الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بداية القصص ودلالتها في -عزف بلا أوتار-*

مؤيد عليوي

2018 / 5 / 10
الادب والفن


تنبلج قصة "دولاب القدر" في بداية المجموعة بعد تقديم الناقد المصري حاتم عبد الهادي، فلم يكن مجيء قصة "دولاب القدر" في أولها اعتباطياً أو عشوائياً بل كان عن دراية وهندسة فنيّة في الدلالة لكل قصة يكتشفها مَن يدقق، ويغوص في عمق ما وراء سطور القصص وفحواها، ليرى أن القدر الذي أسعف المرأة ومن معها في قصة "ذئاب رحيمة" وأنجاها وأطفالها بالحشد الشعبي، من يد الدواعش في إحدى قرى الموصل، هو ذات القدر الذي ينجي أبطال القصص الأخرى في كل المجموعة منها في حوار قصة "عنق الزجاجة" التي تمثل بيئة المدن (- القدر من أنقذكِ وأنا وسيط فقط)، وأحيانا لا بوح أو إفصاح عن هذا الأمر بل يختفي حتى التلميح لكن الغوص في الدلالات العامة وعلى اختلاف بيئة الواقع القصصي لكل قصة في المجموعة، نجد ثمة خيط رفيع جداً هو القدر يرسم معالم حركة الشخصيات والمواقف التي نُقلتْ من الواقع بفنيّة عالية جداً والتي تنتهي بنهايات سعيدة متفائلة، وهي رسالة القاص إلى المتلقي مفادها أن القدر الإلهي هو سعادة البشر أما ما يقوم به الإنسان من ظلم فلا يسمى قدراً إلهياً بل ظلم الإنسان للإنسان كما في نهاية قصة "غشاء الطهر" وفعل العدوان والظلم، أو ما آلت إليه قصة "نار تحت الهشيم" وفعل غدر الارهابيين والدواعش، التي كانت بدايتهما مثل بدايات قصص المجموعة تنسجم مع الفحوى الفني والدلالة، ثم أن عنوان "دولاب القدر" أول قصة فيها، حيث دولاب تعني الحركة المستمرة ارتفاعاً إلى سطح المجتمع ونزولاً إلى قاعه المهمش، فأن قصص المجموعة كانت تتحرك في دولاب الحياة تتناول جوانب مختلفة من اليومي المعاش.
أما البداية في كل قصة فأن قصة "دولاب القدر" تبدأ بفعل ماضٍ (أخذَ) ويأتي بعده فعل مضارع (يتصفحُ)، إذ الفعل بصورة عامة يدّل على الحركة والحدث وعدم الثبات في زمن معين، وهذا تماماً ما جرتْ عليه القصة من حركة الشخصيات -من جهة دلالة الحركة- وسير المواقف الصغيرة حتى تكوّن الموقف الكلي ذو الدلالة العامة بأن قدر الإنسان كلما تقدم به العمر أن يحترم نفسه وسني عمره وشيبته ولا يتصابا، المهم ما زلنا في بداية القصة والتي يحدد بدايتها النقد والبناء اللغوي والدلالة فيما يأتي: (أخذ يتصفح الماضي، والأيام تمضي أمام عينه كأنها أشباح سود، السعادة فيها لا تعدُّ مقدار خردلة، على أعتاب الألم تقف السنين تصارع الدهشة، ما بال الشيب غزا، مفرقي؟ الروح خضراء ندية يزيدها العمر ازدهارا، الجسد اللعين يأبى الصمود أمام دولاب القدر، - سيدي تفضل بالدخول، فقد حان دورك) في كلمة من كلمات هذه البداية تنفتح القصة في بنائها اللغوي لتعبر عن المواقف الصغيرة في الواقع القصصي وحتى أسلوب التحول من صوت الراوي العليم إلى صوت الذات المتحدثة عن همومها ستجده يأخذ نصياً من هذه البداية داخل السرد القصصي إذ يتحدث الرجل المسن مع نفسه عن ذكريات شبابه متجانساً مع دلالة الفعل (أخذَ) على الماضي في البداية، ويجري حواراً مع الشابة التي تصغره كثيراً، يشير إلى الحاضر والمستقبل من ناحية دلالة الفعل المضارع (يتصفح) من البداية، وهنا من الممكن النقدي بإشارة إلى خلل اجتماعي لأسباب اقتصادية فالشابة سرقت الرجل العجوز عندما اقتربتْ منه وقبّلته...، كما أن قصة "عطف الموتى" تشير إلى ذات الخلل الاقتصادي بصوت أعلى من صوت القص في قصة "دولاب القدر"، ولكنها تختلف من حيث البناء اللغوي عنها، كما تختلف من جهة دلالة القدر الذي يختص بالرجل العجوز، حيث الخلل الاقتصادي كان وما زال بسبب ظلم الإنسان السلطوي على الناس، لذا نرى في نهاية قصة "عطف الموتى" أن المرأة ترى حكم الأمام علي (عليه السلام) بنفسه هو الأمان لها ولأطفالها من الجوع وذلة السؤال، في أشاره خفيّة إلى الأمام المهدي (عج) منقذ البشرية عند المسلمين.
وفي قصة "أوتار العود" تكون البداية للقصة الصفحة الأولى منها يعني الصفحة21 برمتها، والتي لا نعرف أنها بداية قوية جدا حتى ننهي القصة، من حيث فكرة بنائها القصصي معتمدٌ فيها القاص على (الفلاش باك) في لقاء عبر الشاشة الفضية لحوار مع الشخصية الرئيسة الفنان نصير، أما من حيث التراكيب للغوية فقد بدأتْ قصة "أوتار العود" بـ(فوق خشبة المسرح وقفتُ) وهي جملة فعلية أصلها (وقفتُ فوق خشبة المسرح) مما تشير إلى الزمان الماضي والنظام السابق الذي أفصحت عنه القصة فيما بعد، كما تشير إلى ذلك حركة الفعل ودلالته في السرد القصصي، إلا أن تقديم شبه الجملة وهي اقرب إلى الاسمية لعدم ارتباطها بزمن معين في الجملة سوى ما يشير إلى الماضي لوجود الفعل الماضي، ودلالتها الثبات من فعل الوقوف هذا، تشير إلى بطل القصة شخصية الفنان نصير الذي نجا من حكم الإعدام بفعل القدر في زمن الدكتاتور، كما يقتضي المكان المسرح في بدية القصة إلى وجود جمهور، وهو ذاته في نهاية القصة يقتضي وجود جمهور أمام الشاشة الفضية التي أجرت اللقاء مع الفنان وبثتْ حكايته التي انتهتْ نهايتها السعيدة بنجاته. وهكذا من الممكن قرأت كل قصة قصيرة في المجموعة القصصية "عزف بلا أوتار" من حيث البداية وملائمة التراكيب اللغوية فيها ودلالتها، مع فحوى وجوهر كل قصة التي تتأرجح بين القدر السعيد من رب العالمين وبين ظلم الإنسان للإنسان، لأنه من غير المناسب في مقالة نقدية مثل هذه السطور أن نقف عند جميع القصص، ولذات السبب -حجم المقالة النقدية- لا بد لنا أن نشير إلى أهمية الحوار في هذه المجموعة كونه عنصرا فعالا في بناء القصص واغتنائها بأدوات فنيّـة السرد القصصي.
______________
* "عزف بلا أوتار" القاص فلاح العيساوي، دار المختار للنشر والتوزيع، مصر: سنة 2016. الرقم الدولي: 7-3-852499-977-978.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة