الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية محمد الزفزافي بين الادب الواقعي و الواقع العبثي

علي الفلاحي

2018 / 5 / 14
الادب والفن


مما لا شك فيه ان الروائي والقاص و الشاعر محمد الزفزاف يعد ما أبرز مقومات الادب العربي بشكل عام و المغربي بالخصوص. فقد أثرى الأخير الساحة الثقافية بمجموعة من الاعمال الروائية الخالدة نذكر منها "بيضة الديك" و "المرأة و الوردة". كما إستطاع بعين واقعية ثاقبة تجسيد المشهد السوسيو-إجتماعي و الثقافي المغربي بمعضلاته بواسطة كلمات متناسقة ببنى تركيبية مبسطة مشكلا بذلك دلالات ذات قابلية للاستيعاب من طرف جل القراء، و بتصورات و تشكلات ذهنية مختلفة. رغم كل الاليات الاسلوبية المشكلة وجدانيا و شخصانيا، تعكس الواقعية الزفزافية، أو تظهر ممزوجة بنزعة عبثية حاملة معها لقيم ثابتة، الى درجة من التأويل، قيم اليأس و الفشل و البؤس,. وسنتخذ نصي "محاولة عيش" و "الحي الخلفي" كمادة خام للثقافي، و لانتقاء تجليات النزعة العبثية في الأدب الزفزافي لإعتبار الروايتين من بين أعظم التجسيدات االلغوية للواقع الاجتماعي و النفسي من قبل محمد الزفزاف.

تدور رواية "محاولة عيش", حول حياة الشخصية المركزية "حميد" في تشبته بقيم الصفاء و صراعه ضد القيم السائدة. فقد اجبر الفقر الاجتماعي و الاقتصادي المدقع حميد على العمل كموزع للجرائد. و اثناء مزاولة حميد لعمله سيشهد انواع عدة من الظلم الاجتماعي من سب و شتم و اهانة خصوصا في محاولته لبيع الجرائد في السفن الاجنبية مقابل علبة سجائر أمريكية أو عملة صعبة. و إصراره على العمل سيأدي به الى كسب دراهم معدودة كافية لضمان الامن البيولوجي لحميد كما ستمكنه من كسب "براكة" في نفس حي الصفيح "كاريان". ما سيدفع امه الى تزويجه كت تجري العادات و الطقوس. فيكتشف حميد ليلة العرس عدم عذرية زوجته العرجاء. و بهذا سيلذ بالفرار بعد تحول العرس الى حرب.

فبعد النبذة القصير عن الرواية, نجد ان الكاتب يصور الواقع بعين عيثية و نظرة تدعو الى ان الواقع موجود, كما هو, دون القابلية على التغيير, و الفرار يضل الحل المتأصل في الرواية. فحميد, حسب الرواية, نتيجة حتمية لظروف السوسيوثقافية و الاقتصادية. و رغم عدم تجاوب الشخصية المركزية للقيم السائدة "المنحطة", الا ان هاته الاخيرة ستحيط به من كل الجوانب و تجعله ينفي الامل من حياته. ففي البدايات الأولى للحبكة الروائية, قاوم حميد قيم الفقر و الخمول المتجلية في أبيه بالعمل الدائم, حاول ان لايشرب الخمر و ان لا ينجر خلف الملاذات, لكن ضغظ المجتمع, حسب الرواية, لا يقهر. فالمجتمع بقيمه يسود حيث أن اي "محالة عيش" تلوح بالفشل.

اما في رواية "الحي الخلفي", فالكاتب يسلط الضوء على الشخصية المركزية "المعلم" الذي احيل ن عمله و فرت زوجته بطفله بعد أن تزوجت من يهودي. فعلال يعيش في حي من الاحياء الشعبية الدنيئة في عمق المجتمع المغربي. فالزفزاف يرصد حياة "المعلم" و صديقه "الطاهر" و بعض الممتهنات للجنس المأجور, خديجة و حليمة, مسلطا الضوء على عنصر المكان. فحياة ساكنة الحي الخلفي و خصوصا الطاهر تدور على القمار و الشرب حتى الثمالة و الأكل. فبعد الفوز في القمار يلج حميد و اصحابه الى حانة ليشربو حتى تلعب الخمرة بعقولهم. فالحياة في الحي الخلفي تسير ظاهريا على ما يرام حاملة معها تناقضات صارخة باطنيا.

فالزفزاف في هاته الرواية, على لسان الشخصيات, يؤكد على ان الاختيار نقمة, فالاختيار الذي ادى بأدم الى الخروج من رحمة الله و الجنة فقد طرد حميد من و ظيفته لانه اختار, و لأن الاختيار اساس الحرية, فلا حرية ترجى بلا إختيار. يصرح الكاتب على لسان حميد "لقد أردت أن أختار فطردت من العمل, و للأسف ما أزال أصر على الاختيار لأني مغفل و المشكلة الاساسية هي اني اعي ذلك و لم أستطع تجاوزه." فالرواية مليئة بمجموعة من الحوارات الذاخلية لا تبعث على الامل. فالكاتب يقول على لسان احدى الشخصية الفرعية "القايد" متحدثا عن حميد "أقول في نفسي أنه لم يحسن الإختيار...إن الكلمة مسؤولية و قد تخرب شعبا و تؤدي به الى ما نراه اليوم في أنحاء العالم...إن ألئك الناس الذين يهربون أو يقحبون ما هم الا مجرد مساكين و لكي تعيش لابد ان تفعل أي شيء." فمعظم الحوارات الذاخلية في الرواية تدعو الى التأقلم مع الوضع السائد لإستمرار عجلة الحياة الاجتماعية في الدوران. فأي إختيار حر يؤدي للخروج من الجماعة.

فبعد القراءة المضمونية لرواية "محاولة عيش و "الحي "الخلفي" للروائي الواقعي محمد الزفزاف يمكن الاستخلاص ان الواقعية الزفزافية واقعية تيعث على العبث. فالتصوير الزفزافي للواقع عبر صور لغوية يتميز بالثباثية و الركود. حيث ان الواقع كتب له ان يكون بهذا الشكل المحدد و لاأمل لمستقبل مزدهر. لذلك فقلم الكاتب محمد الزفزاف يقود جل الشخصيات الرئيسية المنشقة عن القطيع الى الهاوية. فحسب الادب الزفزافي ما من جديد تحت الشمس. و كيف يكون الجديد و الامل المشرق لمن لا أمل له!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي