الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع الأجيال في الوسط الثقافي

صاحب الربيعي

2006 / 3 / 18
الادب والفن


تفرض محطات العمر النهائية عطالتها على المبدع فيصبح أقل قدرة على الاكتساب المعرفي للتواصل مع العالم المعاصر، ويخفت وهج ملكته الإبداعية فتأتي آراءه مخالفة للواقع المعاصر لأنه ينطلق من مسلمات ثابتة فات عليها الزمن بفعل توقف اكتسابه للمعرفة الجديدة فتصطدم آراءه وأفكاره الجاهزة بآراء وأفكار الجيل الجديد الذي يتعاطى معها بالاستهزاء والتندر.
لايمتد العمر الإبداعي على طول مساحة عمر المبدع، لكن ينتج خلاله كائناته الإبداعية وفيما بعد تنطفأ جذوته مع تقدم محطات العمر، ولربما يستمر إبداعه لحين بالرغم من خفوت وهج ملكته الإبداعية نتيجة تواصله مع المعرفة المعاصرة.
أذكى قرار يمكن أن يتخذه أي مبدع للحفاظ على مكانته في الوسط الثقافي هو التوقف عن النتاج الثقافي عند شعوره بخفوت وهج ملكته الإبداعية وإلا فإنه سيكرر نفسه في كل نتاج جديد (على حد تعبير أدونيس) وبالتالي فإنه يصدر حكم الإعدام على نتاجاته الإبداعية السابقة. ولطاقة الإبداع عمر محدد فإن تم توظيفها وتقنينها بشكل جيد حققت غرضها في إنتاج كائنات إبداعية تسهم في رفد الحضارة الإنسانية، وأن تم إهمالها تتلاشت دون أن تحقق غرضها.
صراع الأجيال بين المبدعين هو صراع مكانة ووجود، فجيل الشيوخ يرفض التخلي عن مواقعه لجيل الشباب ويجد أنهم غير مؤهلين وتنقصهم مقومات الإبداع ولايمكنهم النهوض بأعباء المسؤولية. ويعتقد جيل الشباب بأن الشيوخ يتلكأون في التخلي عن مواقعهم، متسلحين بالحجج الواهية للممارسة الهيمنة عليهم.
يرى ((موريس دوفرجيه))"أن النزاعات بين الأجيال لايبدو أنها ستزول، سيظل الشباب يتعارضون مع الشيوخ قليلاً أو كثيراً على باب المجتمع، فالشباب يستعجلون الدخول والشيوخ يتلكأون في الخروج".
غالباً ما يتخذ الصراع بين الأجيال في الوسط الثقافي خاصة في الدول المتخلفة أشكالاً غير حضارية من أساليب الحط والإساءة لعدم وجود مؤسسات ثقافية تعنى بالشيوخ من المبدعين وتأخذ على عاتقها إقامة المهرجانات للاحتفاء بهم وتثمين جهودهم في الخلق الإبداعي وما أسهموا في الرفد الحضاري للأمة.
والاستفادة من خبرتهم في إعداد وتأهيل جيل الشباب، ليأخذوا زمام المبادرة والمساهمة في التراكم والفعل الحضاري للإنسانية. والمطلوب من جيل الشيوخ المبدعين تسخير إمكانياتهم وخبراتهم لإعداد وتأهيل جيل الشباب للمستقبل. ويتوجب على جيل الشباب المبدعين احترام وتقدير منابع أصولهم الإبداعية، فشيوخ اليوم كانوا شباباً بالأمس وشباب اليوم سيكونوا شيوخاً في الغد.
التراكم الإبداعي والحضاري في حياة الأمة هو مساهمة واعية للمبدعين من كل الأجيال، فلا يوجد إبداعاً دون جذور. والأمة العظيمة هي الأمة التي تفتخر بمبدعيها وعلماءها ومثقفيها، والمبدع الحقيقي هو جزء من تراث الأمة فمن لايحترم تراثه الإبداعي بالتأكيد لايحترم نفسه.
يقول ((طه حسين))"أن الشباب يشكو من أن شيوخ الأدباء لايحفلون بهم، ولايلتفتون إليهم ولايمهدون لهم طرق النجاح ولايعرفونهم إلى القراء كأنهم يؤثرون أنفسهم بما أتيح لهم من ارتفاع المنزلة ويسرفون في الاعتداد بها. ولايكادون يزدرون ما لقي الشيوخ من عناء وما احتلوا من مشقة وما ذلوا من عقاب".
تحتفِ المؤسسات الثقافية في الدول المتحضرة بشيوخها من المبدعين ومساهمتهم في البناء الحضاري للأمة، وتعمل على تكريمهم بالجوائز التقديرية وبتسمية قاعات المكتبات العامة وصالات العلوم والمعرفة في الجامعات بأسمائهم وهناك العديد من أسماء الشوارع والساحات العامة تحمل أسماء المبدعين، فالأمة الحية هي الأمة التي تفخر بمبدعيها. ويتوجب إعادة النظر بالأساليب غير الحضارية المعتمدة في الوسط الثقافي بين الأجيال في الدول المتخلفة لصالح أساليب حضارية يحترم من خلالها جيل الشيوخ من المبدعين الذين أسهموا في التراكم الحضاري للأمة والبشرية معاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شخصية أسماء جلال بين الحقيقة والتمثيل


.. أون سيت - اعرف فيلم الأسبوع من إنجي يحيى على منصة واتش آت




.. أسماء جلال تبهرنا بـ أهم قانون لـ المخرج شريف عرفة داخل اللو


.. شاهدوا الإطلالة الأولى للمطرب پيو على المسرح ??




.. أون سيت - فيلم -إكس مراتي- تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهده