الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد صلاح .. بين الظاهرة والمظلومية

أحمد محمد منتصر

2018 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


الظاهرة الإجتماعية ما هي إلا ذرة بنيوية للغلاف الإيدولوجي العام , ومُشكّل رئيسي في الإنفعالات والإستجابات لدي الجموع الشعبية المُشكّلة للإجتماع الإنساني.

ففي زمن ما قبل إيدولوجيا الحداثة , كان الكاهن -رجل الدين- المُستحوذ علي حقوق بث الدعايا الإيدولوجية التي تتسيّد الخطابات والتشريعات وتخدم المصالح العُليا لأسياد المجتمع , أما الآن , وفي عصور الحداثة والعولمة والغزو المالي والدعائي , يتشارك سُلطة الإستحواذ مع الكاهن العديد من خدم السادة الجُدد , والمُشكّلون الرئيسيون للمظلومية و الورطة الحقيقية وراء كل الأحلام والحقوق المسلوبة : لاعب الكُرة الناجح , الطبيب الناجح , العالِم الناجح ... إلخ من إعتبارات النجاح التي تحدّدها أدوات الخضوع والتماهي مع ما يفترضه السادة من آليات ودروب ومسلك إجتماعي مُحدد.



فالمنشورات الإلكترونية والمقالات وكل ما يُكتب ويُقال عن محمد صلاح هو مرتبط بشيء أكبر من كونه لاعب في واحد من أعرق أندية كرة القدم وهداف الدوري الإنجليزي !

محمد صلاح هو في الحقيقة تمثيل للمظلومية المُستَهلَكة.



تبدء الحكاية بالنسبة لي من تعليقات مذيعين المباريات الذين يستفيضوا في إستخدام مصطلحات مثل : صناعة عربية , صناعة مصرية , الفرعون المصري , الملك المصري .... إلخ

من الممكن أن تراها مصطلحات عادية لكنها تعكس جوهر الموضوع , الموضوع الذي يرتكز علي قاعدتين رئيسيتين لتشكيل المظلومية :

أولهم .. كونه ملكية خاصة مُدرجة في ملفّات الدولة لإستخدامها , وكونه مادة مُدرّة بالمال لإستخدامه في الإعلانات التجارية والخيرية والحملات الإنسانية ... إلخ.

ثانيهم ... كونه يُشكّل الفكرة المعروفة عن الشاب الذي لم يجد حلمه ببلده ووجدها خارج بلده , لكن الحقيقة غير ذلك , وهي : ان كل من يشقي ويكدّ ويتعب لن يكون محمد صلاح , لإنّ ببساطة شديدة الجميع يكدّ ويتعب ويشقي وبالنهاية لا يكونوا أكثر من مجرد موظفين أجرة !

بالتالي أصبح محمد صلاح صورة أيقونية تُعلّق بجانب زويل ومجدي يعقوب ونجيب محفوظ وغيره من الأيقونات التي تستخدمها الدولة لترسيخ وعي الإرتقاء الطبقي بكونه مقصور علي أشخاص بعينها , إما أن تكون مثل فُلان أو لا تكون.



وهكذا يكون صلاح تمثيل حقيقي عن المظلومية المُستَهلَكة التي تتم مواجهة الناس بها علي الدوام , بل ومن الممكن مواجهتها شخصياً إذا استلزم الأمر "مثلما حدث في الأيام الحالية".



بالتالي أصبح العديد والعديد يتعاطفون مع ظاهرة صلاح بكونه ممثّل عن الطبقات المصرية الدُنيا ذات الأصل الفلاحي , الذي تم اضطهاده داخل بلده ورفضه من أكبر الأندية المحلية , وحينما أخد الفرصة في بلاد الغرب الديمقراطية الرائعة , ازدهر وأصبح واحد من أهم لاعبي العالم!

وهذا ما يمثّله صلاح للعديد والعديد , مظلومية وجدت نصير , ولكن مثال صلاح هو الإستثناء عن قاعدة الإضطهاد الثابتة التي لا تزدري مصيرك بكرة القدم فقط , ولكن في العموم , في شتي المجالات.



فيلسوف معاصر سلوفيني "سلافوي جيجك" طرح سؤال لطيف يقول فيه :

أوليس " التمنّي اللا واعي " هو واقع الـ " السبب الغائب " الذي يحدد بشكل متضافر لعبة التمثيلات المتعددة ؟؟



التمنّي اللا واعي نستطيع أن نلمسه في إنفعالات وأقوال بل ودعاء الناس تجاه محمد صلاح , فيتحول الفرد من تمنّي الشيء المفقود لنفسه , لتمنّي إستدامة وجود الشيء عند غيره , بمعني :

في القهاوي الشعبية تصطف صفوف الطبقات الشعبية الدنيا لمتابعة ابنها وابن مظلوميتها محمد صلاح وتمنّي الفوز له , بينما يتخلل كلام الناس : "ربنا يكرمه , ربنا يعطيه من وسع , اتظلم هنا فربنا سايكرمه هناك ... إلخ. وهذا تمثيل عياني لتعريف مفهوم " التمنّي اللا واعي " .



لكنّ ما هو " السبب الغائب " الذي يقصده جيجك ؟؟

السبب الغائب هو مفهوم وتعريف ماهيّة الشيء عند الإنسان , فكلما انعدمت ماهيّة وجدوي الأفعال و وجود الأفراد بكونهم ذوات فاعلة , انعدمت قدرتهم علي الإحساس بوجوهم , وأصبح وجودهم لا يتعدّي كونهم مكونات بنيوية للعبة التمثيلات المتعددة , وهذا يعني :



كون الناس تري في وجود الإستثناء علي إنّه حل "ممكن" لبؤس القاعدة , فسيظل هنا مفهوم الإنسان عن وجوده غائب , سيظل الإنسان مُغترب , غريب عن ذاته , بالتالي سيري ويُقرّ أن الفقر والبؤس واللامساواة هي مقادير طبيعية من مقادير الكون وأن الإستثناء هو رزق ومُعطي لمن يجتهد في ظل الظروف القهرية !

وبالتالي أصبحت الظروف يُضفي عليها طابع الأبدية , وأنت مُجبر للتماهي والتعايش في ظل ما هو مُحدد مُسبقاً , خارجاً عن ذاتك , إرادتك .

فالسبب الغائب هنا مرتبط بالأساس بمفهوم "الحقيقة" , وأيُ حقيقة؟؟ الحقيقة الواحدة الأزلية والأبدية خاصتهم , فتعمل الجهات الإيدولوجية العُليا -المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية والبوليسية- علي إحتكار مفهوم الحقيقة أيضاً , فتُصبح الحقائق المعروفة هي التي تمت صياغتها وطبعها بخاتم الجمهورية : حقيقة أن تحصل علي مؤهل عالي للوجاهة الإجتماعية ومن الممكن للعمل , حقيقة أن تعمل , حقيقة أن تُظلَم ولم لا , حقيقة أن تُشرّد تُجوّع تُعتقل تُقتل , كل هذا وأكثر حقائق دامغة تسلبُ وجود الفرد , وتسلبُ مفهوم الحقيقة عن السبب الغائب الحقيقي وهو : علاقة السُلطة بالجسد الفرد , لتُظهر أمامه الأسباب الظاهرية الدعائية المُتعلّقة بالقدر والفرصة والحظ والنصيب , لتُعلن اللامساواة شريعة أزلية لضمان حق التنافس!

التنافس حول فرصة أو ضربة حظ يمنحها أرباب الأرض للذوات الجائعة للمُثل العُليا .

فأصبح الفقر وكل الرذائل المجتمعية مُعطيات أبدية في حياة البشر , بل رزق/إبتلاء/إختبار ... إلخ من المسميّات , وأصبحت قدرة الفرد مقتصرة علي مدي قدرة التماهي في ظل تلك المُعطيات , مدي تقبّله لتلك المعطيات وتعايشه في ظلها , وأن قلقه بشأن حياته ووجوده ومستقبله لن يتلاشي إلا بمدي تعاطيه مع كل تلك الدعايا السائدة.
بالنهاية تتحوّل الظاهرة الإجتماعية " محمد صلاح " إلي مظلومية شعبية , و آهة جديدة لعوام المُضطهدين , ليروا فيها ذاتهم المسلوبة , لتتحول تلك مظلوميته لإدانة تُدينه بتماهيه في لعبة التمثيلات المتعددة : كمظلومية إجتماعية مرة , وكمُضطًهد من الدولة مرة , وكمادة إعلانية لشركات الموبايل والمشروبات الغازية العالمية , وكمادة إعلانية خيرية أخلاقية مرة ... إلخ من التمثيلات , لنصل بالنهاية للمُعادلة البسيطة التي يُقرّ بها الجميع إذعاناً لها : تتراكم الثروة في قُطب بينما يتراكم البؤس في القُطب الآخر , ونحنُ لسنا سوي قاطني القُطب الآخر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يكثف غاراته على مدينة رفح


.. مظاهرات في القدس وتل أبيب وحيفا عقب إعلان حركة حماس الموافقة




.. مراسل الجزيرة: شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي على منازل لعدد


.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟




.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة