الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنتحابات العراقية .. النقطة الغائبة.

جعفر المظفر

2018 / 5 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الإنتحابات العراقية .. النقطة الغائبة.
جعفر المظفر
كان متوقعا أن تشهد الإنتخابات العراقية الأخيرة كثيرا من التزوير, بل ان كثيرا من الممارسات الشاذة المرافقة ربما تؤكد على أن الزمن العراقي لم يحن بعد لضمان أن تكون هناك عملية ديمقراطية حقيقية يمكن التفاؤل بإمكانية أن تساهم بإخراج العراق من عنق المأساة, ولذلك يصبح أمر التزوير هنا ظاهرة طبيعية أكثر منها شذوذا, وهو هنا قد ينطبق عليه القول (حشر مع الناس عيد).
لكن ما يهمنا هنا هو الوقوف أما حالة مفصلية كانت قد قيضت لتلك الممارسات ومنها هستيريا التزوير أن تظهر للعلن وكأنها جزءأ بنيويا من الحالة الإنتخابية نفسها.
إن مراجعة سريعة للأوضاع التي سادت الإنتخابات السابقة مع أختها الأخيرة تأخذنا إلى حقيقة إن إنشقاق الطوائف السياسية على بعضها, وفي مقدمتها الطائفة الشيعية المقررة, مع ما حدث في الجسمين الأساسيين, الكردي والسني, كان جعل الصراع (البيني) بين هذه القوى أكثر حدية من سابقه, ففي هذه الإنتخابات بدا الصراع التنافسي الحقيقي وكأنه بين شيعة وشيعة وبين سنة وسنة وبين كرد وكرد.
وعلى خلاف الإنتخابات التي سبقتها, أي تلك التي جرت لثلاث مرات من عمر النظام السياسي العراقي الحالي, كان الوضع العراقي قد إختلف إلى درجة واضحة حيث بدا النظام السياسي وكأنه مقبل على مرحلة بات مطالبا بشدة أما أن يؤكد فيها على فشله النهائي أو قدرته على الإستمرار لجولة قادمة. ومن المؤكد أنه سيكون لهذه الجولة شأنا حاسما لتقدير مدى صلاحيته وقدرته على الإستمرار دونما حاجة إلى تغييرات جوهرية تنال من عقيدته وبنيته الأساسية.
لنأخذ النموذج الكردي على سبيل المثال فسنجد كل الأطراف هنا, ما عدا مجموعة البارزاني, تؤكد على وجود تزوير واضح, وحتى أنها تدعو إلى إعادة الإنتخابات. أما الجانب الشيعي فإن الصراع على السلطة بدا واضحا بشدة لأسباب أهما غياب وحدة الصف وتراجع مكانة بعض الزعامات كالمالكي مثلا الذي كان قلقه في محله, حينما توقع أن تحفل الإنتخابات بكثير من التزوير, حيث لم يأتِ ذلك التوقع من باب التنبؤ, وإنما من باب العلم بالشيء كون الرجل شاهدأ من أهل الدار وعالما خبيرا بالنظام السياسي وأساليب قواه في تجميع الأصوات من أجل ضمان الفوز في السباق الإنتخابي.
هذا التوجس الذي عاشته القوى السياسية المنشقة على نفسها مع ميل هذه القوى للتبشير بمبدأ الأغلبية السياسية كقاعدة لتشكيل الحكومة بدلا من المحاصصة المكوناتية قد خلق جوا هستيريا ما قبل الإنتخابات وفي أثنائها, إذ لم تعد هناك ضمانة لجميع الأطراف للمشاركة السياقية والمضمونة في الحصول على جزء من الكعكة السمينة الأمر الذي أوجب حاجة الفصائل المتفرقة إلى الإعتماد على رصيدها الذاتي بدلا من الإعتماد على رصيدها الكتلوي الطائفي, وشجع أكثرها على أن تتسابق في عمليات التزوير والبلطجة وتعميق المظاهر العشائرية المتخلفة من أجل ضمان الفوز بما يكفي من الأصوات الترجيحية.
غير أن الملفت للنظر حقا هو حجم التزوير الذي رافق إنتخابات المناطق الغربية من العراق وصولا إلى محافظة الموصل. المقارنة التي تتحدث بوضوح عن الفرق الكبير في حجم التزوير الذي رافق إنتخابات هذه المناطق عن تلك التي جرت في المركز والجنوب والوسط لا بد وأن تذكرنا بالأصوات التي كانت تدعو إلى ضرورة تأجيل الإنتخابات في تلك المناطق لأنها لم تكن قد غادرت بعد أوضاعها المأساوية ولم تكن قد تهيات إلى الدخول في حلبة السباق الإنتخابي المتكافئ. والأهم هنا أن هذه المناطق لم تعش الإستقرار المطلوب لإفراز قواعد الحد الأدنى للمشاركة في اللعبة الإنتخابية, إذ ما زالت القاعدة الجماهيرية العريضة تعاني من تراكمات الظروف السيئة التي خلقها الإرهاب وخلفتها حروب القضاء عليه بما جعل سياسييها في واد مختلف تماما عن الواد الذي تعيش فيه هذه الجماهير.
اغلب جماهير هذه المناطق هي جماهير مخيمات ومدن مخربة تفتقد إلى الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة في حين أن أغلب سياسييها هم من سكنة الفنادق الفخمة ومن أصحاب الجيوب المنتفخة بالمال الحرام,وسيكون من باب الإفتراض الخاطئ وجود تصور لإمكانات أن تجري الإنتخابات في هذا الوسط المنشق على نفسه بسياقات يتوفر فيها الحد الأدنى من علاقات التواصل الأخلاقي ما بين القاعدة الجماهيرية من ناحية وسياسييها من ناحية أخرى. إن أمرا كهذا قد حسم منذ البداية طبيعة الأجواء التي سادت إنتخابات تلك المناطق حيث كان الشذوذ هو القاعدة.
لكن يبقى من المهم التذكير بأن مستوى المشاركة الشعبية المتدني سوف يبقى سيفا مسلطا على رقبة النظام. العزوف عن المشاركة في الإنتخابات لم يكن يعبر عن مقاطعة سلبية. إن كثيرا من الدعوات التي مهدت له تنذر أو تبشر بوجود معارضة جماهيرية نوعية مارست حقها الإنتخابي في ان لا تنتخب, فهي إذن مشاركة نوعية إنتخابية جماهيرية نقيضة بإمكانها أن تتطور إلى فعل فاعل من خارج العملية السياسية.
ويمكن أن تعتبر مشاركة نوعية كهذه وكأنها إنتخابات ظل تعاملت مع النظام السياسي بدلا من أن تتعامل مع شخوص هذا النظام, وهي قابلة لأن تتطور للتعبير عن نفسها بأشكال عدة إعتمادا على ما سيحققه النظام في الأربعة سنوات القادمة التي سيكون لها شأنا حقيقيا في تقرير ما إذا كان بإمكان العراق أن يعبر من مرحلة الإنتحاب إلى مرحلة الإنتخاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي صلاحيات رئيس الجمهورية في إيران؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. هيئة الانتخابات الإيرانية تعلن عن جولة إعادة بين بزشكيان وجل




.. الداخلية الإيرانية: تقدم بزشكيان مؤقتا يليه جليلي


.. الداخلية الإيرانية: تقدم بزشكيان على جليلي بعد فرز 19 مليون




.. مقتل عشرات الفلسطينيين وإصابة آخرين في قصف إسرائيلي على مناط