الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تصبح الرواية مُدوَّنة لحلم طال انتظاره

عامر حميو

2018 / 5 / 15
الادب والفن


الفصل الذي استشرقت فيه رواية (سلم بازوزو)* تنبؤ تحالف (سائرون) وتنبؤ (تحرير الموصل) قبل حصولهما على شكل حلم يراود شخصية (برهان العسافي) وفق معطيات واقع الشارع العراقي:
(سُلَّمَةُ حافة البئر من الأعلى)
حوّم النعاس على جفني برهان العسافي، وسرى الخدر لذيذا في أطرافه، وطار خياله بين اليقظة والحلم، فاقتربت منه ندى لكنها ضاعت وسط حشود من الطلاب، وحثّ شرطي المرور سائقي السيارات على أن يَغِذّوا سير مركباتهم سريعا, كان يقف في وسط الشارع يرفع يده التي تحمل مضرب المنضدة, ليوقف سير جهة فيما كانت يده الأخرى تلوح للجانب المعاكس بالمرور, وقد اشرأب على أطراف قدميه, يرقب الجهة الأمامية لوقفته تلك, فبانت رؤوس بشر تزحف نحوه, كأنها أسراب دود تناسقت على درب دليل منها, وجد غنيمة حبوب كثيرة , فترك لها أثرا من رائحة على دربها, لتسلكه نحو هدفها مطمئنة.
اقتربت جموع الناس منه, فتزاحمت الأرجل تركل الأرض مهرولة, وتقوست الجذوع تبحث عن توازنها مع حركة تدافع الأكتاف, لتشق طريقا أعْتُرِضَ من حلقة شباب, التفت لترفع قامة بالكاد يظهر الرأس منها, فعادة من يتبرع بالرفع هم أصحاب الكروش الذين يمنعهم ثقل أجسامهم من تحقيق أمنية أن يكونوا هم المعنيين لشحذ الهمم, فيستعيضوا عنها بتحمل بهلوانية الشباب فوق أكتافهم .
كانت الأرجل تتزاحم كلما تدانت من المقدمة, وتتبعثر في جوانبها لتجرجر الخطى في نهايتها, غير أنه استطاع أن يلمحها بين مجموعة الطالبات معصبة رأسها بالعلم, وكلمة (الله أكبر) تتوسط جبهتها, ولما تلاقت نظراتهما خطفا وسط غبار عجاج الشارع, تركت توسطها لمجموعة الفتيات, وتدانى هو الآخر منها جانبيا، ليحتك كتفه بكتفها, مثل قطبي مغناطيس تجاذبا لبعض, ودون أن يخططا تشابكت أصابع أيديهما من جهة كتفيهما المتلاصقين، وارتفعت يداهما الأخريتان مضمومتا الأطراف, تنثني مرة وتمتد نحو الأمام مرة أخرى متناغمة مع الهتافات.
تَضَيَّقَ الحشد السائر عندما وصل نهاية شارع الجمهورية , واجتاز حديقة الأمة، فسحبها برفق نحو رصيف الشارع, الذي تكدست عليه أكوام علب الكارتون للباعة المتجولين , وانحرفا مع انحناءة الشارع باتجاه ساحة التحرير, كأنهما عصفوران يلتفان على غصن شجرة ملتوٍ لجانب, وانسلا مرة أخرى مختلطين مع حشود المتظاهرين, وفيما كانت الأرجل في الشارع والساحة تزيح كل علب الكارتون، وتنحيها جانبا نحو حواجز كونكريتية تطوق منطقة رئاسية، تنتشر على محيط جدارها أبراج حراسة، فوهات بنادق حراسها موجهة خارج أسوارها, كانت الحناجر تهتف:
- خبز.. حرية.. دولة مدنية.
وعبر شق بين الكتل الكونكريتية إلى الداخل كان يبدو واضحاً، مشهد رجل دين يجلس على كرسي، وثمة خيمة خلفه كتب على ستار بابها (خيمة الاعتصام).
ثم اختلطت الصور بذهن برهان، وتشابكت أصابع يديهما مرة أخرى، لكنهما الآن وقفا على رابية عالية يرقبان نشوان الصحن يتقدم الحشود، وأصوات وراءه تحذره قبل أن يصل أطلال داره، ليثبت سارية علم بلاده وسط شق في سطح الدار، الذي فرشه على الأرض نسف براميل التفجير له، ووسط ذاك الخراب رأى برهان العسافي وندى ثمة عجوز تجلس تحت ظل شجرة وارفة الظلال، وحولها يلتفّ جمع من الاطفال، ملامحهم خالية من أيَ تعبير، ينصتون لها بلهفة مبهورين، وعيونهم مشدوهة ترنو لسبابة يدها التي تشير بها نحو السماء.
آذار/ 2017
* رواية (سُلّم بازوزو) عامر حميو 2018 ط1 عن دار كلكامش للطباعة والنشر والتوزيع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر