الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعرة مسار حميد الناصري، رغم الاوجاع تُسرج حلمها تحت سنبلة ..!!

وجدان عبدالعزيز

2018 / 5 / 15
الادب والفن


حمل لنا ديوان (هناك ...حيث أنت) للشاعرة مسار حميد الناصري خطابا موجها للاخر، عبر لغة تارة انفعالية، واخرى هادئة، بيد ان كلا الحالتين كانتا لغتهما، لغة شعرية انفلاتية، بمعنى انها تحمل مغامرة جريئة، وفعالية عقلية راقية ومن نوع خاص، تحاول أن تفسر العالم، أو بالأحرى، أن تعطيه معنى، وأن تجبره على البوح بشيء من حقيقته خارج اطار قاموسيتها المتعارف عليها، يقول الشاعر الصيني (لوتشي):‏ (نحن الشعراء، نصارع اللاوجود لنجبره على أن يمنح وجوداً، ونقرع الصمت لتجيبنا الموسيقى.. إننا نأسر المساحات التي لا حد لها في قدم مربع من الورق، ونسكب طوفاناً من القلب الصغير في مساحة بوصة..)، وهكذا فعلت الشاعرة الناصري من خلال خطابها الاحتمالي بنبرة ذاتية وبلغة مكثفة، حملت افتخارا بالذات، الا انها ذات تماهت بالموضوع، وراحت تصنع من هذا الخليط صورا جمالية، ليس خطابا موجها بأوامر، انما كان يحمل طروحات تمثل رؤية في الترويض .. داعية يطرح دروسه، يحاول ايصالها الى اذهان ناسه، لكنه لايبحث عن النتيجة النهائية، فيترك النهايات مفتوحة، كون الشعر مشروعا احتماليا يقوم على الافتراض والحلم ولا يملك الوصول الى الحقيقة كما هي، تقول الشاعرة الناصري :
(آياتهم غربان
والكف فارغة
اعطوه لي
اختلط الصوت بأذني
والندم ينمو
ناراً في الأحداق
موتاً منسي الأكفان
استيقظت والناس موتى
في رفات الجمرة
بقيتُ وحدي)
هذه الاحتمالات صاغتها لغة خيالية، وكما اسلفت تراوحت بين الانفعال والهدوء ومحاولة ايجاد دالة رؤيوية خاصة بالشاعرة، يقول الدكتور عناد غزوان : (إن هذه الأبعاد الثلاثة : الانفعال والخيال والفكر لاتظهر إلى واقع الحياة، إلا من خلال اللغة التي تعبرعن الانفعال فنيا ـ اللغة الانفعالية ـ أو الخيال ، اللغة الخيالية (ذات الدلالات الجمالية والبيانية او البلاغية) والفكر ـ اللغة الفكرية ـ التأملية التي قد تمزج بين الانفعال والخيالية في آن واحد . نظرا لان هذه الأبعاد لايظهر أثرها أو تتجلى استجابتها وأخيرا تقدير قيمتها الفنية ـ الجمالية في ذات المتلقي ـ العنصر المهم والفعال في العملية النقدية ـ من غير فن ومهارة في الصياغة والتشكيل وهو البعد الذي تتوحد فيه الأبعاد الثلاثة وضوحا وغموضا أو تقصيرا .. وهذا يعني ان فن الصياغة والتشكيل الشعريين هما روح "الترويض" في النص)، فكانت محاولة الشاعرة في ترويض نصها بدلالة قولها : (وأهمس لنهر الغرباء/خذوا مزامير الرحيل/ودعوا زهد الموت لي/لايرثيني الا الله/آه من وطني ... إنه وطني)، والعبارة الاخيرة (إنه وطني) اثبتت من خلالها موقفا ورؤية من خلال الابعاد الثلاثة، ومسكتْ بالمعنى، ثم تقول :
(اسقط ارتفاعا بمئذنتي
ليصحو صراطك المستقيم
تمنحني سجدة سهو
فأمنحك مغفرة نحو حبي ...
وبإنحناء عفيف
سأقاتل بقصب الناي)
فحتى سقوطها ارتفاعا بقوة اللغة الانفعالية، وبأسلحة مغايرة للواقع المرّ الذي ما أنفك يحاصر ذاتها وذات الاخر توأم روحها، حتى انها كتمت حبر المواجع، اي انها سكتت عن بعض الكلام، غير انها تعلن في مواضع اخرى، لترسم في قصيدتها (نافذة بلا مطر) مشاهدا بصرية، الا انها حولتها من خلال اللغة المغايرة الى صور لامرئية، ومثل قولها : (نجما أعلقه في ظلام السؤال)، فمن صورة مرئية (نجما) الى صورة لامرئية (سؤال)، وقولها : (أضيء بساتين عيني)، و(فيصلي الضوء في أناملي)، ومن خلال هذا رسخت خطابها للاخر وجعلته خطابا ذاتيا، أقترب كثيرا من الصدق، وصنعت دائرة مغلقة، مفتوحة ذاتيا، مفتوحة موضوعيا، مغلقة موضوعيا، مثال قولها : (يلفحني شوقان/ أولهما لكَ والثاني إليكَ) واخذ خطابها يتعالى بصور تترادف، لتعلي شأن الاخر وتساويه مع حب الذات الباحثة عن الحقيقة، وعززت في قصيدة (موعد مع الفجر) استمرارية البحث عن الاجوبة من خلال رسم علامات الاستفهام، تقول الشاعرة :
(كيف الماء في لهب؟!
انا لم اعهد
الغيث يبدد احلامي
ويقتل الشجر
ما بال نبضك يئن
شراعا مكسورا بين الضلوع
وشاطيء الثواني يملأه الضجر)
والشاهد هنا يتمثل (ما بال نبضك يئن) وبدلالة بين الضلوع، وهي اشارة صوفية الى قوة الالتحام الروحي بين ذات الشاعرة، التي تمثل الذاتية والاخر الذي يمثل الموضوعية، والمقصود بالذاتية معالجة موضوع ذاتي في داخل الانسان، وكذا استخدام وسائل ذاتية في التعامل مع الموضوع الخارجي او الداخلي, الذاتي أو الموضوعي, بما في المعالجة من انفعال وخيال, فالذاتية هي في الموضوع والأسلوب، وهي في الشكل والمضمون وهي في المادة واسلوب المعالجة، وكذلك الموضوعية والمقصود منها معالجة موضوع في خارج الذات، أي معالجة الموضوع الداخلي او الخارجي الذاتي أو الموضوعي بأسلوب موضوعي.. وهناك خلاصة توصلت لها الشاعرة، أي انها عززت الموضوعية واعطتها بُعدا اخرا من خلال التمسك بحب الاخر، لكن الحب في الوطن بقولها :
(لأني بحت بحبك
وتلوت فاتحة الغرام
وعلى جرف موال
احكي قصة عشق
اني بقربك
والحب في وطني
أوصدوا دونه الابواب
عمياء أناملهم)
بمعنى ان الحب يسكن دهاليز القلب، الا انه يكون اكثر جمالا، حينما يكون هو الوطن، والخلاصة ان الحبيب هو الوطن، او العكس لايفرق عند الشاعرة، وهي دلالة ان الابداع يشتمل على سائر المستويات الاجتماعية والثقافية والنفسية… بحيث لا يمكن أن نفصل الأثر الأدبي عن مبدعه، لأنه جزء منه مهما ادعى الحياد والموضوعية في عملية الإبداع، كون العملية الابداعية تنطوي على بنيات لاشعورية يحدث دون أن يتحكم فيها المبدع بشكل مباشر، بحيث ينطوي الابداع على ذات تحاول الذوبان في الاخر، اي أن كل فن جيد هو ذاتي وموضوعي في ذات الوقت، لذا فان الشاعرة الطائي سلاحها في ايصال رؤاها هو الجمال بدلالة قولها :(سيهب نخلي ذات بياض/ليحز قامة الظلام)، او قولها : (أسرج احلامي تحت سنبلة/وأنفض الجدار عن الذراع/فأولد من جديد)، فعبارات : ليحز قامة الظلام، وتحت سنبلة، واولد من جديد، هي ايحاءات جمالية لولادة جديدة بعد تمزيق الظلام وتبديد العتمة، وهذا الامر يعزز موقف الشاعرة باتجاه خلق رؤية جمالية، واستمرت تلحن تراتيل الذات وسط الغياب، تعد الاوجاع، اوجاع روحية من الاحساس بالوحدة، الا انها دلت على تمسكها بالجمال، وهي في اتون الوحدة والغربة وراحت تستعمل حرف "لو" وهو حرف شرط غير جازم يفيد التعليق في الماضي أو المستقبل ، يُستعمل في الامتناع أو في غير الإمكان ، أي : امتناع الجواب لامتناع الشرط المتمثل بقولها :
(اجهشت مرايانا
فراغ اللحظة
اجد نفسي على مسيرة عام
وانا ارسم ابتسامة حائرة
احرث ماتبقى من الكلمات الصدئة
الوذ بالاشجار
بغابات الوحدة
لو غادرته فماذا بعده اجد؟
لو اني اعود لأبيت تحت
حلم سنبلة)
وهنا صنعت معنى اخر للامل، ثم تعود تحتسي الكلام مع المطر، حاملة سرها الى تلال الدفء، وهكذا كان مسارها الشعري خطابا موجها له معززة ذلك في قصيدة (غيمة في قارورة) الى قصيدة (اغنية لاتشيخ) التي تقول فيها : (انا المغيبة فيك عشقا وانكسارا) والى اخره من القصائد والمقاطع التي توالت في الديوان، تعزز تلك الرؤية الجمالية ...

هامش :
ديوان (هناك ... حيث أنت) للشاعرة مسار حميد الناصري/مطبعة المنتدى ـ بغداد ـ شارع السعدون/الطبعة الاولى 2017م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض