الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذكرات صوص ..رحلة حضارة .!!

ميشيل زهرة

2018 / 5 / 8
الادب والفن


قد لا تصدقون أعزائي البشر ، لو قلت لكم أني أتذكر انسياباتي الكونية ، عندما كنت جزيئا في فراغ ، قبل أن أكون في بيضة ملقحة من ديك ودجاجة ..لا تندهشوا إذا قلت لكم أني كنت أهيم في فراغ غير متناهي الأبعاد .. مرة يحلّ فيه الظلام فأشعر بثبات ، يجعلني أغمض عيني ، مع إغماضة الكون ..و تارة يحل الضوء ، فيصيح الديك في داخلي الذي يشبه غلاف خلية مجهرية ..ربما كانت جزيئا من ضوء ، نصفه جزيء من ظلمة ..و فجأت شعرت أني مُساق بقدرة كونية ، لا خيار لي بها ، لأدخل مع شعاع دقيق ، نصفه ظلمة و نصفه نور في يخضور نبتة قمح . أنمو تحت الشمس . و أسير في خطى لا قرار لي به نحو البيادر فأدرس ، و أذرى ، و أغربل ، و أنقل إلى بيت أحدهم .. في حظيرته كائنات كثيرة منها الدجاج ..تنقرني دجاجة ، و تلتهمني ، فأغوص في ظلمتها ، لأدخل في تركيبة بيضة ..و عندما زغرد ديك فوقها ، أحسست بأن كوني قد اكتمل من ظلمة و نور ..! لا أخفيكم ، كنت خائفا ألا يصيح ديك قرب حاضنتي الأم ، ثم يفرد جناحيه استعراضا ، فتنحني له أمي الدجاجة بقرار كوني ، ليطلق فقاعتة الهوائه في ظلمتها كي آتي إلى هذا العالم بيضة سوية من ظلمة و نور . تتهيأ لأن تكون صوصا كامل الحياة ، و الأقانيم ..لكن ما حدث ، يفوق توقعاتي ..فقد قرر ابن صاحب البيت أن يطبق تجربة علمية على بيوض الدجاجات في زريبة العائلة ، فألغى أحد أقانيم الحياة ( الظلمة ) .. ليجعلني أتخلق في النور و حسب ..يا له من شرير ذلك الكائن الذي يقتل الحياة ..و أنا الكائن الذي ترمزت الظلمة في ذاكرته ، و النور معا . لن أستطيع نسيان ظلمة رحم أمي الدجاجة التي حملتني على حبل إباضتها ، و غذتني كي أكتمل بيضة طرية تتهيأ لفقاعة نور هوائية ، من أبي الديك .! ذلك تجذر في ذاكرة البيضة ..و ذاكرتي أنا الصوص ، الذي تلاعب البشر في مصيري .. ما جعلني أنتفض ، و أشعر أن سلوكا خطيرا يحصل لكينونتي و صيرورتي ، أني شعرت بدفء لا كالدفء الذي يشعر به الصوص تحت أمه ، مستأنسا بدفء صدرها و ريشها ..كان لدي إحساس عميق مقلق : إني لم أمر بمرحلة الظلمة بتاتا ..هو الضوء فوقي في كل حين ..مصباح كهربائي مضاء فوقي يؤمن لي حرارة الجسد الأمومي الأنثوي المزيف . لأكتمل بعد ثلاثة أسابيع ، و أخرج صوصا مكتمل الملامح الشكلية ، و لكني لا أمتلك روحانيتي التي فطرتني عليها الحياة ..يضخون في دمي مواد هرمونية مسرطنه ، فأكبر مغتصبا الزمن خلال شهر و نيف ، كي أصبح جاهزا للذبح ، لأعيد رحلتي عبر الظلمة تحت أضراس الإنسان ، و في معدات البشر . و لست أدري ، ما الذي فعلته جزيئاتي الدقيقة ، من غذيات ، امتصتها الأمعاء الدقيقة للإنسان ، و أنا أعبر ظلمتها لترسلني إلى سواقي حمراء يسميها البشر : الدم ..! و كنت جزيئات في تلك السواقي المنسابة بلزوجة إلى كل أجهزة الجسد البشري ، ليتشكل منها ذلك الجسم الذي يشبه كومة من دود أبيض ، يسميه البشر : الدماغ ..! ذاك العضو يفكر بواسطته البشر ..تلك الغذية الناقصة التي وصلت إليه عبر سواقي الدم ، هل تجعله يفكر بشكل سليم ، كما لو أني خلّقت تحت دجاجة ..؟؟ يمتصني ذلك الكائن هو و غيره من الأجهزة في الجسد البشري ، و بما أني صرت في جسد بشري ، صرت أتقن قراءة تطورات هذا الكائن البشري الخطر ..و بما أني خسرت ظلي .. و أنا الآن بلا ظل .. بلا جانب أنثوي..بلا ظلمة ..أليست الظلمة للأنثى و النور للذكر كأقنومي حياة..؟؟ إذا ، لقد اغتيلت الظلمة ..اغتيل السالب في صيرورتي ..فاغتيلت الأنثى في ثقافة الإنسان ..أنا ذكر وحسب ، بلا نصفي الآخر الذي يحدث التوازن في جسدي ..يستطيع الذكر أن يتخلق بدونها ..هذا صحيح ..و لكن هل يستطيع أن يضمن النتائج التي تتمخض عن قتل أقنوم الحياة الأنثى في الجسد البشري..؟؟ هل اختل ميزان العالم ، فأصبح البشر ينفلتون في التعامل مع الحياة ..؟ ما الذي سيفعله الدماغ البشري الناقص التركيب ، و ماذا سينتج عنه من تفكير سيدمر العالم بو حسية ذكرية محضة ..من يوقف الميل الوحشي غير أقنوم الأنثى في وعي العالم ..؟؟ أني خائف جدا ، أنا الصوص الذكري المطلق من ضوء اغتيلت في تكوينه الظلمة .. لكني ما زلت أحمل ذاكرة أمي الدجاجة ..و قد بدأت تنهار ، في داخلي ، الأقانيم الفطرية التي نهض على دعائمها الكون ..!! فهل من سوف يأتي ليرمم ما أفسده الضوء الشمسي ، في جدران الظلمة الأم .؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1


.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا




.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي