الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انا وانتِ بلا وطن!!

محمدعلي شاحوذ

2018 / 5 / 21
كتابات ساخرة


ماذا لو كنت أنا وأنت فقط مخلوقين في كوكب بدائي صغير من تلك ملايين الكواكب المنتشرة في مجرة التبانة, وابعد ما يكون عن كوكب الارض ؟؟ كوكب صغير لا شئ فيه سوى كوخ يضمنا بجانب نهر مع كمية اوكسجين تكفينا لنعيش بضعة سنين دون أن نعلم حتى ما اذا كانت هناك اي شكل من اشكال الحياة غير حياتنا !!.
لن تشغلنا اي مظاهر من مظاهر الحياة المعقدة, فلا نعد بحاجة الى الموبايل ولا الى الاشتراك بمولدة المنطقة بسبب غياب كهرباء الدولة, ولن نضطر لأن نقف في أي طابور ابتداء من طابور خدمة العلم وانتهاء بطابور الصمون!!.
لن تكون هناك حدودا للوطن يرسمها المستعمرون طمعا بخيراته, ولن تكون هناك حروبا طاحنة, يقتل فقط الشجعان والابرياء وتخلد اسماء الجبناء والطغاة !! , لن نشاهد مظاهر الظلم والطغيان التي تمجد القتلة والجبابرة واللصوص وتدوس على رؤوس الفقراء والمعدمين .
لن تصدمنا ملايين صور القتل المجنون لمجرد المتعة , فلا صور لحز الرؤوس وقطع الاعناق والاطراف, ولا صور للدماء واشلاء الاطفال والابرياء المتناثرة ,ولا مشاهد لدمار الاوطان والمدن المنكوبة. لن نكون مضطرين لان نعيش لحظات قاسية ونحن نرى الموت يقبض ارواح كل من نحب , ونرى مدارسنا مدمرة بالكامل وقد مات كل معلميها قهرا وحزنا فلا يتبق لنا تاريخ, ولا رائحة بيت الطفولة العبقة ولا وجوه الاصحاب الذين تشتتوا فلم نعرف بعد وجوههم ونصبح غرباء حتى على وجوهنا!!.
لن نشاهد ونحن نعيش لوحدنا في كوكبنا البسيط تلك الوجوه الكالحة القبيحة من تجار الحروب ومقاولو البشر وسماسرة الدم ومافيات السياسة وعبدة الدولار وخونة الاوطان وباعة الضمير وحفنات اللصوص واصحاب الكروش والعروش.
ستختفى من حياتنا عناوين عريضة, فلا وجود لشعوب تصنع طواغيتها , ولا شعوب تعبد اصنامها التي بيدها صنعتها, ولا شعوب من خوفها, تتشبه بقطعان اغنامها , ولا وجود في حياتنا لشعوب توقر لصوصها وفاسديها وتحتقر مثقفيها وادباءها , ولن نشاهد مواكب وجحافل المنافقين والمتملقين واشباه الرجال وهم يهرولون ويقفزون بين يدي اصحاب السلطان والجاه, ينافسون عاهرات الجسد وبائعات الهوى ,المهم يبيعون اصواتهم لمن يدفع اكثر.
ستختفي الكراسي من حياتنا , فلا كرسي لسلطان جائر , قتل تصف شعبه لكي يبق هو متسمرا فوق كرسيه خالدا مخلدا للابد, وستختفي كل الاسلحة من حياتنا , فلا احزمة ناسفة ولا سيارات مفخخة ولا حتى مسدسات الالعاب النارية .
لوحدنا في كوكبنا سنتأمل الكون والخليقة بهدوء وسنعبد الله بذهن صاف وايمان عميق , فلا وجود لطائفية, أو مذهبية او قومية او جنسية ولا وجود لبطاقة سكن او بطاقة تموينية او قصاصة امنية او جواز سفر او حتى جواز عرفي!! ولن نكن مضطرين أن نتحزب حتى نتعين في دوائر الدولة, فلا وجود لآحزاب همها الوحيد التسلط, ولا وزارات محجوزة سلفا لعوائل بعينها, ولا حكومات شكلية ولا مجالس نيابية ولا مفوضية انتخابات ولا انتخابات مشكوك بنتائجها, ولا محاصصة ولا محافظين ومسؤولين هربوا بمقدرات الناس ولا وزراء ومدراء دوائر خالدين, اشتروا مناصبهم بالرشوة والحيلة ولا اعضاء وعضوات مجالس أي مجالس كانت , ولا اعضاء قيادة او اي اعضاء كانت !!.
لن أكون مضطرا للتعامل بالرشوة في كل مرة اراجع فيها اي دائرة حتى لو كانت حضانة الاطفال ,ولن اشاهد سوقا لبيع الاطفال ولا نساء كسيرات لا حول ولا قوة لهن يتم استخدامهن لتسوية نزاعات بين عشيرتين كأنهن أفرادا من قطيع ابل او بقر!!, ولن اضطر لسماع صرخات الايتام وأنين الارامل والعجائز ولن اشاهد دموع المقهورين والمعدمين ولا خوف النازحين وملايين المشردين والمهجرين ولا قوافل السبايا ولا اطفال التقاطعات ولا دور المسنين الذين تخلى عنهم ابنائهم, ولن اكون مضطرا لرؤية السيوف والخناجر وهي تغرز بقلوب الأشقياء والبؤساء وتترك الانذال والطغاة والمتكبرين, لن اكون مجبرا على التعامل مع طلاب الموائد ولا نساء المكائد ولا مثيري الكراهية والاحقاد.
لن تكون هناك دول متقدمة ودول عالم ثالث ولا امم متحدة وامم مبعثرة , ولا اسرائيل المغتصبة, ولا جامعة عربية فزاعة, ولا أقاليم تطالب بالاستقلال رغم أنها تلتهم ثلث ثروة البلد, ولا اصوات انفجارات, ولا نقابات كارتونية ولا جامعات متخلفة ولا مدارس طينية, ولن نلجأ لمستشفيات اثرية, مهمتها اصدار شهادات الوفاة, ولا بيئة ملوثة ولا شوارع مزدحمة ووسخة ولا أغاني هابطة, ولا سكائر ومعسل ومخدرات ولا صور سيلفي مملة ,ولن يكون هناك قنوات فضائية زاعقة ولا حتى قنوات المجاري, ولن أتفاجأ كل شهرين بتقليص راتبي في حين تتضخم رواتب المسؤولين وعائلاتهم وجواريهم ,وتتمدد مخصصاتهم, وتكثر ايفاداتهم وسفراتهم.
في كوكبنا الصغير, لن تكون هناك خيبات متتالية , ولا حظ عاثر, ولا حب ضائع , ولا مطبات جديدة, ولا رغبات مكبوتة, ولا اضطهاد وظلم مستمرين, وسأتمكن من النظر مطولا بصمت الى عينيك العسليتين الصافيتين , دون أن أفكر أنك غيرتي لونهما بعدسات لاصقة, حيث لا تجميل ولا نفخ ولا تزوير, وحيث أن عينيك ارض لا تخون ,عكس من عرفناهم وتجرعنا منهم كل خيباتنا!!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل