الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حاورت خالد محيى الدين

مصطفى مجدي الجمال

2018 / 5 / 6
سيرة ذاتية


رحم الله المناضل الفذ خالد محيى.. أيقونة السمو الأخلاقي والثوري.. أحد الذين حملوا أرواحهم على أكفهم بالنضال السري في سلاح الفرسان (المدرعات) بالجيش أيام الملكية.. وفي مجلس قيادة الثورة مناضلاً من أجل إنجاز أهدافها في العدالة الاجتماعية والاستقلال والديمقراطية.. وزعيمًا مرموقًا في حركة السلام العالمية.. ومتزعمًا للمعارضة الجذرية في مواجهة نظامي السادات ومبارك..

ورغم أنني لم أشرف بمزاملته في حزب التجمع، فقد كنت على يقين من كونه زميلاً مؤسسًا في كيان آخر أكثر جذرية.. إلا أنني قد شاهدته كثيرًا في مؤتمرات جماهيرية، وكنت أعجب لقدرته الخطابية الودودة التي تخاطب العقل والعاطفة معًا في بساطة متناهية حتى أنه كان يدخل قلوب المستمعين بكل سلاسة بعد جملتين أو أكثر.. وكنت أتساءل كيف لضابط سابق أن يحوز كل هذه المهارات السياسية والتنظيمية..

وأقسم أنني قد بكيت بالدموع حينما رأيت الفلاحين في قرية بهوت (بمركز طلخا وذات التاريخ العريق في الصراع مع الإقطاعيين قبل الثورة) يستقبلونه استقبالاً هائلاً مرعدًا.. وأصر الفلاحون على التجمع للترحيب به في مدخل القرية وأركبوه حصانًا في موكب استمر لساعة في رمز لفروسيته الوطنية ويهتفون له بحماس وتلقائية شديدتين، فيما يعكس حبهم له وأملهم فيه.. هزني المشهد بعمق..

وقد ناقشته أكثر من مرة في ندوات مفتوحة لحزب التجمع.. لكن لم أشرف بلقاء مطول معه إلا في ذكرى مرور 50 عامًا على ثورة يوليو.. ولهذا قصة..

كانت إحدى المجلات الشهيرة في بيروت قد أعلنت عن حديث معه بهذه المناسبة.. وحاول المندوب المكلف ترتيب اجتماع معه دون جدوى.. ولكن رد الدكتور رفعت السعيد الأمين العام للحزب جاء بالرفض لأن "الحاج خالد" كان متعبًا صحيًا.. ولأنه أيضًا كان غير مرتاح للتشويه الذي تجريه الصحف والمجلات على أحاديثه خدمة لأغراض سياسية خاصة بها..

كان متبقيًا على طباعة المجلة ثلاثة أو أربعة أيام.. فألح علي صديق بأن أحل هذه المشكلة.. فاعتذرت بسبب أنني لست متخصصًا في الحوارات الصحفية.. وبسبب الخلاف بيني وبين الدكتور رفعت الذي كان يُعتبر وقتها "المنفذ" الرسمي والوحيد لمقابلة خالد في أمر كهذا..

قال لي الصديق: "أرجوك حلها.. أنت تقدر تحلها.. وأنا متأكد من هذا"..

لم يكن في ذهني أي حل وفي هذا الحيز الزمني الضيق جدًا.. لكنني توجهت إلى المنزل وقمت بوضع الأسئلة للمقابلة.. ثم جلست لأفكر في الحل شرط أن يكون بعيدًا عن حرج التعامل مع الدكتور رفعت، وأن أحرص في الوقت نفسه على احترام التفاهم الضمني بيننا بحياد كل منّا تجاه الآخر فيما لا يتعلق بالسياسة والتنظيم..

برق الحل في ذهني فجأة .. فتصرفت على الفور.. ذهبت إلى المطبعة التي يديرها أمين خالد محيى الدين (نجل الزعيم) وكانت لي تعاملات معها.. أما الأستاذ أمين فهو شخصية نادرة الطيبة وكانت بيننا جلسات مطولة لا نكف فيها عن القهقهة.. طلبت منه أن يدبر لي موعدًا مع الوالد لإجراء حديث صحفي.. فوافق على الفور على التوسط عند الوالد، وقال لي: "أول وآخر مرة أعملها"..

تم تحديد الموعد بسرعة مذهلة.. وطلبت من الشاب النابه صامويل خيري أن يرافقني في المقابلة وأن يأتي معه بجهاز للتسجيل وأن يسجل الحوار كتابة أيضًا احتياطًا لأي أعطال.. لأنني أحب أن أستمع إلى الرجل بكل جوارحي دون الانشغال بكتابة أو تسجيل..

ذهبنا فعلاً للقاء.. وأبلغت السكرتيرة اسمي بطريقة لا تجعل الحاج خالد يعرف كنه شخصيتي، فهو بالتأكيد يعرف اسمي وخلفيات أخرى كثيرة، لكنه فيما أظن لا يربط بين اسمي وشكلي.. قلت لها "قولي له: مصطفى من مجلة كذا" وفقط.. كما حرصت على ألا يلفت تواجدي في مقر التجمع نظر الدكتور رفعت..

وكم كان الزعيم خالد محيى الدين بسيطًا ومفيدًا ودقيقًا في تحليلاته.. أما عن الود والترحاب والجو الإنساني المحيط بك وأنت معه فهي من الأشياء التي يصعب التعبير عنها بالكلمات..

الطريف أن الدكتور رفعت السعيد دخل المكتب فجأة ليبلغ الحاج خالد بشيء ما.. ففوجئ بوجودي إلى حد الوقوف ساكتًا للحظة طويلة.. ثم قال: "انتوا بتعملوا إيه؟"..

ابتسمت فقط.. وإن توترت داخليًا.. ورد عليه الحاج خالد: "الأستاذ صحفي من طرف أمين ابني وباعمل حديث معاه.. والحقيقة أسئلته حلوة".. فمضى الدكتور رفعت ناسيًا ما أتى من أجله.. بينما استمر الحوار مع الزعيم أكثر من ساعتين..

رحمه الله رحمة واسعة جزاء ما قدم للوطن والشعب..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة