الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن -الديمقراطية الأمريكية- و دور الدولة.. وأمور أخرى1-2

إكرام يوسف

2006 / 3 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


تتابع وسائل الإعلام العالمية، باهتمام حاد، تطورات الأزمة داخل الولايات المتحدة بشأن صفقة تشتري بموجبها شركة إماراتية شركة أخرى بريطانية!. فقد سعى قياديين جمهوريين وديمقراطيين داخل الكونجرس الأمريكي إلى إصدار قرار يعطل صفقة ـ قيمتها 6.85 مليار دولار أمريكي ـ وافق عليها الرئيس بوش وإدارته وبموجبها تشتري شركة "موانئ دبي العالمية عمليات إدارة الموانئ بشركة "بينانسولار آند أورينتال" (بي آند أو) البريطانية التي تتولى ـ ضمن الاستحواذ على 30 محطة حاويات تابعة للشركة البريطانية ـ إدارة ستة موانئ أمريكية. وأثارت الصفقة موجة تنديد واسعة، وفي مجلس الشيوخ سعى مشرعون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي كذلك إلى تشديد القواعد المنظمة للاستثمار الأجنبي بشكل عام.
ورغم أن الدوافع "المعلنة" للمعارضين تتم تحت شعار "الدفاع عن الأمن القومي" بدعوى أن وجود الشركة الإماراتية يعرض للخطر منطقة يصفها مكتب التحقيقات الاتحادي بأنها أخطر ميلين في أمريكا لأنها تحوي أيضا مصانع كيماويات ومنشآت لتخزين النفط وخطوطا حديدية ومطار "نيو آرك ليبرتي" الدولي؛ إلا أن المصالح الاقتصادية لشركات منافسة تبدو واضحة تماما، خصوصا إذا لاحظنا أن شركة "إيلير" الأمريكية التي تملك مرفأ ميامي مناصفة مع شركة "بي آند أو" الأمريكية رفعت دعوى أمام القضاء"ابريطاني" لوقف عملية البيع لشركة دبي؛ بدعوى أن البيع قد "يضر بمصلحها من خلال تدني النشاط وإلغاء وظائف في ميامي. وقد أقرت المحكمة البريطانية قبل أيام عملية البيع؛ وأعطى القاضي موافقته رافضا الحجج التي أوردتها الشركة الأمريكية، فضلا عن أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية اعتبرت أن الخطر
الذي تمثله العملية"ضعيف" وأنه ليس هناك أي سبب للاعتراض عليه؛ حسب ما أوردته وكالات الأنباء المختلفة.

المصالح تتكلم
ولعل هذه القضية من ضمن قضايا أخرى تلقي بظلالها على عدة أمور؛ من بينها أنها تلقي بعض الظلال على ما يسمى بالديمقراطية الأمريكية. فرغم ما يبدو من "حراك ديمقراطي" تمثل في وقوف نواب "جمهوريين وديمقراطيين" أمام قرار أصدره رئيس الجمهورية وإدارته، إلا أنه من الواضح أن هؤلاء "النواب" لا يعبرون عن مصالح "الشعب" ومخاوفه الأمنية بقدر ما يعبرون عن دفاعهم عن "مصالح" قوى اقتصادية وشركات أخرى يؤثر على أرباحها إتمام هذه الصفقة. فيتحججون بذريعة "الأمن القومي" رغم تطمينات الاستخبارات التي استشيرت قبل إتمام الصفقة لدراسة التهديدات المحتملة؛ ورغم ما أعلنه مسئولون كبار في الإدارة الأمريكية من أن دولة الإمارات العربية المتحدة "شريك ثابت" لواشنطن في حربها على "الإرهاب" وتصريح وزيرة الخارجية الأمريكية بأن العقد "يخدم مصالح الولايات المتحدة .. يخدم مصالحنا الأمنية ويخدم مصالحنا التجارية"، وما أعلنته الإدارة من أنها حصلت على تطمينات من الشركة الإماراتية فيما يخص الإجراءات الأمنية (بما فيها السماح بمشاركة أجهزة الأمن الأمريكية في البرامج المخصصة لمنع التهريب ومراقبة الشحنات تحسبا لتسريب مواد نووية، أسوة بترتيب مع ثلاث وثلاثين شركة أخرى تدير موانئ أمريكية ). كما أعلن ناطق باسم حرس الحدود الأمريكي أنه انتهى من إجراءات الرقابة على منشآت الشركة الإماراتية في الولايات المتحدة، مؤكدا انسجامها مع القوانين الأمريكية.ورغم أن "تيد بيلكي" مدير عام شركة موانئ دبي ـ أمريكي الجنسية ـ أكد في تصريح لشبكة سي إن إن على أن "المجموعة الإماراتية تعمل بتعاون وثيق مع أجهزة الأمن الأمريكية والبنتاجون؛ وأن الحكومة الإماراتية التي تملكها لا تتدخل في عملياتها.
وفي سابقة لا تخلو من دلالة على مفهوم "الديمقراطية الأمريكية" أيضا، هدد الرئيس بوش باستخدام حق النقض "الفيتو" ضد أي قرار يتخذه الكونجرس لوقف الصفقة. فقد فاجأ الرئيس الأمريكي الأوساط السياسية بدعوته مجموعة من الصحافيين إلى طائرته الرئاسية ليقدم دفاعا عن الصفقة مشير إلى أن عدم إتمامها سيبعث برسالة سلبية إلى الدول المتعاونة مع أمريكا في الحرب على "الإرهاب"، وقال "على المعارضين في الكونجرس أن يفهموا أن الصفقة أقرت، وأنني على استعداد لاستخدام الفيتو إن أصدر الكونجرس قرارا ضدها". واعتبر بوش أن البرلمانيين الأمريكيين ـ ومن بينهم بعض من يتوقع أن ينافس على الرئاسة في انتخابات 2008 ـ يرسلون "إشارات متناقضة" موضحا أنهم لم يعترضوا حين تولت شركة بريطانية إدارة هذه الموانئ.

