الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعتقال سعدات ومسرحة الحدث

ناجح شاهين

2006 / 3 / 16
القضية الفلسطينية


هل كان بإمكان إسرائيل أن تعتقل سعدات ورفاقه في زمن أقصاه نصف ساعة؟ الجواب على الأرجح بالإيجاب. لكن ضرورات "فنية" في جوهرها قد حالت فيما يبدو دون أن يتم ذلك. كان لا بد من إخراج تلفزيوني يليق بحاجات أولمرت الانتخابية. ومن ناحية أخرى كان لا بد من درس جديد يوجه للفلسطينيين فحواه أن إسرائيل تستطيع أن تفعل كل ما يحلو لها بغض النظر عن الاتفاقيات والأعراف والتقاليد، وأنها بوصفها ربيبة العالم الغربي لا تخضع للقانون الذي يخضع له الآخرون. وذلك بالطبع شأن الولايات المتحدة التي تنتهك كل القوانين التي تطالب الآخرين بها.
على امتداد ساعات طويلة وثقيلة مارس الكل دوره المرسوم له بدقة متناهية. لقد كان مطلوباً أن تضخم واقعة الاعتقال أمام العدسات. الفكرة هي أن تظهر عملية السيطرة على خمسة معتقلين أمراً شائكاً ومعقداً. ولا بد من تضخيم المهمة حتى تعطي أكبر قدر من البهجة الإعلامية والنفسية. وهي تقانة أصبحت رائجة في زمن الحروب المتلفزة الراهنة. أليس ذلك هو ما تم على وجه الضبط والدقة قبيل احتلال العراق مرتين في اقل من عقدين: أعني ألم يتم تحويل العراق إلى قوة خامسة أو رابعة حتى تتحقق البهجة عند انهيار الوحش العراقي المرعب على يد الشجعان اليانكيين.
وسائل الإعلام العربية تعلمت دروس ال سي.أن.أن في أهمية الإثارة في الإعلام كما في أمور أخرى. فلا بد من تسلية الناس وكسر إيقاع حياتهم الرتيب كذلك فإن الاستعراض التلفزيوني يجب أن يفرغ الشحنات العاطفية ويطهرها، فذلك درس أرسطو الأول في التراجيديا. الجزيرة حلت محل المحطات الأمريكية إلى حد إتقان الدور. نتذكر مهارتها في تغطية اجتياح رام الله منذ ثلاث سنوات. التهييج يمثل العنصر الأبرز في اللوحة: وبعد " سقوط" مدن أخرى تأتي رام الله العاصمة. الفضائيات تنبه بقوة وتركيز يتكرر على فترات متلاحقة أن رام الله تختلف لأنها مقر السلطة ورمز أشياء كثيرة؛ لم أعد أذكرها. مذيع إحدى الفضائيات في حديث مع الراحل عرفات يقول: "وهكذا سقطت رام الله" كأن رام الله وقواتها المسلحة كانت على وشك دك تل أبيب وما جاورها. هناك سخرية واضحة بالنسبة للعارفين بألف باء واقع الحال. ولكن لا بد من تمثيل الدور حتى النهاية، وإيهام جماهير البشر في الغرب أن وحشا آخر قد سقط في مسيرتهم المظفرة ضد الإرهاب. كذلك لا بد من إيهام جماهير البلاد المستعمرة التعسة أن جيشهم قد هزم بينما لم يكن يفترض فيه ذلك. إلحاق الذل والأذى النفسي جزء من فكرة التلفزة المثيرة. طبعا علينا أن لا نغفل أهمية الحدث بوصفه عملا دراميا أعد على مهل من أجل إمتاع الجمهور.
أحمد سعدات وسط سيل من الخطابة مارسته الطبقة السياسية الفلسطينية المغرقة في اللغة التي لا تقول شيئا عن الواقع، ابتلع – على غير عادته- الطعم، وانساق وراء الحدث متناغما مع شروط المخرج الإسرائيلي. فأعلن بشكل ميلودرامي لا مسوغ له أن سيواجه " مصيره بشجاعة". لم يكن من ضرورة لذلك. وكان بإمكانه تهدئة إيقاع الحدث بالقول إنه معتقل أعزل لا حول له تجاه جبروت الاحتلال المدجج بكل الأسلحة بما فيها النووية. إنه حتى لا يستطيع أن يختار أن يموت فيما لو أراد ذلك، لخلو كنانته من أي سهم يقتل به نفسه. ما كان لأحد أن يشكك في شجاعة الرجل ورباطة جأشه لأنه برهن ذلك في العديد من المناسبات.
وكان ذلك سيوفر على الشعب الفلسطيني صدمة أخرى هو في غنى عنها خصوصا أنها مفتعلة وغير حقيقية. لكن سعدات للأسف أسهم في تصنيع الصدمة برفعه التوقعات إلى أقصى حد وحفزه الحس الشعبي باتجاه الاستشهاد وروح المأساة. ولذلك فقد جاء العرض النهائي للحدث الميلودرامي مخيبا للآمال فسقط الجمهور فريسة مشاعر الإحباط والهزيمة. وهو انحدار جديد يحرم الناس من الرؤية العقلانية الخالية من التشنج، والتي تسعف المرء في مواجهة المواقف القاسية بحد أدني من طاقة المقاومة بغض النظر عن شراسة الهجمة المعادية ودقة أدائها. أما الاستعراضات البهلوانية على شاشات الفضائيات فهي تدفع الناس إلى اليأس وتشعرهم بعبث محاولة فهم الواقعة السياسة. وبالتاي يندفع الجمهور إلى المزيد من هجران السياسة على قاعدة تركها لأصحابها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد يختبران مدى التوافق بين عمار وريم ????


.. بحثا عن غذاء صحي.. هل المنتجات العضوية هي الحل؟ • فرانس 24 /




.. خروج مستشفى الأهلي المعمداني عن الخدمة بعد العملية الإسرائيل


.. إسرائيل قطعت خدمات الاتصالات على قطاع غزة منذ نهاية شهر أكتو




.. أمهات المحتجزين الإسرائيليين ينظمن مسيرة في الكنيست