الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوطن هنالك: قراءة في رواية -الوطن ليس هنا- لمراد الضفري

علي الفلاحي

2018 / 5 / 19
الادب والفن


فوضى، يستيقظ صباحا برشفة سيجارة مكفنة بالبياض و ينتشي في الحين ذاته لسعة من فنجان قهوته السوداء بمقهى بالرباط هو و صديقته، ليلى. يدعى طارق. رافقته ليلى منذ سنواته بالجامعة، أيام كان يظن أن لينين و القومية العربية اجابات عن أسئلة "ما العمل". قديمة قدم افكاره، صداقتها له. ينتشي رشفتين متصلتين من سيجارته مستعدا للقيام للعمل، لمقر العمل حيث يعمل كاتبا. هذا ما يعمله دون أن يعلم لونا لوطنه. هنا، هنالك.. بين الاوطان و أفكار طارق و الضياع، يحاول الكاتب مراد الضفري بأسلوبه الصامت و الوجودي التطرق لأعراض فكرة الوطن على حال طارق مستخدما أشكالا لغوية رصينة، مفتوحة المعاني و متعددة التأويل و التجارب.

فوضويا، ماضويا.. تنطلق الأحداث الأولى للرواية بمقهى ايطاليا، حيث يجلس طارق و ذاته محاورا تجاربه في التشبث بأمل للوطن بعد فشل تلك البنى المتضخمة المسمات ماركسية و قومية عربية في عتق رقبته من علته، الوطن. يتخذ المقهى و مكتب الجريدة ملاذا للعمل، و للعمل في تفكيك ماضيه. أماليا، تلك الانسان الذي لا نعلم عنه شيء، عن وجوده النصي بقدر ما هي موجودة كنقطة سواد في رأس أشيب. واضح الحب الذي جمع طارق بالاسرائيلة، المحتلة، أو ابنة اليهودي التي تجرعت مرارة الاحتلال المعاكس، إحتلال من قلب طارق و إحتلال لوجوده، الفكري كما يظن. الحب أم الوطن، كلمات نختار منها و يختار طارق الوطن ويصطدم بتوجعاته، حضوره و غيابه. وغياب أماليا وفكرتها، و إنطلاق الفشل فشلا مزدوجا، هذا ما قد يقرر.

تستمر هيكلية الميثولوجيا، من فكرة الخلق الى الخلق، من أفكار الحب النصي الى وجوده و، يتلقى خبرا من مدير الجريدة. الخبر توصيته بتغطية صحفية لأحد إحتجاجات عشرين فبراير، أو ليس كاتبا للرأي، يكتب و يغفل عن ما يشاء. يتخذ المهمة و تتخد الرواية مجراها الى حب أعمى، و هل القلب يعمى مرتين؟ طارق يقول نعم و يستمر، بمقى جانب المدرسة التقنية يقابلها بعين فاحصة، دقيق في صفاتها، ذكي في مغازلتها نصيا و هاتفيا، نصية الرواية تسقطه في الحب، مجددا.. حب زهرة ما زالت في طور النمو، نسبيا له. زهرة اسمها، ذبول في فكرة الوطان يزداد، و شقاء يزداد في صورتها البرجوازية المتعفة، في تطالعاتها المتدنية أو في فلسفتها التي تدعو الى كل شيء نقيض له، صاحبنا طارق- البوفري. و ما العمل؟ حينما يفشل الوطن حبا أحايين..

كثير من الحب ما يعري صاحبه أمام الرصاص. وبعد حب الفشل تستمر المقاومة عبثا، أم حبا في الانتحاري الجهادي؟ لا يهم. يضيق طارق لغياب الوطن، وغياب أرض على الارض تحمل حبه، فكرته عن أماليا، زهرة و لا ربما ليلى. قد يجد في أرض الانبياء ملاذا و جهاد ضد المحتل الاسرائيلي للفلسطين. يتخذ خطواته للهجرة نحو رفاقه بفلسطين معززا الصفوف ضد المحتل- اسرائيل. الأقذار، و قذاراتها لن تشاء الى ان تسقط حلمه في وطن يستشهد فيه الى أرق ليلي و وفاة رفاقه، وحين لا يجد ما من وطن بعد صحوته من غيبوبته الاسرائيلية، يجد ليلى و جهاد- صديقه الفلسطيني.
يتشكل طارق، نصيا، ما بين تصورات و أسئلة ذاخلية، معاشة، حول الحياة و فلسفتها، الوجود و عبثه أو الوطن و همومه. هذا الوطن الذي ناضل طارق من أجله أيام الجامعة، الوطن الذي ترفع من أجله شعارات اسقاط الفساد، بدل اسقاط النظام- يتسائل طارق. عن وجوده بوطن لا يبكي لوفاته بقدر ما يقيم الفصل حددا لوفاة الحاكم، هل له برقم تتعرف عليه اجهزة المخابرات، يسائل طارق ذاته ببرائة شاعر رعوي. هكذا تتشكل الحبكة السردية، الزمن الاسطوري بداية من كاوس، مرحلة زمنية الفوضى للحياة، حسب سرد النص و شعرية درويش. الوطن هنا، يصرح طارق. فالوطن موجود ناضل من أجله خارج السرد، اعتقل وعذب لأجله، لصورته و شاكلته التي لا يجد فيها وطنا. و كيف له أن يلجئ من ذاخل وطنه؟ ذاته؟ أم هل بنية الوطن صراع ممركز على ذات طارق.

يحاول الاجابة في حب مأسس، حب وطني يعاكس الحب الاسرائيلي فالوطن هوية طارق قد يجدها يوما مازال حيا يقاوم، يقاوم ماضيه من ذاخل احلام ماضيه، الطوباوية. هذا المتنفس، الاجلال الذي يتعالى به عن معارك ذاته ليحولها لى معارك في فراش حب زهرة. الاسم الذي خير لطارق ان يصالح ذاته معها. هل وجب أن يتخلص من ماضيه و يعيش حاضر زهرة في ربيع الرواية. يقاوم مغرياتها و فلسفتها البرجوازية ناعتا اياها. الحب الذي يتحول الى حرب. حرب ماض مصارع لحاضريته. حاضر مقاوم حب ربما وحده الحب قد يربط البطل بحبكته يظن طارق، يعيش و يجرب و يصرخ لمألاته، عبثه و هذيان الحب الذي يسلبه هو الاخر عن وطنه. ذاك الشيء الباحث عنه، و المفارق له..

و الوطن حب دفن في قضية مشبكة، لا أرض و لا دين لها.. لا قانون، كقانون الحب، و حين يفشل تجوز الذات قربان لرماد الحرب و طنين الرصاص. هذا ما يقرر طارق حينما يفشل المرتين، بين حب المستعمر و حب المستعمر يمنح جسده بجانب جسد صاحبه جهاد، حاملا السلاح ضد الغاصبين، مسالما لماضيه و متمما لبحثه عن ذاك الوطن الذي قد يكون سيمفونية تكتب بالرصاص. هكذا يهاجر الى فلسطين سندا للرفاق، كما يدعوهم، و كما دعته فوضى و معضلة البحث عن وطن.
رحلة من أجل الوطن، رحلة من جاهلية الوثن الى جهاد الوطن. الفكرة، المبدئ ام مشاريع الحب و الحرب. فناجين القهوة صباحا ة سيجارة الحلم بالنصر, أحاديث رفاقه بأرض فلسطين و تطلعهم لوطن حر في أحلامهم، حلمه. غادر الوطن بجروح من عشق الى وطن حيث يتحول جسده الى غيبوبة موت و طنين رصاص. وجوده يتحول الى وصمة عار في عين جهاد رفاقه، من مازال منهم حيا. هم و فكرته عن وطن يشفي غليله تتحول الى حبكة جحيم يوناني.
باتصال من ليلى، الحاضر الغائب بالرواية، ينهي طارق شوطا من مسيرته بأرض وعدت أن تكون له أرضا للخلاص، و وطنا للذكريات و الجروح. و على درب صحوته وفكرة عودته الابدية الى ليلى تنتهي كتلة من سلسلة تمثلات طارق للوطن و وجوده، و ليتم الكاتب الجزء الثاني من حلقة الوطن بروايته: "أنت أو لا وطن."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي