الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقديس المسيَّس سلاح المتلبسين بالدين.

محمد جابر الجنابي

2018 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


التقديس ظاهرةٌ رافقت مسيرة البشرية، فالأمم والشعوب تميل إلى تقديس بعض القضايا والأمور اعتزازاً منها بالمقدس، ولما نزلت رسالات السماء كان لها موقف ايجابياً مع هذه الظاهرة فيما يتعلق بتقديس مَن يستحق التقديس شرعاً وعقلاً وأخلاقاً ، شريطة أن لا تخرج عن الإطار الشرعي العلمي الأخلاقي الإنساني الحضاري...
لكن هذه الظاهرة لم تكن بمنأى عن مخالب الانتهازيين، فدخلت في دائرة توظيفهم وتسييسهم، فراحوا يضعون كل ما يخدم مصالحهم الضيقة ومشاريعهم الخبيثة في دائرة التقديس، ويضفون عليه هالة من القداسة بحيث صارت تلصق بمَن ليس أهلٌ للتقديس، بل إن الأمر ذهب إلى أخطر من ذلك حينما صارت تلصق بمن مواقفه وسيرته مخالفة للشرع والعلم والأخلاق والإنسانية...
تتفاقم خطورة هذه الظاهرة عندما تمارس بإسم الدين ومن قبل المُتلبسين به، لأنها ستكتسب الشرعية حينئذٍ، وسينقاد إليها المسلمون في ظل غياب الوعي وسيطرة الانقياد الأعمى للمتسترين بالدين، ولذلك نجد أن هذه الظاهرة الخطيرة تفشّت في أدبيات المجتمع الإسلامي بكل طوائفه ومذاهبه، وهناك أيادي معلنة وخفية تعمد على تفعيلها وتعميقها وتسويقها بما يخدم توجهاتها النفعية الشخصية التي تتمحور في جانبين: السلطة والمال، وهذا هو نهجٌ سار عليه التيمية وبالغوا فيه، حتى أنهم راحوا يُقدِّسون من يرتكبون المحرمات جهاراً وينسبون موبقاتهم وأخطائهم وفشلهم إلى غيرهم للحفاظ على قدسيتهم المزعومة، بل ويمنحوهم أخطر المناصب والألقاب كالخليفة والإمام والأمير والسلطان والحاكم والفاتح والناصر وغيرها، ومن الشواهد على ذلك ما كشف عنه الأستاذ المحقق في سياق تعليقه له على ما ينقله ابن الأثير في الكامل فيما يتعلق بالملك العادل ومحاولته البائسة لإضفاء القدسية عليه وعلى أولاده واختلاق المبررات الواهية لما ارتكبه من أخطاء وفشل وموبقات تسببت في صراعات ونزاعات وهزائم أبادت شعوب بأكملها، حيث قال الاستاذ المحقق :
((أسلوب فارغ معتاد لتبرير كلّ فشل وهزيمة وخيانة وفساد تصدر مِن أولياء الأمر الحكّام الملوك السلاطين، فينسِبون الفشل والهزيمة والخيانة والانكسار إلى شخص مِن هنا أو هناك أو جهة هنا أو هناك أو دولة هنا أو هناك، للحفاظ على تقديسهم للأشخاص وإلباسهم لباس الإيمان والحكمة والعصمة والخلافة الإلهيّة والإمامة!!! وهنا يحاول إلباس القدسيّة لأولاد العادل وللعادل ولحكمته وعدالته ووصيته وأوصيائه، فأتى بابن مشطوب وحمّله كلّ ما حصل في دولة الأيوبيين عصر العادل وأولاده مِن صراعات ونزاعات وهزائم نكراء أدّتْ إلى إبادة شعوب إسلاميّة كاملة بمدنها ببنائها وأشجارها وحيوانها وإنسانها!!!)).
التقديس اللامشروع كان ولا يزال له الأثر السلبي على فكر وعقيدة وسلوك وواقع الفرد والمجتمع المسلم لأنه يشلُّ حركة الفكر، ويُعطِّل التقييم الموضوعي، ويوقف عملية الفرز الحيادي العادل، ويضع الأفعال والمواقف على حد سواء لأن الجميع تحت هالة التقديس : البر والفاجر ،الصحيح والخطأ، الحقيقة والوهم ...، وهذا بدوره سيرسم صورة مشوشة غير واضحة يختلط فيها الحابل والنابل ، وتُغَيَّب القدوة الحسنة والنموذج الأمثل والمنبع الصافي ويحصل الخلاف والاختلاف، ناهيك عن الصمت والسكوت عن الأخطاء والفشل والموبقات والجرائم التي يرتكبها صاحب القداسة المستوردة، أو محاولة التبرير له أو إلصاقها بغيره حفاظاً على قدسيته الفارغة التي يعتاش عليها هو ومن ألصقها به من النفعيين... فصارت الشعوب (إلا الأندر) تُقدِّس مَن لا يستحق التقديس، وتهين أو تخذل أو تتقاعس عن نصرة من يستحق التقديس أو المقدس الأقدس...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص