوسائل الأمر الواقع، أراضٍ أخرى إلى دولة إسرائيل. وتنص الخطة على تسريع بناء جدار الضم. وتدعي إسرائيل، حتى في هذه الخطة، بأن الجدار هو:
"حاجز أمني وليس سياسياً، مؤقت وليس دائماً، وبالتالي فهو لن يضر بأي من قضايا الوضع النهائي، بما فيها الحدود النهائية."
ولكن هذه الادعاءات تتناقض كلياً مع الحقائق على الأرض، حيث يتم بناء الجدار في عمق أراضي الضفة الغربية وليس على طول الخط الأخضر الذي يشكل حدود عام 1967، وتقدر تكلفة بنائه بنحو 4.7 مليون دولار لكل كيلومتر واحد، وشملت عملية البناء تدمير مساحات واسعة من الأراضي والمحاصيل الزراعية، وتدمير المنازل والبنية التحتية والمنشآت المدنية، ويتألف الجدار من أبنية من الاسمنت المسلح بارتفاع 8 أمتار، وخنادق، وأسيجة الكترونية، وتجهيزات مراقبة معقدة، وطرق. بالتالي، فإن الجدار ليس حاجزاً مؤقتاً، ولا يتم بناؤه لأسباب أمنية. نقلت صحيفة هآرتس عن نائب المدعي العام الإسرائيلي مالخييل بالاس قوله بأنه حتى إذا توقفت عمليات تسلل الجماعات المسلحة الفلسطينية إلى إسرائيل بصورة كاملة، فإن الحكومة فقط "ستزيل أجزاء" من الجدار، وهذا يشكل دليلاً إضافياً على أن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى إقامة الجدار كبناء دائم.

إن الإستراتيجية التي تقف وراء "خطة الانفصال" مرتبطة بشكل وثيق بالإستراتيجية التي تقف وراء "جدار الضم." تقضي الخطة الإسرائيلية بإعادة الانتشار من 4 مستوطنات في الضفة الغربية، ولكن سيرافق ذلك ضم شامل لأجزاء واسعة من الضفة الغربية بحيث يكون الأثر الإجمالي هو فرض نظام قيود مماثل على الضفة الغربية: قيود على حرية الحركة، وانتهاك الحق في الغذاء والحق في المياه، وتدمير الحياة الاجتماعية والثقافية، وفرض معاملة قاسية وغير إنسانية ومهينة (خاصة على الحواجز)، واستئصال فرص العمل والتعليم.

تواصل إسرائيل السماح لاعتباراتها السياسية والعسكرية بتجاوز القانون الدولي الإنساني، ويدل على ذلك الإدانة التي صدرت عن وزارة الدفاع لملاحظات المدعي العام الإسرائيلي بأن على إسرائيل أن "تبحث بصورة كاملة" إمكانية التطبيق القانوني لاتفاقية جنيف الرابعة. وقد أخبر المدعي العام بأن إدارته لا تفهم أمور "الدفاع والأمن". إن الرفض الإسرائيلي لتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ينبع من الرغبة في تأكيد سيطرة إسرائيل المطلقة على الوضع القانوني والسياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبينما تصر إسرائيل على حقها في تقرير المستقبل القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال التخلي عن العملية التفاوضية، فإنها تحتفظ بالسيطرة القانونية الكاملة على الأراضي الفلسطينية المحتلة (على الرغم من محاولاتها إنكار هذه المسئولية من خلال ادعاء "الانسحاب").

بسبب أوهام "الانسحاب"، حرفت "خطة الانفصال" الأنظار عن تنفيذ الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية حول الجدار، ووفرت مساحة للسلطات العسكرية والسياسية الإسرائيلية من أجل تسريع بناء الجدار، وهو ما يعني خلق "حقائق على الأرض." وكما ذكر سابقاً، فإن استخدام مبرر "الأمن" لبناء الجدار قد تقوّض بشكل كامل بفعل فشل النموذج الأمني في غزة. والهدف الإستراتيجي الرئيسي هو ضم مناطق والخنق الاقتصادي والاجتماعي للضفة الغربية.

اللاجئون
كجزء من الخطة ذي مدى أبعد، يبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة قد توصلتا إلى اتفاق حول قضية اللاجئين، فقد ذكر الرئيس الأمريكي في رسالته إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي:
"يبدو من الواضح بأن هنالك حاجة إلى إطار متفق عليه، وعادل، ونزيه، وواقعي لحل لقضية اللاجئين الفلسطينيين كجزء من أي اتفاق حول الوضع النهائي من خلال إقامة دولة فلسطينية، واستقرار اللاجئين الفلسطينيين فيها بدلاً من إسرائيل."