أخطر من لوينسكي
وفي تطور طريف أحدثت قضية الصفقة انقساما بين الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون وزوجته هيلاري، ربما أكثر حدة مما أثارته قضية علاقته بسكرتيرته لوينسكي! حيث تحدث الكاتب المحافظ روبرت نوفاك في صحيفة "واشنطن بوست" عن "طلاق" بين الثنائي كلينتون حول قضية الموانئ. وذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز" أن السلطات الإماراتية استشارت الرئيس الأمريكي السابق حول كيفية تجاوز الأزمة السياسية التي أثارتها الصفقة. ونقلت الصحيفة عن متحدث باسم كلينتون أنه "نصح المسئولين في دبي أن يقترحوا إجراء القضية 45 يوما لإجراء تحقيق معمق، علما بأنه وصف الإمارات العربية بأنها "حليف جيد لأمريكا". لكن زوجته ـ التي يتردد أنها ربما تترشح مستقبلا للرئاسة الأمريكية ـ ترفع لواء التصدي لهذه الصفقة داخل الكونجرس وتسعى لتجميدها. وهكذا تتبدى لنا صورة أخرى من صور الديمقراطية الأمريكية.. نواب يدافعون عن مصالح شركات متنافسة (سواء المؤيد منهم للصفقة أو المعارض) أكثر من اهتمامهم الحقيقي بصالح الناخبين؛ فهم لم يصلوا إلى مقاعدهم في البرلمان إلا عبر مساندة قوى اقتصادية معينة. فلا يتوهمن أحد أن أي مهتم بالعمل العام أو راغب في "خدمة الجماهير" يمكنه ببساطة أن يترشح لدخول الكونجرس الأمريكي هكذا! اعتمادا مثلا على مساندة شعبية، ليدافع عن الفقراء مثلا !؛ وإنما يعلم الجميع أنه لا يصل إلى مقعد البرلمان إلا من كانت وراءه قوى اقتصادية تؤازره ـ غالبا شركات احتكارية ـ حتى يستطيع الإنفاق على حملة انتخابية تكلف ثروات باهظة، وتأمل هذه القوى أن يكون النائب صوتا لها في الكونجرس مدافعا عن مصالحها واحتكاراتها. إنها في النهاية ديمقراطية تداول السلطة بين أصحاب الاحتكارات القوية، يلقي كل منهم بعض الفتات للجماهير لكسب أصوات الناخبين ضمن حملات انتخابية لاتهم تكلفتها لأن أصحابها يستطيعون تعويض هذه التكلفة أضعافا من وجود نواب في البرلمان يمكنهم تمرير قوانين تصب في خانة أرباحهم الهائلة. ورئيس لا يتورع عن فرض قراراته ـ التي هي في النهاية دفاعا عن مصالحه ومصالح الاحتكارات الاقتصادية التي يمثلها ـ حتى لو لجأ إلى وقف قرار يتخذه البرلمان. ورئيس سابق يدافع عن صفقة جرى "استشارته" ـ بمقابل طبعا ـ بشأنها لحساب أصحاب المصلحة في إتمامها.
ومن بين ما تثيره صفقة الموانئ، خاصة ما يتعلق بتدخل الدولة الأمريكية ـ سواء من حيث قرار الإدارة أو التشريع الذي قدمه النواب لضبط قواعد الاستثمار الأجنبي في البلاد ـ وهي قائدة المعسكر المنادي بانحسار دور الدولة اقتصاديا؛ ما يطرحه محللون من فشل فكرة الرأسمالية القائمة على عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، والاكتفاء بدورها الذي أسموه "الدولة الحارسة" الذي يتمثل في تقديم خدمات الأمن الداخلي والخارجي، بعدما تبين أن كافة نواحي الحياة الاقتصادية بالذات يمكن أن تدخل في باب الأمن القومي. فمن يمكنه الآن أن يقول مثلا أن ترك مجالات مثل التعليم والصحة للقطاع الخاص دون تدخل الدولة لا يهدد الأمن القومي، عندما تكون الغاية الأساسية للمستثمرين في هذين القطاعين هي تحقيق أقصى ربح ممكن؟ ـ ولا شك أن الجميع يعلم ما آلت إليه الحالة التعليمية والحالة الصحية لغالبية الشعب في ظل انتشار المدارس والمستشفيات الاستثمارية دون تدخل كاف من الدولة. وأي منصف يستطيع أن يزعم أن عدم تدخل الدولة في سوق المنتجات الغذائية لم يعد يهدد أمن الدولة؟ ولعلنا نذكر كيف كاد نشاط شركة كبرى ذات اسم أجنبي أن يقطع أرزاق أصحاب محال البقالة والمتاجر الصغيرة في مصر قبل سنوات قليلة. ومن يمكنه أن يجادل الآن في أن ترك مجال الاستثمار العقاري لا يضر بأمن الدولة؛ ولسنا بحاجة إلى التدليل على ذلك من واقع أزمة السكن وارتفاع معدلات العنوسة والعزوبية، وما يترتب على ذلك من أمراض اجتماعية ونفسية وأمنية أيضا. أضف إلى ذلك الاستثمارات في البنية الأساسية؛ من إنشاء الطرق والكباري إلى شبكات مياه الشرب والصرف الصحي، إلى الاتصالات والمواصلات.

ديكتاتورية السوق
فقد بات واضحا لكل ذي عينين أنه لم يخلق بعد مستثمرون من الملائكة يمكنهم أن يتنازلوا عن أي قدر من أرباحهم مقابل تحقيق مصالح غير القادرين. واتضح أن ابتعاد الدولة عن ممارسة دورها الواجب في حماية رعاياها يتركهم تحت رحمة من يستطيع تقديم السلعة أو الخدمة بالسعر الذي يريد. وانتهت تقريبا فكرة الاعتماد على المنافسة لإعمال عوامل السوق (العرض والطلب) بعدما تطور النشاط الاستثماري وانتشر الاحتكار في معظم الأنشطة الاقتصادية (راجع المثل الذي أوردناه عن الشركة الكبرى ذات الاسم الأجنبي التي كادت أن تحتكر تقريبا نشاط محال البيع بالتجزئة). وهو ما أدى بمحللين إلى اعتبار أن تعميم "اقتصاد السوق" ،وفرض حرية التجارة و الرأسمال وانعدام تدخل الدولة ،يؤدي حتماً إلى نفي الحرّية ذاتها؛ ليتحكم السوق العالمي بسطوة الشركات الاحتكارية ؛ إنها إذن "ديكتاتورية السوق" وليس حريته مع غياب دور الدولة باعتباره ضرورة فكرية ومنهجية وتنظيمية وتطبيقية لفلسفة الإصلاح والتطوير والإنماء.
وللحديث بقية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة .. هل اقتربت نهاية الحرب؟ |#غرفة_الأخبار


.. نشرة إيجاز –القسام تنشر صورا لتصدي مقاتليها لقوات الاحتلال ف




.. إيجاز بلغة الإشارة- إخلاء طارئ للمستشفى الأوروبي بخان يونس ت


.. مسن فلسطيني يروي تفاصيل اعتقاله بعد أن أفرج عنه الاحتلال الإ




.. عاجل | يحيى سريع: القوات اليمنية نفذت بالاشتراك مع المقاومة