الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الايقاع و محمد عبد الوهاب / الجزء الاول

حيدر سالم

2018 / 5 / 12
الادب والفن


الايقاع و محمد عبد الوهاب / الجزء الاول
لا أنوي الحديث عن إيقاع المقسوم و أيوب و غيرهما ، بل أحاول الولوج في موضوع شائك ، و صعب ، و هو تأثير إيقاع حركة الحياة / الانتاج على الايقاع الموسيقي ، و لم أجد أحب من عبد الوهاب موسيقياً الى قلبي ، و لمعاصرته أشكالا متبانية من موسيقانا .
بدأ عبد الوهاب - الطفل - يغني في المسرح الغنائي بين الفصول ، كتقضية و قت جميلة بينما ينشغل الاخرون بتغيير الديكور و التحضير لفصل جديد من الرواية التي تُقدم ، و كان في ذلك الوقت يغنّي لسلامة حجازي حوالي سنة 1918 الى 1920 ، يغني أتيت فالفيتها ساهرة ، وغيرها من القصائد العتيدة التي اشتهر فيها حجازي ، و كانت هذه بداية موفقة لطفل ينجذب الى الرصين الذي " لايؤكل عيش " إزاء ما كانت تُغنى من طقاطيق مبتذلة ، و هذا الخط المستقيم سيرافقه طوال مسيرته الابداعية . لو استمعنا لقصيدة اتيت فالفيتها ساهرة من الحان حجازي و نظم خليل مطران ، نجدها خالية من الايقاعات المصاحبة للغناء الذي إعتدنا عليه في هذه الايام بل صارت رئيسية ، تصاحبه آلة القانون و الكمان و لقدم التسجيل أكاد لا أجزم وجود آلة العود ، و هي تضعنا في عصر مصر المحروسة ، بين " الحنتور " و بائع " عرق السوس " و نلمح " السقا " يحمل الماء لإيصاله الى سرايا الباشا ، بدون صخب المكائن التي تعتّم رؤيتنا للافق ، بدون حركة إنتاج سريعة ، كانت مصر مازالت في الحقبة الاقطاعية ، ثمة بعض الصناعات البسيطة قائمة من صناعة النسيج و غيرها ، لم تدخل مصر في دوامة الرأسمالية ، و لم يتحول الفرد آلة بعد ، وكانت أقل تعدادا مما هي عليه اليوم ، إذن القانون و الكمان فقط ، لا إيقاعٍ و لا هم يحزنون ! ، رغم وجود الايقاعات في ذلك العصر ، و لكن سياق الأغنية نفسها هادئ ، و تتيح للمستع السباحة في نغمٍ شاسع و ممتد طويلا ، عكس ما نسمعه اليوم حيث الجملة الموسيقية تسابقنا و لا نكاد نسمعها لننتقل لجملة ثالثة و قد غابت عنا الثانية في طي الفوضى ! .
سيتعلم عبد الوهاب في فترة العشرينات العزف على آلة العود من أستاذه محمد القصبجي ، و هي مدة مفصلية في إرساءه ، و هي الأساس - العشرينات - الذي إستمر عليه عبد الوهاب ، وكانت أساسا صلبا ، بنى عليه عبد الوهاب عالماً منقطع النظير . و تغنت له السيدة منيرة المهدية بأولى ألحانه للمطربات في اوبريت كليوباترا ، كانت ألحانه قريبة من أسلوب سيد درويش الذي تأثر بمدرسته و أكمل المسار التطويري للأغنية العربية بعده ، و هو من اكمل المسرحية التي تركها الشيخ سيد رغما عنه عندما داهمه الموت ، و يلتقي بالشاعر أحمد شوقي ، و يقترب من مجالس الامراء ، و يأخذ صوته هدوء حياتهم الفسيحة و تردد ألاصداء في سراياهم الواسعة ، فهو حتى في الجمل الشعبية التي لحنها نجده شعبيا " شيك " .
تغنى من كلمات شوقي قصيدة في المسرح الغنائي ، هي قصيدة أنا انطونيو ، وهو لحن تقليدي مثل القالب الذي يلحن فيه الشيخ سلامة حجازي ، وجاءت القصيدة من مقام البيات . و لحن أيضا قصيدة أخرى " أخاف عليك من نجوى العيون " في مقام حجاز كار و من نظم أحمد رامي وجاءت كذلك في القالب التقليدي . ومن الواضح أنه كان متحفظا في التعامل مع تلحين القصيدة هكذا حصل مع قصيدة ردت الروح ( مقام بيات ) من نظم شوقي ، و هذا الحال سيتغير بالطبع فعبد الوهاب يسأم من المُقام في مكان واحد ، و سنجده ثائرا في القصيدة ، و مجددا ، و تعد " يا جارة الوادي " هي النقطة الفارقة في مسيرته الابداعية ، حتى انه كسر قاعدة في اللغة العربية من أجل ما وجده جميلا للموسيقى بإظهار حرف اللام في كلمة " الرياض " .
