الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوسط الديمقراطي في انتخابات 2018، الى اين

وثاب داود السعدي

2018 / 5 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



بدأت الحملة الانتخابية لعام 2018، وأصبح واضحا المسار والخطاب السياسي لمختلف القوى السياسية المساهمة فيها، وكذلك الوسط المستهدف من قبل هذه القوى، من الهيكل الانتخابي العراقي.
ما يهمنا هنا هو الوسط الديمقراطي بقواه المتعددة، وتحليل المشاريع المطروحة، والاجابة على سؤال أساسي يتعلق بالانتخابات القادمة، الا وهو ما السبب وراء الانتصار القادم لأحزاب نهب المال العام، والاحتمالات الكبيرة لهزيمة الوسط الديمقراطي ممثلا بالقوائم الديمقراطية والمدنية.
منذ ان صدر قانون الأحزاب أصبح لزاما على القوى التي ترغب في المشاركة في الانتخابات تشكيل أحزاب وفق ضوابط القانون المنقول تقريبا حرفيا من قانون نظام صدام الصادر في عام 1991.
تشكلت وفق هذا القانون عشرات الأحزاب، الكثير منها مدفوع الثمن، من مسؤولي أحزاب نهب المال العام الرئيسية، لتضليل الناخبين وتوسيع دائرة ايهام المواطنين. مع ذلك تشكلت مجموعة من الأحزاب الجدية ذات برامج مدروسة ومؤهلة لإنقاذ العراق من محنته الكارثية.
ولكن نقل هذه البرامج الى مشاريع انتخابية، تبنى عليها مواقف القوى المختلفة من طبيعة الحكم القادم، وتحدد مواقع الأحزاب في الساحة السياسية، يتم من خلال الخطاب السياسي الذي يفترض انه يترجم البرنامج الى مشروع حكم، واداة للتواصل مع الجماهير التي تتقبل هذا المشروع او ذاك.
ولكن ما حدث كان عكس ذلك. حيث ان القوى المشاركة في الانتخابات خرجت علينا بمشاريع انتخابية لا خصوصية فيها، وأمطرونا بوابل من الشعارات المتشابهة. هذا التشابه يأتي من حقيقة ان الأهداف السياسية متشابهة، وليس هناك أي تميز للقوى الديمقراطية عن غيرها.
لذا كان من الضروري توضيح الاسلوب العملي لتطبيق البرامج السياسية للقوى الديمقراطية والمدنية، وإبراز خصوصيتها وتميزها الواضح عن الخطاب السياسي وشعارات أحزاب السلطة. وكذلك تحدد موقعها في الساحة السياسية العراقية. في بداية الامر تم الاستناد الى تحليل سياسي واجتماعي عميق للساحة السياسية وللهيكل الانتخابي العراقي. فتحليل نتائج الانتخابات في الدورتين السابقتين يشير بوضوح الى النتائج التالية :
1 – رغم التزوير فان نسبة المصوتين في عام 2014، لم تتجاوز 40 بالمئة من الناخبين الذين لهم حق التصويت.
2 - إذا علمنا بان هناك حوالي 20 بالمئة من الناخبين لن يذهبوا مطلقا الى صناديق التصويت. فان 40 بالمئة من الناخبين لم يشاركوا بالانتخابات استنادا الى ثلاثة مقولات رئيسية :
- كل المرشحين يبحثون عن مصالحهم ومصالح احزابهم الخاصة وسيساهمون في تقاسم الحصص والسرقات.
- الانتخابات مزورة والنتائج محددة سلفا ومقسمة بين الكتل.
- مهما كانت النتائج فبمقدور الامريكان تغييرها وفقا لرغباتهم وتفاهمهم مع الكتل.
هذا الجمهور الذي يشكل جزءا مهما من الجسم الانتخابي ليست لدية اية ثقة بالقوى التي ساهمت في خراب البلد.
كان المفروض ان ينسجم الخطاب السياسي للقوى الديمقراطية مع هذه القراءة التي تحدد موقعها في الساحة السياسية. وينتج عن ذلك توجهها الأساسي نحو هذا القطاع من الناخبين.
هذا المشروع كان يهدف الى بناء قوة جارفة قادرة على إزاحة أحزاب نهب المال العام من السلطة. وفي خلاف ذلك تعلن هذه القوى اختيارها لموقعها بوضوح تام كقوة معارضة لا تهادن.
نجاح القوى المدنية كان مرهونا بان تعلن بدون اي لبس أو تردد انحيازها القطعي الى المواطنين، ومصالح البلاد، وان تعلن خصومتها لأحزاب نهب المال العام، ولتدمير هذه الأحزاب للمجتمع العراقي ونهب ثرواته، وتجذير تقسيمه مذهبيا وعرقيا، واولها مشاريع قوانين الأحوال الشخصية للطوائف. والايغال في تبذير ثروات العراق ومنح الشركات الأجنبية الهيمنة التامة والنهائية على نفط العراق، من خلال قانون شركة النفط الوطنية. وهو أخطر قانون ضد مصالح الشعب العراقي، والعراق برمته، سن منذ تأسيس الدولة العراقية ولحد الان.
ولكن هذا القانون لم يحظى باي اهتمام من مسؤولي القوى المدنية والديمقراطية ومرشحيهم في هذه الانتخابات.
وحجر الاساس في مشروع ديمقراطي صاعد هو التعهد العلني امام الجماهير برفض المساهمة في اية حكومة محاصصة، مهما كان شكلها وغطاؤها. وكذلك التعهد العلني بعدم التعاون مع أحزاب نهب المال العام، ومطاردة جميع السراق، والمطالبة المستمرة الجادة بمحاسبة المسؤولين عن جريمة تسليم ثلث العراق الى داعش.
هذا هو التوجه الواقعي. وهو خلاصة الدراسة الموضوعية لنتائج هيمنة أحزاب السلطة، ولتركيبة الجسم الانتخابي العراقي، وانسجاما مع مطالب أبناء الشعب العراقي. هذا الخط السياسي هو الذي يحرك الجماهير الغاضبة والرافضة لمجموعة السراق في السلطة.
والخط الساسي بطبيعة الحال يخلق نشاطه وعمله المتناسب معه. فبوجود قوة مصممة واضحة الأهداف والمشروع، وعازمة على مقارعة أحزاب السلطة الفاسدة، فان مستوى النشاط يتناسب مع هذا المشروع ويخلق التصاقا حقيقيا مع الجماهير الشعبية بالعمل في صفوفها وبين ظهرا نيها.
ولكن جميع المسؤولين عن القوائم المدنية الديمقراطية رفضوا التعهد العلني امام الجمهور برفض المشاركة في حكومة المحاصصة القادمة في حالة حصولهم على عدد كاف من النواب يسمح لهم وفق نظام المحاصصة المزرى، الحصول على وزارة.
وغاب عن الدعاية الانتخابية لهذه القوائم، وعن خطابهم السياسي، المطالبة الحقيقية بملاحقة السراق والحرامية بدون هوادة، وخصوصا كبار السراق. واستعادة الأموال المنهوبة بجميع وسائل السرقة، من العقود الوهمية والقومسيونات، الى السرقات التي نظمت بقوانين، مثل المبالغ الهائلة لمخصصات النواب وذوي الدرجات الخاصة والوزراء وغيرهم من كبار المسؤولين، والمبالغ الكبيرة التي تسرق وفق قوانين التقاعد الوهمي.
هذه القوى "المدنية" لم تستطع ان تخلق حالة التوجه الجماهيري العام وخصوصا للغاضبين وللرافضين لهذا التواطؤ المزرى بين قوى السلطة لتقاسم الكعكة.
غياب هذا القرار الحازم، وتأرجح قيادات أحزاب ما يسمى بالوسط الديمقراطي، سمح للعناصر التي تطمح الى المشاركة في الطبخة المحاصصاتية القادمة بفرض سلوكها المهادن، طمعا بتمثيل قادم بوزارة او ربما وزارتين في حكومة محاصصة.
كل ما في جعبتهم للتميز عن مرشحي قوائم النهب، هو ان مرشحي القوى المدنية نزيهون. هم ينسون ان الغالبية العظمى من القابضين على السلطة حاليا، كانوا نزيهين. وما تندر البعض حول مهنة نوري المالكي في حي السيدة زينب (كبائع للمسبحات) سوى الدليل على ذلك. فالوصول الى مواقع السلطة، هو وحده يفتح، بفضل المحاصصة، وسائل سرقة المال العام.
اليس واضحا امام الجمهور ان ما يهدف اليه غالبية القائمين على القوائم المدنية او الديمقراطية هو المساهمة في نظام المحاصصة الاجرامي. وذا يبدو جليا من خلال خطاب سياسي لا يغني ولا يسمن من جوع، وشعارات انتخابية باهتة، لا تعني شيئا بالمطلق للناخب. خطاب يبقي على شعرة معاوية مع أحزاب نهب المال العام لتفادي قطيعة مضرة بالهدف المرجو.
وهكذا تخلت هذه القوى "الديمقراطية" عن مشروعها للتغيير الحقيقي وانضوت الى جمهرة الباحثين عن الأصوات بين الجمهور الذي شارك في الانتخابات السابقة (الدورتين الماضيتين)، املا بالحصول على بعض الفتات ممن سيغيرون تصويتهم من هذ الجمهور.
كل الإمكانيات كانت متاحة لخلق حالة جديدة من التوجه الشعبي الانتخابي، قادرة على زرع أسس التغيير العميق، إذا لم تستطع وفقا لنتائج الانتخابات فرض حكومة وطنية حقيقية، فباستطاعتها خلق كتلة معارضة كبيرة واساسية، تؤثر بشكل حقيقي على مسار الأمور. ولكن ذلك كان يحتاج الى التوجه الحقيقي للجماهير الشعبية. ويحتاج الى نشاط وعمل من نوع اخر، مختلف تماما.
بطبيعة الحال إذا استطاعت هذه التحالفات الحصول على خمسة او عشرة نواب، فان هناك من سيرقصون فرحا، مهللين بان هذا هو الانتصار العظيم، كما هلل البعض لصعود ثلاثة نواب في 2014 تركوا التحالف بعد أيام.
هذا السلوك غير المسؤول سيؤدي الى كارثة حقيقية للوسط الديمقراطي (والمدني)، لن ينهض منها بسهولة. وسيحفر الهوة لأمد طويل بين هذه القوى التي تسمي نفسها ديمقراطية وجماهير الشعب المعارضة حقا لجريمة المحاصصة، والناقمة على سراق المال العام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية


.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري




.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس


.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟




.. إسماعيل هنية يجري اتصالات مع أمير قطر والرئيس التركي لاطلاعه