الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية النص الشعري الدلالية: عندما تُلغى الشعرية من الخطاب الأدبي

كريم ناصر
(Karim Nasser)

2006 / 3 / 17
الادب والفن


إنها لمفارقة مؤلمة أن نجد أنفسنا دائماً منحازين في قول الشعر، والسبب كما يرى ذواقة الشعر ومحترفوه، بأنَّ الخلل لا يكمن بالضرورة في عملية النقد، مثلما يؤكد ذلك كثيرون، بل إنه يكمن في تراجع الشاعر نفسه، لكونه أصبح عاجزاً عن امتلاك ناصية اللغة الموازية لثقافة العصر، ويمكن القول أيضاً: إنَّ الشاعر الذي لا يحمل في داخله جيناً ثقافياً وراثياً مركباً من سلالات جينية مؤثرة، ترفعه إلى دائرة (الوعي الإنساني) إنّما يبقى على المستوى الشعري هشّاً ـ تقليدياً ـ لا يستوعب معطيات التغيير، ولا يجسّد حقيقة وجوده كمنتج للإبداع. السؤال المنطقي الذي يشغلنا دائماً: كيف يستطيع الشاعر أن يهزّ العالم من أذنيه كما فعل "آرثر رامبو" على حد تعبير "هنري ميللر"، فأين تكمن العلّة يا ترى هل في لغته أم في مخيلته ليصوغ نصوصه على هذا المنوال؟ فمهما اختلفت خصائص النصوص وتباينت عناصر تكوينها من تركيب ودلالة، ومن معرفة كلّية ومن وحدات زمنية متباعدة، المهم كيف شغل هذا العاقّ بشعره أمماً بكاملها؟ وما هي الأسس التي اعتمدها في كتابة نصوصه؟ ألأنه امتلك أحد مفاتيح الإبداع الشعري؟ كيف يتيسر للشاعر أن يقلق قارئه، ليجعله متفاعلاً كلّياً مع نصه، ويحرمه بمجرّد لفتة عابرة من نومه ليالي طوال؟ هل الابتعاد عن السياسي وعن الوصايا والانفعالية هي بحق السبب الكافي لإنتاج النص المرتجى؟
يبدو أنَّ عدم ظهور ملامح النص الشعري الكبير، لم تكن مرجعيته الرئيسية عائدة إلى تراجع النقد الأدبي، وهذا الأمر قد تمّ التسليم به، ولا يحتاج إلى تفسير مفصّل يؤكد مدى صحته أو خطأه، فلقد تبين أنَّ العلّة تكمن بالدرجة الأساس في قاموس الشاعر نفسه، لكون هذا الأخير قد تخلّى مبكراً عن مشروعه الثقافي، وعجز تلقائياً عن كتابة النص الحاسم بسبب ضعف إمكانياته اللغوية، أو ربّما لعدم توفر الشروط الأساسية فيه، شروط الكتابة وأسبابها، خصوصاً عندما تُلغى (الشعرية) من الخطاب الأدبي، ويكون التعامل مع اللغة من دون وعي مسبق، باعتبار أنّ "اللغة في آن واحد الجوهر والوسيلة" كما يجتهد "فاليري" في هذا المضمار.
وقد تصيبنا الدهشة أيضاً عندما يمتنع المثقف العربي كلّية عن الاندماج في الثقافة العالمية، اعتقاداً منه بأنّ عملاً كهذا من شأنه أن يستهدف ثقافته الوطنية التي بنى عليها جلّ منجزه الشعري، وإذا كنا قد نعتبر أنّ التكامل مع الثقافات (الأُخَر) والتماهي معها يمثل خيانة عظمى للموروث العربي، وتجنٍّ على حضارتنا وثقافتنا، فنحن نؤكد وبالحرف الواحد، أننا لا نمتلك في الحقيقة حضارة راقية بالمعنى الكلي لمصطلح الحضارة، وأنه لمن الوهم كلياً الاعتقاد بمفهوم معين هو في نظرنا مفهوم ملتبس، فما يجري الآن على مستوى التوثيق برأينا لا يبتعد عن كونه أكذوبة، بيد أنّ الهالة التي أضفاها المؤرّخون من قبل على العصور السحيقة لم تكن سوى أوهام، فنحن فارغون ومتخلفون في الآن ذاته، وفراغنا متأتٍ في الواقع من إتكاليتنا، واعتمادنا على دراسة الماضوية وتمجيدها. المؤرّخون خدعونا، والأنكى من ذلك كلّه أنهم أقدموا حتى على خدع أنفسهم في عملية تخدير متواصلة، بينما أضحت ذاكرتنا مثل قوقعة فارغة.
هذا الواقع المرّ ساهم بدوره في عملية الاستخفاف بالمنجز وتأجيله إلى أجل غير مسمّى، دون الالتجاء إلى العمل في الورشة الحقيقية والاندماج في العصرنة. إنَّ التلاقح بين الثقافات يعتبر من أقصى الحالات الحضارية من أجل التقدم والارتقاء بالأجناس الأدبية إلى المستويات العليا، بدل الرتابة والجمود والقبول بالاستبداد..
وقد يأخذ مثل هذا الأمر في (أوليات معاييره) انتظام دفع عجلة الثقافة إلى الأمام، في محاولة لتثبيت الركائز الأساسية واكتشاف طرائق جديدة للحؤول دون السقوط في فخ السائد وأمراضه وعصبياته..