إن حق العودة لأولئك الذين تم نفيهم من منازلهم يكفله القانون الدولي، فالمادة 12-4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تعتبر إسرائيل دولة طرفاً فيه، تنص بشكل محدد على أنه "لا يجوز حرمان أحد، تعسفاً، من حق الدخول إلى بلده." وقد فسرته لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على أنه يشمل:

"على الأقل شخصاً لا يمكن اعتباره مجرد غريب بسبب علاقاته الخاصة أو ادعاءات بوجود علاقة له مع بلد معين. وهذه هي الحال، على سبيل المثال، بالنسبة لرعايا بلد جردوا من جنسيتهم في انتهاك للقانون الدولي، وبالنسبة للأشخاص الذين يندمج أو ينتقل بلدهم الأم إلى كيان وطني آخر لا يمنحهم الجنسية.

إن نية إسرائيل تسكين اللاجئين الفلسطينيين خارج الأراضي التي تم نفيهم منها يخالف الحقوق الأساسية للاجئين، بما فيها الحق في التعويض والحق في اختيار العودة إلى الأراضي التي تم نفيهم منها أو أي مكان آخر.

خاتمة
إن هذه الخطة التي اقترحها "شارون" وتم تطبيقها، هي محاولة للالتفاف على التزامات إسرائيل القانونية المطلقة كدولة احتلال، حيث تطرح السلطات الإسرائيلية، تساندها الولايات المتحدة، تحركاً أحادي الجانب ينكر حق العودة، ويؤدي إلى استمرار الأنشطة العسكرية، ومواصلة حصار وإغلاق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وزيادة الخنق الاقتصادي والاجتماعي للمدنيين الفلسطينيين، وهو ما يعني السيطرة على كافة مظاهر الحياة الفلسطينية. بالتالي، فإن هذه المبادرة تتعارض كلياً مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
كمبادرة تقوض الالتزامات القانونية الأساسية كما حددها القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن تأييد دول أخرى، خاصة الولايات المتحدة، لهذه الخطة يثير قضايا خطيرة فيما يتعلق بالتزاماتها القانونية، خاصة كأطراف سامية متعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة، حيث تضع المادة الأولى من الاتفاقية التزاماً مطلقاً على عاتق كافة الأطراف السامية المتعاقدة باحترام الاتفاقية وضمان احترام الاتفاقية. فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة، يلزم ذلك الأطراف السامية المتعاقدة بضمان احترام إسرائيل للاتفاقية، وأن تحترم هي الاتفاقية في نشاطاتها المتعلقة بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
وعدم العمل على ضمان احترام إسرائيل للاتفاقية هو خرق لهذا الالتزام. وقد يحدث خرق آخر إذا ساندت إحدى الدول الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاقية، بما فيها تلك التي ترتكب في سياق "خطة الانفصال."

وعليه:-
1- ندعو إلى المطالبة بتنفيذ بنود اتفاقية جنيف الرابعة إلى أن يزول الاحتلال. والعمل على تحقيق الحقوق التي يكفلها القانون الدولي للسكان المدنيين الفلسطينيين، بما فيها حقوق اللاجئين، وعدم السماح بالاستيلاء على أراضٍ بالقوة، والحق في تقرير المصير.
2- استمرار المطالبة بإنهاء الاحتلال ونقل السيادة بصورة شاملة وحقيقية إلى الشعب الفلسطيني، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
3- تضمين القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني كجزء لا يتجزّأ في أية تسوية نهائية حول مستقبل فلسطين.
4-التمسك بوجهة النظر القانونية والسياسية التي تقول بأن الاحتلال الإسرائيلي، حتى في حال الانفصال، يبقى بركنيه المادي والقانوني، وعليه، يجب ألا نمنح الاحتلال براءة ذمة من مسئولياته وجرائمه، إلى أن يتحقق الانسحاب الفعلي الكامل طبقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الشأن.
5 -التمسك بحق شعبنا في استمرار كفاحه الوطني حتى دحر الاحتلال وقيام دولته المستقلة (الشرعية الدولية)
6- التمسك بوحدة الكيان الفلسطيني، وبالولاية الفلسطينية الكاملة (مبدأ السيادة الكاملة)
7- حول التسمية :-
نقترح ان يتضمن خطابنا ووثائقنا الكلمات التالية "إخلاء وإعادة انتشار" بما يعني إخلاء للمستوطنات وإعادة نشر قوات للاحتلال الإسرائيلي " وعدم استخدام كلمة انسحاب أو أي كلمات أخري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات