الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاكم ليست لإحقاق الحق وانصاف الضحايا

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2006 / 3 / 17
حقوق الانسان


إنه لمن الضروري جدا أن لا يقع المرء في هذا العصر ضحية للأفكار السائدة ، فتخرجه عن إطار الحياة الإنسانية ، وتجعله عديم الحس والشعور . وإنه ضروري للغاية أيضا مراجعة التاريخ لمعرفة أسباب الجرائم التي ارتكبت في حق البشرية البريئة ، ومن المسؤولون عنها أولا ، و اكتشاف أسبابها ، بغض النظر عن اليد التي ارتكبتها. فالتاريخ يقول لنا إن الأطماع الرأسمالية بلورت عقلية تدميرية إبادية وحولت الحرب إلى طريقة حياة ، و سببت مجازر بحق ملايين البشر الأبرياء على سطح الأرض. وإن فهم هذه النقطة يجعل المظلومين أكثر قدرة على التعامل مع مآسيهم والمظالم التي لحقت بهم ، ويحول التجارب المريرة التي تعرضت لها على مر العصور إلى رصيد إيجابي يخدم الإنسانية إذا ما تعلمت الدروس والعبر منها ، و عرفت أن ثمة مجرمين لا يزيدون عن كونهم أدوات تنفيذ ، أو مبرمجون لتنفيذ أوامر الأقوياء وأسيادهم.

لعل ّ محاكمة الدكتاتور السابق صدام وأعوانه ، و التي تواصل جلساتها هذه الأيام حيث تمر الذكرى 18 لفاجعة حلبجة حدث تاريخي مهم في تاريخ العراق والعالم. وثمة وجهات نظر مختلفة وفقا للمواقع الطبقية ، والمصالح السياسية و الإيديولوجية ، وأن الشيوعيين واليسار والطبقة العاملة ينظرون لها من موقعهم الطبقي و من زاوية المصالح الإنسانية ، وما تقدمه لصالح تقدمها و صيانة كرامتها ، وفي سبيل أن لا تتكرر مآسي جماهير الشعب العراقي .
فالإستقطابات السياسية والأيديولوجية العالمية أمست تتحكم بالسياسة والسياسيين في الشرق الأوسط ، وتؤثر بشكل كبير على سير المحكمة المكلفة بمحاكمة رؤوس النظام الدكتاتوري السابق.
أسئلة تثار دوما ، من قبيل ما هي الدوافع وراء مثل هذه المحكمة ؟ من أين تستمد مشروعيتها؟ ما هي مواقف البشرية المتمدنة التحررية ، والطبقة العاملة و الشيوعيين منها؟ ما الذي يمكن أن تقدمه في خدمة النضال ضد الدكتاتورية و الإرهاب ؟

و لا شك البتة في أن صداما و أعوانه المقربين مجرمون بكل معنى الكلمة ، ويستحقون محاكمة عادلة ، لا أن ينالوا جزاء هم العادل فحسب ، بل لكي يكونوا عبرة لي دكتاتور وبلطجي آخر . وصدام دكتاتور غارق حتى أذنيه في جرائم بحق العراقيين والإنسانية ،و رغم ذلك يجب أن تحظى محاكمته بالشرعية ، وتكون منبثقة من إرادة الشعب العراقي.

فالحكومة ، أو بالأحرى الحكومات الطائفية والرجعية في العراق ، حكومات المحاصصة والتقاسم والفضائح والفظائع الحالية في العراق مثلها مثل النظام البعثي حكومات مفروضة على العراقيين ، وليست منتخبة من قبل الشعب ، وهي جاءت نتيجة للاحتلال الأمريكي الإنجليزي للعراق ، و هي تفتقد لصلاحيات تشكيل أية محكمة ، ناهيك عن محكمة ثبت في أخطر قضية . وإن أغلب الحكام الحاليين ، لو كان كان ثمة حق وعدل في عصر العولمة الأمريكية ، ينبغي أن يكونوا في قفص الاتهام إلى جنب صدام و أعوانه ، أو في محاكمة جنايات وجرائم ضد الإنسانية . فصفقاتهم مع صدام و مشاركتهم في معظم جرائمه لا تزال طازجة في ذاكرة العراقيين.

فهذه المحكمة ليست لإنصاف ضحايا النظام البعثي السابق ، وليست في سبيل أن لا تتكرر حلبجة و الأنفال والمقابر الجماعية . إنّها محكمة شكلت في سبيل إضفاء الشرعية على الاحتلال والعدوان الإمبريالي على العراق ، و إيهام الرأي العام بأن في العراق حكومة شرعية منتخبة من قبل الشعب ، وكذلك لإبعاد الأنظار عن الجرائم التي ترتكب منذ إسقاط النظام البعثي في سجون الاحتلال و الميليشيات ، و التعمية على رؤية الكابوس السياسي الجاثم على صدور أهل العراق ، و المفروض من قبل الاحتلال و العصابات الطائفية والقومية والعشائرية.
إنها أقيمت لأجل إسدال الستار قسرا عن فصل في التاريخ للشروع بفصل جديد من القمع والاستغلال و الهيمنة على مقدرات الجماهير المضطهدة المستضعفة .
إنها ورقة أخرى سياسية بيد عّرابي النظام الإمبريالي الجديد ، وليس ثمة ما يربطها بالعدالة والعدل والإنصاف لضحايا النظام البعثي السابق.
لقد طبّل ، كعادته، إعلام السلطات الكردية وأبواقها المملة لهذه المحكمة ، مصورا إياها محكمة ضحايا القصف الكيماوي لحلبجة وهجمات الأنفال ، واعتبر ذلك من مكاسب مهمة للشعب الكردي و ثمرة "نضال" قادتهم !!! مستندين إلى
كون القاضي كرديا، متناسين أنه في المجتمعات المتحضرة لا يمكن لمحكمة ما أن تكون قانونية و شرعية ، لو تمت أية إشارة إلى الانتماء الديني أو العرقي أو اللغوي أو الجهوي للقاضي ، أو الاستناد إليه ، لأن ذلك يكون دليلا قويا على تحيزها، وعدم حيادها.
فلو كانت ثمة توجهات صادقة لمحاكمة مجرمين بحق الشعب والإنسانية لكان الأولى محاكمة مسؤولين أصبحوا على رأس السلطات في العراق فرضهم المحتلون على الشعب العراقي.
والجدير بالقول هنا إنه ردا على محاكمة صدام ، كثر ما نسمع أن عربا و أصدقاء لهم ينوون تشكيل محاكم لبلير وبوش وشارون وهي لا تختلف شيئا عن محكمة صدام الحالية إذ أنها لن تشكل لمحاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها ، أو فضحهم أمام الرأي العام العالمي أو الإنصاف للمظلومين ، بل هي مجرد تحدي ورد بالمثل، وعرض عضلات أمام العالم و إثبات وجود ، و أنها تقوم لأجل تبرير جرائم القوى القومية والطائفية والرجعية في العالم الإسلامي . إنها محاكم مثل المحكمة الحالية لمحاكمة صدام وأعوانه تقع في سلسلة المهازل التي يعيشها العراقيون والعالم ، يشكلها المنتصرون والفاتحون ، وأنها تبغي محاكمة بوش وحلفائه لأنهم أساءوا لثقافة الحكام و تقاليدهم ومقدساتهم لا لجرائم الإمبرياليين بحق الإنسانية .
جرائم صدام وبينوشة وبوش وشارون وأمثالهم من أمراء الحرب و العصابات الدموية واللصوص معروفة للعالم ويجب فضحهم في محاكم يشكلها من يمثل بصدق وشرف الضحايا ، و عوائلهم و أهاليهم.

السويد في 16آذار 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير المعارضة والأكراد واللاجئين على كفيّ الأسد وأردوغان؟ |


.. الأمم المتحدة تكشف -رقما- يعكس حجم مأساة النزوح في غزة | #ال




.. الأمم المتحدة: 9 من كل 10 أشخاص أجبروا على النزوح في غزة منذ


.. فاتورة أعمال العنف ضد اللاجئين والسياح يدفعها اقتصاد تركيا




.. اللاجئون السودانيون يعيشون واقعا بائسا في أوغندا.. ما القصة؟