السؤال الذي نوجّه للجميع كالتالي: هل يمكننا في هذه المرحلة التعويل على مبدعي الحداثة كمنتجين حقيقيين في صناعة النص الشعري، في (البنية وقيمة العمل)؟ وبما أنَّ الشعراء الشباب أصبحوا اليوم يؤلفون جيل العصر ونواة مستقبله، لذلك فإنّ من غير المنطقي الاستخفاف بهم والتعالي على منجزهم الشعري، والنظر إليه من زاوية ضيّقة، ما دام الاهتمام بالحداثة والعصرنة أصبح الشغل الشاغل للأجيال الجديدة، لقد ولدت مؤخراً في أوساطنا تجارب شعرية ناضجة تستحق جهد المتابعة لمبدعين شباب حملوا عن جدارة نفس سمات الرموز الشعرية الكبيرة، لننتظر إنه مجرّد وقت ليس إلاّ.
يقتضي أن يتمثل النص الشعري بجسد الإنسان الذي له وظائف وسياقات متعدّدة، فمثلما يحتوي الجسد على أعضاء فسيولوجية مختلفة تساهم في بلورته وتنشيط بنيته الإنسانية، فكذلك يحمله النص، وإذا خلا هذا الأخير من مكوّنات وجوده الأساسية، معناه أنَّ النسق سيظهر للواقع خديجاً مشوّه الملامح ثقافياً. إنَّ النص الشعري الإبداعي كما نلاحظه، فإنه يتكوّن من أعضاء وظيفية حية، تُشكّل بنيته الرئيسة، وإذا أصيب أحد هذه الأعضاء مثلاً بعطب في سياقه التقني أو اللغوي أو الدلالي، تفسّخ النسق وفسد، أو ربما مرض..
يمكن القول إنَّ النص الحديث لا يكتفي بتقديم نوع معين واحد وسياق محدّد واحد، بمقدار ما يسعى إلى بناء وحدات نصية متعدّدة البنى والتراكيب هدفها الإبداع والمغايرة، بعيداً عن سلطة التأسيس والتنظير كعنوان للحداثة.. إذاً، على الشاعر أن يفهم المعنى، وأن يضع في قائمة أولوياته بأنّ الشعر هو عملية خلق وليس مجرّد كتابة.
فالحرص على النص الشعري يجب أن يوازيه بالمقابل حرص الشاعر على أدواته "مفهوماً وتكويناً وتجليات"، للتخلص من حالة البؤس التي تعانيها القصيدة الحالية، نحن نحتاج إلى أن ننهض بشعرنا إلى ما وصلت إليه الأمم المتحضّرة على مستوى الإنتاج الإبداعي، نحتاج إلى شاعر كبير يلهمنا، وكذلك إلى متلق حاذق يتحمّل قلق وجودنا ونمط تفكيرنا، وما دام الأمر هو كذلك، فإنه يتطلّب بادئ بدء العمل على تثقيف أنفسنا بلغة العصر مستفيدين من عملية التطور التي حصلت في مجمل البنى، وأن نفكّر جيداً، كيف وبأية وسيلة يمكننا إنتاج عمل إبداعي ضخم عميق الدلالة؟
فلو نظرنا إلى إبداع الأمم المتطوّرة ـ على سبيل المثال ـ لانبهرنا بلا أدنى شك، لما حققته هذه الأمم من إنجازات ضخمة على صعيد الأدب، علاوة على تجاربها المستمرة في ميداني العلم والتكنولوجيا، هذه العملية بكل تمظهراتها ستجعلنا من دون أية مواربة أن نعيد النظر بكل ما أنتجناه خلال العقود المنصرمة.
ما هي (المسلّمة العامة) التي تؤدي إلى خلق النص الإبداعي؟ أهو بالاعتماد على ناصية اللغة وحدها، أم بالاعتماد على الجملة الشعرية الصارمة؟ بالاعتماد على آلية التحديث اللغوي الشعري، أم على إستكناه المحتوى غير التقليدي ـ الجديد؟ على الاستنساخ أم على التناص؟ وبهذا المعنى فلن يكون أمام الشاعر إلاّ التأكد من مقدرته على العملية الثقافية وتفرعاتها، وذلك احتراماً للمنجز الشعري.. ومثل هذا الفهم يجعلنا أيضاً في موضع ألاّ نهتم بما يتناقله الآخرون، ويجب ألا ترعبنا آليات التطور المهيبة لتشعرنا بدونيتنا أو بعجزنا عن إتيان البديل الحضاري..
وعلى هذا النحو يتعيّن على الشاعر الاكتشاف والمغامرة، ولابد هنا من (كلمة تنبيه ضرورية)، فإنه من غير الممكن تحقيق أيّ فعل إبداعي واعتباره تطوراً دون خلق بؤرة شعرية، أو وسط ثقافي بمستوى إبداعه وليس أقله. ومن هذا المنظور فإنّ الاعتماد على لغة العصر الحداثوية تعتبر من أهم الاستعمالات التي تحقق للشعر حضوره ـ اللغة المستمدة من جمالية الكلمة واللغة المستحدثة (من حيث الآلية والأسلوب).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-