الى جانب القصائد غنى أطوارا أخرى من الاشكال التلحينية ، مثل المونولوج ، ففي مونولوج " كلنا نحب القمر " كان يرسم فضاءا ، وخيالاً تلحينيا لم تعتده الاذن العربية ، و الايقاع مثلما قلنا سابقا تأخذ دوره الالات الموسيقية ، و هذا المونولج من نظم احمد عبد المجيد ( مقام حجاز كار كرد ) ، وايضا مونولوج كتير يا قلبي ، و على غصون البان من نظم رامي .
و في قالب الطقطوقة غنى خايف اقول اللي في قلبي نظم أحمد عبد المجيد و في مقام حجاز كار كرد ، وبقيت هذه الطقطوقة بلحنها العذب خالدة الى اليوم ، لحنت هذه الطقطوقة بمصاحبة الايقاع البسيط الذي لانكاد نلحظه ، و أشك أنا بوجوده حيث يعطينا ضربة بسيطة نستقر عليها في نهاية الجملة الموسيقية .
ولحن عبد الوهاب في قالب الدور ، مثل احب اشوفك ، ونجده متأثرا بأستاذه الشيخ درويش الحريري ، وجاء هذا الدور من مقام النهاوند ، و نتفرس بعبد الوهاب الشرقي ، الغارق في شرقيته ، في الوقت الذي لحن فيه مونولوج " في الليل لما خلي " و مونولوج " أهون عليك " ، وهما خطوة جريئة في تاريخ موسيقانا ، فالمونولوج الاول جاء بطريقة حرة بدون إيقاع ثابت في مسار المونولوج ، كان أشبه بعمل أوبرالي مصري ، و فيه سابقة أن يكتب شوقي بالعامية المصرية ، أما الثاني ففيه جملة موسيقية مقتبسة من أوبرا عايدة ، كان عبد الوهاب يحاول في تلك الفترة أن يوسع نطاق الغناء العربي ، و يدخل عليه ما لم يألفه المستمع ، فأدخل الفيولونسيل و الكونترباص و الهارب و الكلارنيت ( محمد عبد الوهاب تأليف سعاد الهرمزي . (
و لحن أيضا في قالب الموال مال الفؤاد ده نظم إبراهيم عبد الله ، و اللى راح راح نظم حسن أنور .
كان عبد الوهاب في العشرينيات يمهّد لما سيأتي من تغيير كبير يقوم به ، و أصبح الشارع العربي يطرب لطريقته بالغناء ، و لجمله الموسيقية التي تختلف عما طربوا له من قبل ، و سنشهده يغير في كل الاتجاهات ، في القصيدة و الطقطوقة و المونولوج الخ . كان ايقاع الحياة هادئا ، و رتيبا ، و حركة الانتاج تكاد تكون ايضا كذلك ، و انعكاسها على عبد الوهاب كان واضحا ، و على مسار كل الموسيقى العربية آنذاك ، حتى مع الكلمات نجد الحب العذري ، أو الحب " القديم " كما نسميه اليوم ، نحن أبناء الجيل الجديد / حركة الانتاج المتطورة ، حيث الكلمة الصلبة و الحب الفاتر ، لان الفرد تعلم تأليه فردانيته في ظل إغتراب العامل ، و مزاحمته الآخرين في السعي وراء العمل و زيادة الدخل ، أصبح الحب دافعا لزيادة الكسب الحسي ، خلافا عما هو عليه في العصر الزراعي ، في ظل الملكية الخاصة ، و تعظيمها . لذلك نجد عبد الوهاب يتغنى دائما بحب يشبه اجواء الملكية الخاصة ، حيث التفاني في حب المملوك ، و ابقاء جميع الحواس و المشاعر تصب ناحيته ، كما ان ايقاع المساحات الشاسعة من الخضرة و الاشجار يبقى مسيطرا علينا ، رغم انه يعيش في مدينة ، لكن توطين الناس في مكان تجتمع فيه المصانع كان ما يزال في طور النشوء .

أما في ثلاثينيات القرن الماضي ........

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الليبي الطارقي أماكا جاجي يحدثنا عن ثقافة وموسيقى الط


.. فيلم ولاد رزق 3 يتخطى 12.5 مليون جنيه خلال يومي عرض بالسينما




.. نجم الغناء الأمريكي كريس براون يعلق في الهواء على مسرح أثناء


.. طرد كوميدي شهير وصف نتنياهو بـ-النازي- في فرنسا.. ما القصة؟




.. أحمد فهمى و أوس أوس وأحمد فهيم يحتفلون بالعرض الخاص لفيلم -ع