الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


..1..الديمقراطية بيم المفهوم والتطبيق

خليل صارم

2006 / 3 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الديمقراطية بين المفهوم والتطبيق
يتمسك الكثير في مفهومهم للديمقراطية بقاعدة ( المساواة التامة أمام القانون ) ولاأدري إذا كان قد خطر ببالهم عند طرح هذه القاعدة السؤال التالي : من يضع قواعد القانون ..؟ ثم عندما يعودون لترجمة عبارة الديمقراطية عن أساسها اللاتيني والتي تعني ( حكم الشعب) .. أي ممارسة السلطة بشكل دائم من قبل الشعب . يتم الخلط أحياناً مابين الممارسة التنفيذية وإنتاج التشريع.
والواضح أن الشعب يجب أن يكون منتجاً للتشريع وبالتالي منتجاً للسلطة وذلك وفق أرقى التطبيقات الديمقراطية ..وإنتاجه للسلطة هنا لايعني ممارسته للسلطة لأنه من المستحيل الوصول الى جمهورية (أفلاطون ) وبالتالي أن يوجد على ظهر البسيطة شعب يحكم نفسه بنفسه . هذا يحتاج الى شعب من الآلهة أو من الملائكة بالمطلق* لأنه لايمكننا ايجاد مجتمع يتخلى أفراده عن مصالحهم الخاصة وإلا فإننا لسنا بحاجة الى قوانين ودساتير وهذا يقتضي بدوره عالماً يخلو من النزاعات والأطماع والرغبة في السيطرة واستغلال الشعوب اعتماداُ على القوة العسكرية . فإذا توفر الحد الأدنى من هذا العالم انتفت الحاجة الى الجيوش وصناعة الأسلحة . وبالتالي انتفاء الحاجة الى وزارات الدفاع التي تستنزف النسبة العظمى من دخل البشرية لتنصرف الموارد الى رفاهية الانسانية بشكل عام .
نعود للمفهوم الديمقراطي . ودون الاتكاء على آراء ونظريات مسبقة . لنحاول فهم الديمقراطية وفق مقاييس العصر استناداً لتطور المفاهيم وضرورات الحاجة النابعة من مستوى التطور التقني العلمي الذي يفرض شروطاً جديدة ومفاهيماً أكثر حداثة على المجتمعات الانسانية التي تشهد تغيراً نوعياً في العلاقات الانسانية المجتمعية والاقتصادية تنتج أنماطاً قانونية أكثر تخصصاً وتجزئة عن السابق بحيث تبرز الحاجة الى العناية القانونية بأدق التفاصيل التي تمس حياة الأفراد وضمان حمايتها وإيجاد صيغ وقواعد قانونية لم تكن معروفة سابقاً وهذه بدورها تنتج حاجة سياسية جديدة متطورة .. ومفاهيماً أكثر وضوحاً لأنظمة الحكم .. ربما تتجاوز المفهوم الديمقراطي في المستقبل القريب .. الى مستوى ربما السوبر ديمقراطي .. مع أن الديمقراطية الحالية لم تتعرف عليها بعد غالبية شعوب العالم .. وهذا لايعني قطعاً أن نتمسك بهذه المقولة .. فنحافظ في عالمنا العربي على الوضع الحالي .باعتبار أن غالبية شعوب العالم لم تعرف الديمقراطية بعد لنقف في آخر الصف . وهذا ماتحاوله أنظمتنا لو تسنى لها ذلك .
يمكن للنخب المثقفة والمتنورة أن تبدأ بصياغة مفاهيماً للديمقراطية على أن تضع عينها على المستقبل .. ولاتخرج من واقعها الحالي . حتى لاتخرج بتفصيلة لاتتلائم *ومستوى الوعي لدينا .. وقدرتنا على هضمها بسهولة دون أن تتسبب لنا بإرباكات
إن المفاهيم السائدة للديمقراطية لدى النخب العربية مأخوذة في غالبيتها إن لم تكن بكاملها من المفاهيم الغربية لها التي قطعت أشواطاً طويلة في التطبيق بحيث باتت قادرة على تطويرها وتعديلها وفق حاجاتها التي يفرضها التطور المجتمعي الى جانب التطور التقني العلمي والمعلوماتي الذي حل مؤخراً بتسارع مذهل جالباً معه الكثير من القيم والعادات والعلاقات الغير مسبوقة في التاريخ الإنساني . وهذا ماسنراه لاحقاً .
أقول أن نخبنا التقطت مفاهيم الديمقراطية كما هي في الغرب دون أن تلاحظ الفارق الهائل في التطور المجتمعي الذي أفرز دساتيراً متطورة أنجبت قوانيناً ألمت بتفاصيل دقيقة لم نفهم لها قيمة وفقاً لمفاهيمنا السائدة ووفقاً لنمط حياتنا وتركيبة مجتمعاتنا . وهذا مايجعل الديمقراطية الغربية بواقعها الراهن مستحيلة التطبيق عندنا , وفي حال محاولة تطبيقها كما هي ستأتي بنتائج عكسية . كمن ينقل عضواً من جسم الى جسم دون مراعاة الزمر الدموية وتآلف الأنسجة الأمر الذي يجعل الجسم يرفض العضو الجديد ويتسبب بنكسة تعود بنتائج سيئة على الجسم الجديد وتتلف العضو المنقول .
- لاأدري سبباً معقولاً يدعو نخبنا الى اعتماد آراء المنظرين والفلاسفة الغربيين حين البحث في مفاهيم الديمقراطية .. فهل هم غير قادرين على فهم حاجات مجتمعاتهم وتركيبتها ومستوى تطورها وبالتالي مستوى الجرعة الديمقراطية التي هي بحاجة لها والتي هي قادرة على تمثلها وهضمها لتنتقل الى الجرعة الثانية بطريقة لاتتسبب لها بردة فعل . بالطبع فأنا هنا لاأحاول ايجاد ذريعة للأنظمة العربية التي لاتقبل بأي شكل من أشكال الديمقراطية وإن أرغمت فإنها ستزيفها وتحاول تشويهها . ولكنني أحاول أن أعتمد الفارق الحضاري والزمني الذي قطعته المجتمعات الغربية حتى أصبحت المفاهيم الديمقراطية لديها حالة غريزية تماماً .ذلك لايعني تماماً أن نبدأ كما بدأت المجتمعات الغربية , فمستوى التطور لدينا قياساً بالبدايات الغربية يؤهلنا لكي نعتمد مفاهيماً متطورة تقربنا من الحالة الموجودة في الغرب دون تمثلها تماماً . ويجب أن نفهم أن الغرب قد انتقل الى الديمقراطية انطلاقاً من حاجته الماسة التي فرضتها شروط النهضة الصناعية وتعسف العقلية الإقطاعية الدينية التي راكمت من الظلم ماأدى الى انفجار الثورة الفرنسية التي أرست مفاهيماً سياسية اجتماعية جديدة ألغت ماقبلها لتبدأ تاريخاً جديداً اعتمدته البشرية . في حين أننا مانزال نعيش الحالة ماقبل الصناعية أو بالأصح مابين الزراعية والصناعية فنحن مانزال نحبو صناعياً وتسيطر على مجتمعاتنا عادات وأنظمة المجتمع الزراعي مطعمة بنكهة عالية من الدين . الذي تحاول رموزه قطع الطريق على الحالة الديمقراطية في محاولة منها لحرف التاريخ عن سكته الطبيعية لتدخلنا في عصر تحكم المؤسسة الدينية التي لم تصل الى سدة الحكم عبر تاريخها ..رغم محاولاتها لكنها كانت شريكة في الحكم بشكل أو بآخر .. وهذا ماوفر غطاء شرعياً للنظام السياسي العربي الذي تمادى في ظلمه وانحرافه بحيث تمكن من فرملة التاريخ وتطور هذه الشعوب الطبيعي فهو قد سيس الدين منذ ظهور الامبراطورية العربية ليستمر في هذه الحالة حتى العصر الحالي بحيث أنتج ديناً سياسياً لاعلاقة له بالدين حقيقة . وقد تمثلنا النهضة في العصر الحالي عبر الانتقال الى نمط المجتمع الاستهلاكي المحير الذي يخلو من أي نمط منطقي يمكن البناء عليه بقصد الانتقال من حالة الى حالة . في ظل أنظمة توتاليارية , عسكرتارية شمولية متخلفة. لاعلاقة لها بالمنطق والتطور الطبيعي ولاينطبق عليها أي من مقاييس وقواعد التطور التاريخي المعروفة وغير المعروفة حتى . متكئة دائماً على الدين ومجموعات من رجال الدين جاهزة لشرعنة سلوكياتها . لذلك فان الديمقراطية هي الدواء الأنجع لمجتمعاتنا لنقلها الى سكة الحضارة السليمة .
- كيف يمكن أن نفهم الديمقراطية في واقعنا :
- إن أنماط الديمقراطية الغربية السائدة تبدأ من حرية اختيار المواطن لممثليه أو للقوى والأحزاب التي ينتمي اليها ولغاية إيصالها الى السلطة . حيث أن هناك دستور وقوانين تحدد مجالات هذه السلطة فلا تتجاوزها مهما كان رصيدها الانتخابي . وهذا الدستور والقوانين النابعة منه توفر الحماية لحقوق المواطن وحريته . وفي ظل ذلك يكون اختيار المواطن لممثليه حسب البرامج التي يتقدمون بها والتي يرى فيها أنها تتضمن أفضل الخدمات له وتزيد من مستوى رفاهيته .
- إذاً فان أية برامج انتخابية تطرح ستكون تحت سقف الدستور والقانون , ولكن قد يكون هناك حاجة يفرضها التطور الحاصل لتعديل أحد بنود الدستور وإضافة أو تعديل في بعض القواعد القانونية . وهذه يمكن أن تكون هدفاً أساسياً في البرامج الانتخابية وفوزها بالأكثرية يحتم تعديلها . كون هذا التعديل قد أقرته مسبقاً أكثرية شعبية في عملية تجسيد لمبدأ الشعب هو المنتج للتشريع وبالتالي هو المنتج للسلطة .
- في الواقع فان الديمقراطية هي وليدة علمنة الدولة لأن الحالة الأولى للدولة الحديثة في الغرب هي التوجه العلماني أي بروز الدولة ( اللادينية ) أي الدولة المحايدة التي لاتتكيء في قوانينها على الأكثرية الدينية ولكنها تنطلق من خلال المساواة التامة بين مواطنيها من حيث الدين والعرق والجنس واللون بحكم القانون الذي يوفر الاحترام للجميع من حيث حرية المعتقد ودون أي تمايز كما أسلفنا .. وهذا هو المفهوم الصحيح للدولة اللادينية . وليس كما ذهب اليه رجال الدين عندنا الذين تمسكوا بحرفية عبارة اللادينية .. ليترجموها الى حالة الكفر والالحاد . لأنه كان من المفروض لو صح ذلك أن تمنع ممارسة الشعائر لأي معتقد وهذا مالم يحصل على الاطلاق . بل منحت الحرية المطلقة لأي فرد أن يمارس ماشاء من الشعائر والعبادات . ولكن الأمر الواضح هو منع أية حالة إكراه مادي أو معنوي أو أي شكل من أشكال القسر والسيطرة على إرادة الغير . مع فرض احترام حرية الغير في اختياره .وهذا ماأزعج رجال الدين الذين يتهالكون على ممارسة القسر والقهر عندما يكونوا ممثلين للأكثرية الدينية .
- ان القانون في ظل الديمقراطية يعاقب على نظرة الاحتقار لمعتقدات الآخرين كذلك الاساءة واحتقار الآخر من حيث العنصر والجنس واللون ..الخ وبالتالي فهو يحمل المجتمع باتجاه العدالة والمساواة التامة دون تمييز أو تمايز أمام القانون الذي يوفر العدالة والحماية التامة للجميع ويضمن حقوق كل فرد في المجتمع .
* (يتبع ... ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كينيا: قتلى وجرحى إثر تفريق الشرطة مظاهرات مناهضة للحكومة في


.. احتجاج أمام شركة -سيمنز- الألمانية رفضا لتعاونها مع إسرائيل




.. تأثير الذكاء الاصطناعي في الحروب


.. السياسي العراقي فائق الشيخ علي يوجه رسالة لحسن نصر الله: -كي




.. الإفراج عن عشرات أسرى الحرب الروس بعد تبادل للأسرى مع أوكران